في محاولة لتكريس أمر واقع، أقر الكنيست الإسرائيلي قانوناً يمنع دول العالم من فتح قنصليات معتمدة لدى دولة فلسطين في مدينة القدس، في خطوة رفضتها معظم دول العالم وحتى الولايات المتحدة الأميركية.
ويهدف القانون الجديد وفق تفسير الكنيست إلى “تعزيز الوضع الخاص للقدس عاصمة لإسرائيل، ومنع فتح ممثليات لبلدان أجنبية في القدس غير معتمدة لدى إسرائيل”.
واشنطن تعارض
لكن القانون وفق ذلك التفسير “لن يؤثر في القنصليات الموجودة لدى القدس حالياً”، وتتبع لتركيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا وبريطانيا والسويد واليونان والكرسي الرسولي، ويعود تأسيس تلك القنصليات إلى القرن الـ19، والنصف الأول من القرن الـ20، أي قبل إقامة إسرائيل عام 1948.
ويسعى القانون بحسب الكنيست إلى “ترسيخ التزام إسرائيل بالعمل على تشجيع فتح سفارات أجنبية لدى القدس”، أسوة بالولايات المتحدة الأميركية التي نقلت سفارتها إلى القدس، وتبعتها كل من غواتيمالا وهندوراس وكوسوفو وبابوا غينيا الجديدة.
وفي عام 2018 نقلت واشنطن في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب سفارتها لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، بعد اعترافها بها عاصمة لإسرائيل.
وألحقت واشنطن حينها قنصليتها في القدس، التي يعود تأسيسها إلى عام 1844، بمقر السفارة.
لكن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لم تف بوعدها بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، كما تعهدت منذ مجيئها إلى السلطة عام 2021.
مع ذلك فإن الخارجية الأميركية عبّرت عن معارضتها القانون الإسرائيلي الجديد، الذي “من شأنه منع إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، إن واشنطن أبلغت تل أبيب معارضتها القانون، وأوضح أن الإدارة الأميركية “لا تزال تعتقد أن إعادة فتح القنصلية في القدس سيكون وسيلة مهمة لبلدنا للتواصل مع الشعب الفلسطيني وتقديم الدعم له”.
ورفضت الخارجية الفلسطينية القانون الإسرائيلي، واعتبرته “انتهاكاً صارخاً لقرارات الشرعية الدولية”.
وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد الديك، إن القانون “جزء لا يتجزأ من سياسة التوسع القائمة على ضم القدس وتهويدها، وفرض القانون الإسرائيلي عليها، وحسم مستقبلها من جانب واحد وبالقوة”.
لكن عضو الكنيست الإسرائيلي ودان إيلوز اعتبر أن القانون الجديد “يوضح مرة واحدة، وإلى الأبد أن القدس لنا”.
وفي تعليقه على تمرير مشروع القانون أوضح عضو الكنيست الإسرائيلي زئيف إلكين أن “أولئك الذين يرغبون في إنشاء بعثة أجنبية في القدس سيتعين عليهم التصرف وفقاً لهذا القانون، وستكون البعثة ملزمة بتقديم الخدمة لسكان دولة إسرائيل”.
العاصمة الأبدية
ووفق إلكين فإن “القدس هي العاصمة الأبدية وغير القابلة للتجزئة لدولة إسرائيل، ولن يسمح لأية دولة بتحدي سيادتنا في القدس الموحدة”.
ومع أن القانون الإسرائيلي شدد على أنه لا يمس بالقنصليات الموجودة حالياً في القدس والمعتمدة لدى الفلسطينيين، لكن تل أبيب منعت القنصلية الإسبانية في المدينة من تقديم خدماتها القنصلية للفلسطينيين.
وجاءت تلك الخطوة “الانتقامية” إثر اعتراف إسبانيا مع ثلاث دول أوروبية بدولة فلسطين وعاصمتها القدس في مايو (أيار) الماضي.
ورفضت مدريد الخطوة الإسرائيلية، وقال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس إن قنصلية بلاده في القدس تتمتع “بوضع خاص وتاريخي”، حيث كانت قبل وجود إسرائيل.
كما أغلقت النرويج مكتب تمثيلها في رام الله في أغسطس (آب) الماضي، بعد إلغاء إسرائيل الوضع الدبلوماسي لثمانية دبلوماسيين نرويجيين يتعاملون مع السلطة الفلسطينية.
وبقي المكتب يعمل لأكثر من 30 عاماً إثر تأسيس السلطة الفلسطينية، كما فعلت دول عربية وأوروبية ومن أميركا اللاتينية.
ومنذ إقامة إسرائيل عام 1948 لم تفتتح أية دولة قنصلية لها معتمدة للفلسطينيين في القدس، وبدأت بافتتاح مكاتب تمثيلية في مدينتي غزة ورام الله بعد تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994.
وفي 1980 أقر الكنيست “قانوناً أساساً” باعتبار القدس “عاصمة إسرائيل بهدف ترسيخ مكانة القدس كعاصمة لدولة إسرائيل، وكمدينة موحدة”، على رغم قرارات الأمم المتحدة، وإعلان معظم دول العالم بأن القدس الشرقية ستكون عاصمة لدولة فلسطين.
ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور أن إسرائيل تعتبر القدس “عاصمة لها، وأن على كل من دول العالم فتح سفاراتها فيها ونقلها من تل أبيب”.
ومع أن خمس دول على رأسها أميركا اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت سفارتها إليها، فإن غانور أشار إلى أن “على دول العالم عدم فتح سفارة وقنصلية في المدينة نفسها كما جرت عادة العرف الدبلوماسي”، موضحاً أن القانون الإسرائيلي يهدف إلى “قطع الطريق على دول العالم التي تريد فتح قنصليات معتمدة لدى دولة فلسطين في المدينة”.
تكريس واقع
في المقابل اعتبر المحلل السياسي جهاد حرب أن القانون الإسرائيلي الجديد يهدف إلى “تكريس واقع موجود ومنع إمكانية إنشاء قنصليات جديدة معتمدة لدى الفلسطينيين في القدس”.
ومع أن حرب أشار إلى أن القانون الجديد لا يتمتع بأهمية عملية بل سياسية، فإنه أوضح أن إسرائيل “بدأت باتخاذ إجراءات عقابية ضد القنصليات الأجنية الموجودة في القدس مثل تأخير إصدار التأشيرات لموظفيها، وتعطيل منح بعض الامتيازات”.