يُعد حصاد “تمور المناصف” التي تشتهر بها نخيل الساحل الغربي اليمني، موسمًا للفرحة والابتهاج، ومصدر دخل وفير لكثير من سكان مناطق تهامة غربي اليمن، وفرصة لاكتشاف المواهب، واستعراض الألعاب الشعبية النادرة التي تشتهر بها تهامة دون غيرها.
حصاد المناصف
يبدأ موسم الحصاد في يونيو/حزيران من كل عام، ويستمر ثلاثة أشهر، وينتشر في مناطق عدة بمحافظة الحديدة كالدريهمي، وبيت الفقيه، التحيتا، ويتسابق السكان في العمل من خلال الأدوات التقليدية التي تساعدهم على تسلّق أشجار النخيل، وجني الثمار وتصديرها للأسواق المحلية.
يرتبط الموسم بذاكرة التهامي منذ طفولته والتي تبدأ بجمع الثمار المتساقطة، ثم تسلّق أشجار النخيل وجمع أكبر قدر من المحصول بالتزامن مع ترديد الأهازيج الشعبية، وإقامة الحفلات والمسابقات الثقافية، من أجل الفرحة وتنمية المواهب.
يعيش الأطفال في تهامة حالة من الفرح والسرور، وكذلك العناء في نفس الوقت، حيث يكابدون حرارة الشمس الحارقة أثناء العمل الذي يبدأ من الساعة الرابعة فجرا، وينتهي الخامسة مساء كما يقول الشاب محمد زوقر (28 عاما)، أحد أبناء الساحل التهامي.
وأضاف زوقر لمنصة ريف اليمن، وهو أحد ابناء مديرية الدريهمي: ” نَذهب للمَزارع باكرين، ونواجه الكثير من التحديات والحشرات الضارة الى جانب تحمل حرارة الشمس الحارقة بسبب توافق موسم المناصف في فصل الصيف من كل عام.
أما حنان مكيدش طالبة جامعية، فتؤكد أن المناصف فاكهتها المفضلة، وتقول لمنصة ريف اليمن:” احرص على استغلال الموسم الذي يأتي في فصل الصيف من كل عام، وأعمل على تقديم أجود أنواعه كهدايا لصديقاتها في المحافظات الأخرى”.
ألعاب رياضة نادرة
ويُعد موسم المناصف فرصة للفرحة واكتشاف المواهب الجديدة، من خلال العديد من الفقرات مثل سباق الخيل، والإبل، والقفز على الجِمال، ويتم التنسيق بين وجهاء المناطق التهامية لإقامة الاحتفالات في منطقة الجاح بمديرية بيت الفقيه، كإحدى الفعاليات الزراعية والثقافية التهامية، ويحظى المتسابقون والفائزون باحترام أبناء المديريات المجاورة.
يقول عبد الودود قعيبل أحد المشاركين في الاحتفال إن “الألعاب الشعبية والاحتفالات ومنها القفز على الجمال والرقصات الشعبية تعبر عن هوية وحضارة التهامي وعن موروث قبيلة الزرانيق”.
وبحسب قعيبل فإن أبرز الألعاب الشعبية التي تتم خلال الموسم، لعبة القفز على الجِمال، والتي يصل عددها أحيانا الى ستة جمال، بالإضافة إلى لعبة “التقحيل”، أو يطلق عليها تهاميا بلعبة “السعادة والقوة”، وهي مارثون رياضي يجري فيها اللاعب من مسافة محددة، ثم يقفز إلى الأعلى ويلمس بأطراف أصابع رجليه “عصا” يمسكها شخصان بطريقة عرضية ويسقطها على الأرض، كشرط للفوز.
وتمنّى قعيبل أن يتم ضم لعبتيّ القفز على الجمال، والتقحيل، ضمن الأولمبيات العالمية كونها تعتمد على الرياضة البدنية والقوة والخبرة وتتطلب الجهد الكبير لإتقانها، لافتا أن اليمن هي الدولة الوحيدة التي تتقن مثل هذه الألعاب من خلال أشبال تهامة ومورثهم العريق.
كما تَحضر إلى جانب الألعاب الشعبية، الفقرات الشعرية والأهازيج الشعبية التهامية ابتهاجاً بنجاح موسم التمور، والترفيه عن الأسر بعد مشقة وعناء الحصاد الذي يعد مصدر دخل لمئات السكان.
وتُعد زراعة النخيل وإنتاج التمور مصدر دخل لكثير من المزارعين التهاميين وصغار التجار وفرصة لغالبية العمال وأصحاب الحرف اليدوية من أجل توفير لقمة العيش لأفراد عائلاتهم، كما يعمل الحاج محمد مغلس (48 عاماً)، الذي يبيع فاكهة تمور المناصف في أحد أسواق الحديدة.
ورغم وفرة ما تنتجه تهامة من أصناف التمور التي تزيد عن 50 نوعا الا ان مغلس يكتفي بعرض عدد محدود من فاكهة المناصف كالفعل، وخضاري، وعريجي، وطبيقي، ومقصاب، والعجوي، وغيرها، والتي تباع بأسعار متفاوتة تتناسب مع دخل المواطنين في المحافظة الأشد فقرا في اليمن.
