“أطباء تحت الهجوم”: فيلم وثائقي يكشف المأساة الصحية في غزة ويحصد جائزة الصحافة البريطانية

في خطوة استثنائية، فاز الفيلم الوثائقي “غزة: أطباء تحت الهجوم” بجائزة الصحافة الأجنبية في حفل توزيع الجوائز البريطانية، بعد رفض شبكة “بي بي سي” عرضه، ما أثار جدلاً واسعًا حول معايير الحيادية الإعلامية في تغطية الأحداث الفلسطينية.
رفض “بي بي سي” عرضه
الفيلم، الذي أعدّته الصحفية راميتا نافاي بالتعاون مع شركة “بيسمنت فيلمز”، يكشف الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للأطباء والمنظومة الصحية في قطاع غزة. وقد أُلغي عرضه على “بي بي سي” في يونيو/حزيران الماضي، بزعم عدم حياديته وانحيازه، قبل أن يتم عرضه لاحقًا على القناة الرابعة البريطانية في يوليو/تموز، حيث لاقى اهتمامًا واسعًا.
وأعربت نافاي عن شعورها بالبراءة بعد حصول الفيلم على الجائزة، قائلة: “في الوقت الذي كنت أشكك فيه في الصحافة، رأيت الصحافة في أفضل حالاتها، حيث تدخلت قناة 4 بسرعة كبيرة وعملت وفق معايير أعلى”.
شهادة صادمة ومتفردة
وصف حكام جوائز الصحافة البريطانية الفيلم بأنه “لا ينسى”، مؤكدين أنه كان مختلفًا وصادمًا على نحو غير مسبوق، وأقوى شهادة قُدمت هذا العام، ودليلًا على شجاعة الصحفيين والجهة المنتجة.
وتطرقت نافاي إلى أسباب الإحباط في التعاون مع “بي بي سي”، مشيرة إلى أن احتفاظ القناة بالفيلم وتأجيل عرضه، مع تبريرات متناقضة حول أسباب عدم البث، كان تصرفًا “غير مسؤول للغاية”، وأضافت: “ثم كذبت بي بي سي بشأن أسباب عدم عرض الفيلم، وتخلوا عني وألقوا باللوم عليّ”.
جهود فريق العمل الفلسطيني
أكدت نافاي على الدور الحيوي لفريق العمل الفلسطيني، قائلة: “لم نكن لنتمكن من القيام بهذا العمل بدونهم. كانوا يخاطرون بحياتهم كل مرة يغادرون منازلهم للتصوير، وكنا نخشى أن نفقدهم. ما زالوا على قيد الحياة، وهذا مجرد حظ لأننا فقدنا الكثير من الزملاء”.
وسجل المكتب الإعلامي الحكومي في غزة استشهاد 257 منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينهم صحفيون. وأوضحت نافاي أنه كان مخيبا للآمال عدم تغطية مقتل الصحفيين الفلسطينيين بنفس مستوى الاهتمام الذي قد يحصل لو كانوا صحفيين أجانب، على سبيل المثال أوكرانيين.
محتوى الفيلم وأهمية الرسالة
يستعرض الفيلم الظروف القاسية التي يعمل فيها الأطباء الفلسطينيون في قطاع غزة، في ظل الإبادة الجماعية المستمرة التي يتعرض لها السكان المدنيون. ويكشف الفيلم استهداف الجيش الإسرائيلي للأطباء والمتطوعين، لمنعهم من إنقاذ الضحايا، سواء عبر القتل المباشر أو الاعتقال أو التنكيل.
ويبدأ الفيلم بتحذير للمشاهدين من مشاهد صادمة من مشافي غزة، ويُظهر المشهد الإنساني المأساوي الذي يواجهه الأطباء وهم يحاولون علاج المرضى في ظروف بالغة الصعوبة، دون توقف، رغم استمرار الحرب لما يقرب من عامين.
وأكدت نافاي أن الفيلم يحمل رسالة قوية، وقالت: “لا تزال إسرائيل تتصرف دون عقاب، لكنني أعتقد أن فيلما مثل هذا يمكن أن يكون مهمًا جدًا عندما يرتبط بالدلائل ووثائق الإدانة”.
ويُسلط الفيلم الضوء على الواقع الصحي المأساوي في القطاع، حيث وصل عدد الشهداء من الكوادر الطبية إلى 1670 منذ بدء الحرب، وتدمير 38 مستشفى في مناطق مختلفة من غزة. كما أظهرت البيانات أن نسبة مرضى الكلى الذين فقدوا حياتهم بسبب نقص العلاج تجاوزت 42%، بينما بلغ عدد المرضى المعرضين للموت نتيجة منع العلاج أكثر من 350 ألف شخص.
وأكد الدكتور بسام زقوت، مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة، في تصريحات اعلامية، أن المستشفيات باتت عاجزة عن تقديم الرعاية الصحية الكاملة، واقتصر عملها على استقبال الإصابات الطارئة فقط، مع نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية والطواقم الصحية، ما يهدد توقف عمل بعض المستشفيات، وعلى رأسها مستشفى الأهلي العربي المعمداني في منطقة حمراء المهددة بالقصف. واصفًا الوضع بأنه “موت بطيء وإبادة جماعية صريحة”.
بعد العرض: نقاشات حقوقية وقانونية
من المقرر أن يتبع عرض الفيلم في فيينا جلسة نقاشية حول الوضع الكارثي الذي يعيشه العاملون في المجال الصحي بغزة، والإطار القانوني الدولي للعمل الطبي في النزاعات، والإجراءات اللازمة لحماية الأطباء والمنشآت الصحية.
ويؤكد الفيلم، من خلال شهادات حية من الأطباء والمسعفين، مدى شجاعة الكوادر الطبية الفلسطينية التي تعمل في الصفوف الأمامية وسط أخطر الكوارث الإنسانية في العالم، وتضحياتهم الكبيرة من أجل إنقاذ حياة المدنيين، رغم تهديد حياتهم المستمر.






