الأخبارمقالات

ما الذي يحدث في صنعاء؟

تحليل يقرأ في مستقبل التحركات الشعبية والانتفاضة الجماهيرية في مناطق سيطرة الحوثيين..

ما موقف التحالف العربي والشرعية من هذه التحركات.. هل يدعمونها أم يفضلون التسوية السياسية مع الحوثيين؟

ما الذي يجعل الشعب في مناطق سيطرة الحوثيين وبعد تسع سنوات من القمع أن يقول (لا)؟

هل فشل الحوثيون في تدجين المجتمع وإخماد روح الثورة لدى الشعب بعد تسع سنوات من الحرب؟

ما مستقبل هذا الحراك في صنعاء.. وهل يتوسع.. أم أنها مجرد سحابة صيف؟

موقع (عدن الغد) القسم السياسي:

يحاول كثير من المؤرخين الترويج بأن “صنعاء مع من غلب”، في إشارة إلى سكون وخضوع أهلها ودعتهم وتسليمهم بسلطات الأمر الواقع، مستندين إلى العديد من الحوادث والوقائع التاريخية التي جعلت المدنية تُسلم لكل من دخلها غازيا قاهرا لأهلها، ويسعى هؤلاء إلى جعل هذه الوقائع حقيقة مسلما بها؛ ربما لأغراض خبيثة.

غير أن ما تعيشه صنعاء اليوم، وما عاشته قبل نحو ست سنوات، خلال انتفاضة ديسمبر/ كانون أول عام 2017، يدحض تلك الوقائع ويجعل من هذه المحاولات مجرد عبث غير حقيقي، يسعى إلى تشويه تاريخ أهالي صنعاء الذين وقفوا ضد جحافل الملكيين في حصار السبعين أواخر عام 1967 ومطلع عام 1968 وصدوهم عن المدينة خائبين، وثبتوا مداميك الجمهورية، بالشراكة مع أبناء اليمن قاطبة.

حينها كان الملكيون الإماميون يمتلكون من القوة والعوامل المساعدة الكثير للقضاء على الجمهورية في مهدها، بعد تخلي القوى العربية والقومية عن اليمن الجمهوري، وتكالب الرجعية والأنظمة الملكية العربية على ثورة سبتمبر بحثا عن عودة الحكم الملكي إلى اليمن، لكن صنعاء أثبتت أنها جمهورية كما تثبت اليوم ذلك، من خلال رفضها للحوثيين بعد 9 سنوات من سياسة القمع والتجويع.

ولعل المظاهرات المتصاعدة خلال الأيام الماضية في صنعاء وعدد من مناطق سيطرة الحوثيين في شمال اليمن، يعيد إلى الأذهان كيف انتفضت صنعاء قبل ست صنعاء في انتفاضة ديسمبر عام 2017، كما أعادت التذكير بتضحيات اليمنيين في حصار السبعين الذي أكد الرفض الشعبي للإمامة والملكية في اليمن، ومنع عودتها، وكما تحاصر مليشيات الحوثي اليمنيين في مناطق سيطرتهم، قد تحمل هذه التحركات رفضا لهذا الحصار كما رفض حصار السبعين يوما.

كل ذلك الرفض الشعبي والسياسي الذي تشهده صنعاء ومحافظات يمنية عديدة ضد الحوثيين أثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن التململ الجماهيري بات اليوم قوة لا يمكن قهرها، ورغم أن هذا الحراك الشعبي لم يرتقِ بعد إلى مستوى ثورة شعبية عارمة، وما زال هذا الحراك في طور الانتفاضة التي ينتظر الأحرار أن تتحول إلى ثورة حقيقية تقلب الطاولة على الحوثيين بعد أن تكشفت عوراتهم أمام الشعب.