تتركّز زراعة النخيل بمحافظة الحديدة والجوف وحضرموت حيث يوجد أكثر من 67% ويقدر إنتاجها بحوالي 48.168 طنا، وتقدر المساحة المزروعة بأشجار النخيل في اليمن ما يزيد عن 13.848 هكتار من إجمالي الأراضي المزروعة بأشجار الفاكهة، وفقا لإحصائيات حكومية سابقة.
وإلى جانب بيع التمور يستغل أبناء الحديدة سعف النخيل، وينتجون منه العديد من المصنوعات والمشغولات اليدوية مثل كوافي الخيزران التي ظلت تزين أسواق وشوارع المدن التهامية على مدى قرون، إلا أنها أوشكت على الاندثار في السنوات الأخيرة.
خسرت الزراعة في محافظة الحديدة خلال السنوات الماضية، ما يزيد عن مليون نخلة من اجمالي 2 مليون و200 ألف نخلة في حين يبلغ عدد أشجار النخيل في اليمن حوالي 4.680 مليون نخلة منها 67% أشجار مثمرة، بحسب احصائيات صادرة عن وزارة الزراعة.
مصدر للعيش
ويعتبر مغلس الذي يعتمد على بسطته في توفير لقمة العيش لأفراد عائلته المكونة من 8 أفراد، مناصف وديان الجاح التي تضم مناطق واسعة من مديرية بيت الفقيه كأفضل محصول تنتجه تهامة الممتدة بطول الساحل الغربي، لافتا أن الوضع المعيشي أدى إلى تراجع الطلب بشكل كبير مما جعل كثير من الاسر تكتفي بشراء عدد محدود من حبات المناصف بدلا من المئات”.
وقال لمنصة ريف اليمن: “تتراوح أسعار 100 حبة من المناصف ما بين 900 و1500 ريال يمني بحسب نوعية وجودة الصنف، ويتم بيع المناصف في مناطق تهامة بعدد الحبات مما جعل البعض يكتفي بالقليل وفقا لقدرته المادية، وتٌزيّن المناصف موائد جميع الأسر الميسورة والفقيرة على حد سواء خلال الموسم.
وتُنتج محافظة الحديدة ما يزيد عن 35 نوعاً من التمور ويُعد من أهم الفواكه التي تتميز به تهامة الى جانب الموز والمانجو وغيره من الحبوب والخضروات التي تصل 40 % من الإنتاج الكلي للبلاد، لكنها تراجعت بشكل عقب اندلاع الحرب والتغيرات المناخية.
ويشكو مزارعو النخيل من ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وغياب الدعم الحكومي، وغياب دور المنظمات المهتمة بالزراعة وتقاعسها عن تقديم الدعم، وتوفير الخدمات الزراعية خصوصاً في ظل الحرب والتغيرات المناخية مما أثر سلباً على ثمار النخيل والمحاصيل الأخرى.
مزارعون في الحديدة أكدوا لمنصة ريف اليمن “تكبدهم خسائر، وفقدان الكثير من المحاصيل نتيجة التكاليف الباهظة وأزمة المشتقات النفطية، مشيرين أن المبالغ المالية التي يحصلون عليها بالكاد تكفي لتوفير تكاليف الخدمات الزراعية”.
تحديات وخسائر
المزارع عبده بكيري (35 عاماً)، تكبد خسائر كبيرة، ويؤكد لمنصة ريف اليمن أنه خسر ما يزيد عن 500 نخلة من أفضل النخيل التي تتميز بها تهامة في الجاح، ولاستعادة النخيل يحتاج بكيري الى 12 مليون ريال يمني(الدولار يساوي 550 ريالا)
وقال بكيري الذي يمتلك مزرعة نخيل في منطقة بيت الفقيه تقدر مساحتها ما يقارب 15 معاد: “هناك مساحات زراعية واسعة في الساحل التهامي، لا تزال حتى اللحظة منطقة حرب، الأمر الذي أدى إلى تراجع إنتاج التمور، بالإضافة إلى فقدان عدد كبير من ثمار النخيل خلال السنوات الماضية”.
ويضيف: “نفتقر لوجود الدعم الحكومي الذي يلبي متطلبات زراعة النخيل، المحصول والإنتاج في الوقت الحالي هو نتيجة لجهود المزارعين أنفسهم من أجل البقاء وتوفير لقمة العيش”.
وفي ظل تراجع وانحسار مزارع النخيل وتدهور القطاع الزراعي بمحافظة الحديدة، شدد المهندس الزراعي على الوحيشي خلال حديثه لمنصة ريف اليمن، على ضرورة إيجاد رؤية مدروسة من قبل الجهات المعنية تشمل كافة القطاعات الزراعية في عموم محافظات الجمهورية.
وطالب الجهات الحكومية إيقاف الاستيراد وتوفير المشتقات بأسعار مناسبة تتناسب مع دخل المزارعين، مشدداً على أهمية قيام الحكومة بدورها بتوفير المعدات الزراعية والاهتمام بالجانب التسويقي لكافة المنتجات الزراعية بما فيها زراعة النخيل”.
ريف اليمن