الأخبار
أخر الأخبار

إسرائيل تبدأ خنق العمل الإنساني بإلغاء تراخيص منظمات دولية

فلسطين – الوعل اليمني

شرعت الحكومة الإسرائيلية في تنفيذ إجراءات قانونية واسعة لإلغاء تراخيص عمل عدد كبير من المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في قطاع غزة والضفة الغربية، في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ سنوات على منظومة العمل الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتستهدف هذه الإجراءات أكثر من عشر منظمات دولية بارزة، من بينها منظمة «أطباء بلا حدود»، بذريعة عدم استكمال متطلبات التسجيل القانونية.

قرارات رسمية ومهل منتهية

بحسب ما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية اليوم الثلاثاء، فإن فريقًا وزاريًا مشتركًا تقوده وزارة شؤون الشتات و مكافحة ما تسميه إسرائيل «معاداة السامية»، باشر بإرسال خطابات رسمية إلى أكثر من عشر منظمات دولية، تُبلغها بقرار إلغاء تراخيص عملها في إسرائيل اعتبارًا من الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، مع إلزامها بإنهاء أنشطتها بالكامل بحلول الأول من مارس/آذار 2026.

وتدعي الحكومة الإسرائيلية أن هذه الخطوة جاءت بعد منح المنظمات مهلة طويلة للامتثال، إذ كان الموعد النهائي الأصلي لاستكمال الإجراءات في التاسع من سبتمبر/أيلول الماضي، قبل تمديده حتى 31 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أي ما يقارب عشرة أشهر.

شرط أمني مثير للجدل

تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن سبب الخلاف الجوهري يتمثل في رفض عدد من المنظمات الامتثال لما تصفه السلطات الإسرائيلية بـ«المطلب الأساسي»، وهو تقديم قوائم كاملة بأسماء الموظفين الفلسطينيين العاملين لديها، بغرض إخضاعهم لما يسمى «فحصًا أمنيًا».

وادعت جهات إسرائيلية أن تحقيقات أمنية أظهرت تورط موظفين في منظمات إنسانية، من بينها «أطباء بلا حدود»، في «أنشطة إرهابية»، دون تقديم أي أدلة علنية تثبت هذه المزاعم. وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يصدر تعليق رسمي من منظمة «أطباء بلا حدود» بشأن هذه الاتهامات.

الخضوع أو الطرد

في هذا السياق، كانت مجلة «+972» العبرية قد نشرت، في سبتمبر/أيلول الماضي، تقريرًا حذّرت فيه من أن إسرائيل تسعى إلى فرض سيطرة شاملة على عمل المنظمات الإنسانية الدولية في غزة والضفة الغربية، عبر آلية تنظيمية جديدة تضع هذه المنظمات أمام معادلة قاسية: إما تسليم بيانات حساسة عن موظفيها الفلسطينيين، أو فقدان حقها في العمل.

ورغم أن الإجراء يبدو إداريًا في ظاهره، إلا أن المجلة اعتبرته تهديدًا وجوديًا لعشرات المنظمات الدولية التي تعمل منذ عقود على تقديم الخدمات الصحية والإغاثية والإنسانية للفلسطينيين تحت الاحتلال. وأكدت أن تصنيف أي منظمة على أنها «تنزع الشرعية» عن إسرائيل، أو توظف شخصًا دعا لمقاطعتها خلال السنوات السبع الماضية، قد يؤدي إلى منعها من العمل كليًا.

مخاطر على الموظفين 

تحذّر المنظمات الدولية من أن تسليم قوائم بأسماء الموظفين الفلسطينيين يعرضهم لمخاطر جسيمة، تشمل المراقبة والضغط والاعتقال أو الانتقام، لا سيما في قطاع غزة، وهو ما يتعارض مع مبادئ العمل الإنساني القائمة على الاستقلالية والحياد وحماية العاملين.

ويرى مراقبون أن هذه السياسة تهدف إلى تفكيك نموذج المساعدات الإنسانية القائم على تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين، واستبداله بنظام خاضع للاعتبارات السياسية والأمنية الإسرائيلية.

سياق أوسع لاستهداف المنظمات الدولية

لا تأتي هذه الخطوة بمعزل عن سياق أوسع من الإجراءات الإسرائيلية ضد المؤسسات الدولية، إذ سبق أن اتخذت تل أبيب قرارات مماثلة بحق وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا». ففي عام 2024، أقر الكنيست الإسرائيلي حظر نشاط الوكالة داخل إسرائيل، بزعم مشاركة بعض موظفيها في أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي اتهامات نفتها الوكالة بشدة، مؤكدة التزامها الحياد.

وفي منتصف ديسمبر/كانون الأول الجاري، صادقت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست على مشروع قرار يمنع تزويد مقار «أونروا» بالخدمات الأساسية من مياه وكهرباء، في خطوة اعتُبرت تمهيدًا لخنق عمل الوكالة بالكامل.

اتهامات بالسيطرة والتجويع

من جانبه، اعتبر رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني «حشد»، صلاح عبد العاطي، أن قرار إلغاء تراخيص المنظمات الدولية يمثل سياسة ممنهجة تهدف إلى التحكم بالأوضاع الإنسانية وتقويض منظومة العمل الإنساني المستقل. ووصف هذه الإجراءات بأنها تعسفية وتشكل جريمة دولية بحق العمل الإنساني.

وأوضح عبد العاطي أن نظام التسجيل الإسرائيلي الجديد، المعتمد منذ مارس/آذار الماضي، يُستخدم كأداة سياسية وأمنية لفرض شروط إدارية وأمنية صارمة، وإجبار المنظمات على الإفصاح عن بيانات شخصية وحساسة لموظفيها والجهات المانحة، ما يعرّض العاملين للخطر ويقوض استقلالية المنظمات.

وأشار إلى أن معظم المنظمات الدولية لم تتمكن منذ الثاني من مارس/آذار 2025 من إدخال مساعدات منقذة للحياة إلى قطاع غزة، ما أدى إلى تكدس ملايين الدولارات من المواد الغذائية والطبية ومستلزمات الإيواء في مستودعات بالأردن ومصر.

تداعيات خطيرة

يحذّر مختصون من أن وقف أو تقليص عمل هذه المنظمات سيؤدي إلى مفاقمة الكارثة الإنسانية في غزة والضفة الغربية، خاصة في صفوف الأطفال والنساء وكبار السن، في ظل استمرار الحرب والحصار وتدهور البنية الصحية والخدمية.

وتطالب منظمات حقوقية المجتمع الدولي والأمم المتحدة والجهات المانحة بالتدخل العاجل لوقف القيود الإسرائيلية المفروضة على العمل الإنساني، وضمان إدخال المساعدات دون شروط، ودعم استمرار عمل المنظمات الدولية، وفي مقدمتها «أونروا»، بما يحفظ استقلالية وحياد العمل الإنساني ويؤمن الحد الأدنى من الحماية للمدنيين الفلسطينيين.

زر الذهاب إلى الأعلى