فكما استولى الحوثيون على الدولة ومؤسساتها وعلى الجمهورية بالمظاهرات المدروسة والممنهجة لأنصارهم المؤدلجين فكريا وطائفيا، في عام 2014، وصدقهم فيها البسطاء من المواطنين الباحثين عن كبح جماح الفساد، ها هي المليشيات تذوق من نفس الكأس، بعد أن اكتشف الناس أن شعارات الحوثي عام 2014 لم تكن سوى للاستهلاك الإعلامي والتأثير على مشاعر الناس وأوضاعهم المعيشية.

غير أن مصادرة المرتبات من قبل الحوثيين ونهب ثروات المناطق التي تسيطر عليها، والثراء الفاحش لقياداتها الذين ما انفكوا يؤسسون مشاريع استثمارية وتجارية على حساب المواطنين، والملايين التي تذهب إلى جيوب الأسر الهاشمية المستفيدة من الخمس، بالإضافة إلى الجبايات والإتاوات التي تفرضها المليشيات وإثقال كاهل اليمنيين بها، كل ذلك دفع الناس للاحتجاج والتظاهر وفضح الحوثيين.

لكن المستغرب أن كل هذه الممارسات لم يضج بها الناس إلا بعد مرور تسع سنوات من السيطرة الحوثية هناك، ولعل تأخر التحركات المضادة للحوثيين يرجع إلى إيمان الناس وأملهم بإحلال السلام وانصياع الحوثيين للجهود والمطالبات المحلية والدولية لإنهاء الحرب وتطبيع الأوضاع، غير أن الحوثيين لا يبدو أنهم يرغبون في ذلك، ولهذا تعالت الأصوات المعارضة والانتقادات المضادة للمليشيات.

> الشعب يقول (لا)

ليس من السهل أن يتحول الشعب في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين إلى مرحلة البوح بما يعتريه من مكابدة ومعاناة امتدت منذ تسع سنوات، مارست فيها مليشيات الحوثي كافة صنوف وأنواع الانتهاكات الحقوقية، حتى إنها مست الحق في الحياة نفسه، والحرمان من أساسيات الخدمات العامة، وعلى رأسها القوت الأساسي المتمثل في المرتبات.

ومن المؤكد أن كل هذه الممارسات هي من فرضت على الشعب في صنعاء وغيرها الخروج والتظاهر والصراخ بملء فيه قائلا (لا) للمليشيات الحوثية وانتهاكاتها التي طالت كل شيء، لكن الأمر لا يمكن أن يقف عند هذا الخروج أو التظاهر، فقضية مقاومة السيطرة الحوثية القمعية لها تبعات ضخمة تدركها المليشيات نفسها، ولهذا فهي تمضي في سياسة القمع أكثر وأكثر، في محاولة منها لإخماد روح الثورة لدى الناس، كدليل على خشيتها من المواجهة.

الخوف الحوثي من الشعب نابع من كون المليشيات أدركت بالفعل أنها فشلت في كل سياساتها ومحاولاتها (تدجين) المجتمع اليمني، أو إخماد روح الثورة لدى الشعب بعد تسع سنوات من المحاولات البائسة لتغيير فكر وعقلية اليمنيين، بكل ما أوتي الحوثيون من قوة، ومن ورائهم منظومة السلالة التي تريد إعادة حكم الإمامة من جديد، غير أن كل تلك المحاولات المستميتة باءت بالفشل.

ولم تفلح سياسة التلغيم الفكري التي نفذتها مليشيات الحوثي طيلة تسع سنوات من السيطرة على كل مقدرات الدولة ومؤسساتها التعليمية والدينية والعسكرية والأمنية، التي سخرتها بهدف تغيير فكر وقناعة المواطنين، والتأثير عليهم طائفيا، من خلال الدورات الثقافية وغيرها، ودس سموم الفكر الاثنى عشري واستيراد نظام ولاية الفقيه التي أثبتت عدم ملائمتها للهوية اليمنية، فبمجرد خروج المتظاهرين في صنعاء ومطالب المعلمين من قبل بمرتباتهم، عرفت المليشيات أنها فشلت في سياستها تلك.

حتى تسلل القيادات الحوثية، ومن قبلها الهاشمية في سلك القضاء والجيش، وسياسة التضييق على الإعلام ومصادرتها، والانتهاكات الممارسة بحق الصحفيين والإعلاميين وقادة الرأي في المجتمع، بل واغتيالهم وتصفية المعارضين، كل ذلك لم يشفع للمليشيات في شيء، وها هو الشعب يخرج ضد الطائفية وضد نهب ثرواته، صارخا في وجه الكهنوت رافعا كلمة (لا)، فارضا أمرا واقعا لم تكن الجماعة الحوثية تضعه في الحسبان.

> مستقبل الحراك الصنعاني

يخشى كثير من المراقبين أن تكون كل تلك الاحتجاجات التي تعيشها صنعاء مجرد “سحابة صيف”، ولن تتحول إلى ثورة كما يأمل معارضو وخصوم الحوثيين، خاصة وأن هذا الأخير يمضي في سيطرته والقبض على كل مفاصل الدولة العسكرية والأمنية، وما زالت بيده كافة العوامل التي ستجعل منه قادرا على قمع الاحتجاجات كما فعل من قبل.

غير أن ما يغفله المراقبون، أن الحوثيين يكررون سيناريو كافة الزعماء والقادة والأنظمة السياسية الذين تسببت الاحتجاجات الشعبية باهتزاز عروشهم، والذين أخطأوا وفشلوا في مواجهة الشارع؛ لأنهم لم يكن لديهم أية خيارات أو حتى رغبة في تعديل سياستهم أو إحداث تغيير حقيقي، وحتى وإن تم هذا الأمر فإن ينجح لأن الشعب قد فقد الأمل في أي تغيير قادم من الأعلى.

ورغم تحركات الحوثيين الأخيرة، وتوجيههم لتغيير الحكومة غير المعترف بها دوليا، إلا أن اليمنيين قد عرفوا هذه الأساليب من قبل، والتي لم يعد لها أي جدوى، وعندها لن يكون أمام الحوثيين للإبقاء على فرص ضئيلة بتواجدهم سوى الانصياع لخيارات السلام، التي تريد دول الإقليم والمجتمع الدولي التسريع بها، في ظل رفض وتعنت حوثي واضح.

بل إن كثيرا من المتابعين لا يستبعدون أن تكون تلك الاحتجاجات والتحركات الشعبية في معاقل سيطرة الحوثيين ما هي إلا إيعاز خارجي لأدواته في الداخل لتشكيل ضغط شعبي وجماهيري ضد الحوثيين، لإجبارهم على الجنوح إلى السلم، بعد تهديداتهم الأخيرة وجريمتهم بحق الجنود البحرينيين على الحدود السعودية اليمنية.

وفي الحقيقة فإن هذه الجزئية يجب ألا تكون حقيقية، لأن عفوية التظاهرات والاحتجاجات في مناطق سيطرة الحوثيين سيكون وقعها أكبر على المليشيات من أنها كانت مدعومة من الخارج، فهذا قد يبرر للجماعة الانقلابية قمع أية تحركات ضدها.

لهذا، لا يتمنى أحد أن يكون للتحالف العربي أو الشرعية اليمنية أي دور في مستقبل الحراك الصنعاني، الذي يجب أن يبقى عفويا وطاهرا كما بدأ، حتى يؤدي غايته في إسقاط وهم السيطرة لمليشيات الحوثي، بل عليهم (التحالف والشرعية) التركيز على التفاوض مع الحوثيين الذين باتوا في أضعف موقف يمكن أن يكونوا عليه، بسبب الحراك الشعبي ضدهم، عندها يمكن التحكم في مفاوضات التسوية السياسية بناءً على الموقف المتراخي للحوثيين، والذي صار موقفا ضعيفا للغاية لا يمت للسيطرة على الأرض بأي صلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى