تريد إدارة بايدن أن تقتنع أنها نجحت في ردع وإخافة الجمهورية الإسلامية (إيران) ليكون سلوكها أفضل، وأن الجهود الناجحة التي قادتها الولايات المتحدة لاعتراض 300 صاروخ وطائرة بدون طيار إيرانية، أُطلقت على إسرائيل في أبريل/ نيسان، أدت إلى إحباط وردع المرشد الأعلى علي خامنئي.. إلا أن الحقيقة قد تكون غير ذلك، وهي أن إيران تلعب لعبة طويلة، وتُظهر ضبط النفس لتعزيز طموحاتها النووية.
كان الخوف من القوة العسكرية الأمريكية دائمًا هو الكابح الأساسي للنظام الديني، وقد تلاشى هذا الخوف عند النقطة الأكثر أهمية؛ فقد تقدم برنامج طهران النووي بسرعة في السنوات الأربع الماضية، كما أن وكلاء إيران لا تتم مواجهتهم بشكل فعّال. كذلك فإن الحوثيين لهم اليد العليا حتى الآن في صراعهم مع البحرية الأمريكية في البحر الأحمر، وبصواريخ بدائية نسبيًّا تصلهم من إيران، حيث يواصل الحوثيون تقليص الشحن عبر قناة السويس، على الرغم من الجهود الأمريكية والأوروبية لحماية الممر البحري، ومن المؤكد أن رئاسة كامالا هاريس ستضاعف أخطاء سلفها.
إن نهج الحزب الديمقراطي تجاه طهران مرتبط ارتباطًا وثيقًا وغير فعّال بالسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، حيث تحاول واشنطن الحدّ من العمل العسكري الإسرائيلي ضد حزب الله، ومنع إسرائيل من شن هجوم عسكري ضدّ المواقع النووية الإيرانية، وهذه العقلية تنبع من خوف عميق من المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، وتخمين العديد من المسؤولين في واشنطن بأن خامنئي لم يقرر حتى الآن بناء قنبلة نووية، وبالتالي فإن أفضل مسار للعمل هو الحفاظ على الوضع الراهن، وهو ما يجده رجل الدين مقبولًا أيضًا.
إن هذا التقدير خاطئ، لأن المكسب الذي تجنيه الجمهورية الإسلامية الآن أكبر كثيرًا مما تخسره إذا ما لجأت إلى امتلاك السلاح النووي. والواقع أن السيد خامنئي ارتكب خطأً كبيرًا عندما لم يطور القنبلة النووية في وقت أبكر على أقل تقدير، فإن القنبلة الإيرانية كفيلة بكبح جماح العدوان الإسرائيلي والأمريكي في قلب البلاد الفارسية.
وعندما تحصل الجمهورية الإسلامية على القنبلة -وهو ما سيحدث في نهاية المطاف ما لم يتسبب تدخل عسكري أو انهيار النظام في إعاقة البرنامج- فإن الحرب بين إسرائيل وحزب الله سوف تتحول إلى عمل محفوف بالمخاطر بالنسبة لتل أبيب، وسوف تصبح الهجمات الإسرائيلية على قادة الحرس الثوري الإسلامي ومنشآته في سوريا ذات خطورة إذا هددت طهران بتوسيع مظلتها النووية، كما سوف تتضاءل حرية أمريكا في التحرك ضدّ النظام الديني بشكل أكبر، علمًا أن إيران قتلت مرارًا وتكرارًا جنودًا أمريكيين من دون أي رد أمريكي انتقامي.
لقد حقق الديمقراطيون واليسار الأمريكي ما كان حكام طهران يعتبرونه مستحيلًا في السابق، حيث ترى طهران أنه يمكن استغلال الانقسامات بين أمريكا وإسرائيل لصالحها. وقد أدت المظاهرات ضد حرب غزة والمشاعر المناهضة لإسرائيل، المتزايدة داخل الحزب الديمقراطي، واللغة المعادية للسامية بشكل علني في الدوائر الأمريكية النخبوية، إلى اهتزاز النظرة الإيرانية التقليدية لأمريكا بأن الديمقراطيين والجمهوريين هم عملاء صهاينة ميئوس منهم، وقد أصبح الانفتاح الذي أحدثه باراك أوباما بتنازلاته النووية، والذي وظفه واستغله خامنئي، عقيدة الحزب الديمقراطي بأن التعامل مع الحكم الديني هو في حدّ ذاته شيء جيد.
وهذا بالتأكيد هو السبب وراء استعداد المرشد الأعلى لاستئناف المفاوضات النووية مع واشنطن، فهو يريد استكشاف ما إذا كان من الممكن تحييد السيد بايدن، والأهم من ذلك السيدة هاريس، من خلال الدبلوماسية.
لقد اعتاد دبلوماسيو الجمهورية الإسلامية على التعامل مع الديمقراطيين، وقد تفاوضوا على اتفاق نووي معهم وما زالوا يتعاملون معهم في منتديات دولية مختلفة، إذ أمضت السيدة هاريس سنوات حكم ترامب في تشويه سمعة حملة “الضغط الأقصى”، وأدانت قرار دونالد ترامب بقتل قاسم سليماني، زعيم الحرس الثوري الإيراني الذي كان متبني استراتيجية “حلقة النار” ضد إسرائيل. وفي مقابل موقف السوفييت في السبعينيات، الذين فضلوا الجمهوريين، ترى النخبة الحاكمة في إيران أنه يمكن التعامل مع الديمقراطيين أكثر من غيرهم.
ينتظر السيد خامنئي ودبلوماسيوه رئيسًا مثل كامالا هاريس، ونظرًا لأن الديمقراطيين يعتقدون أنه لا يوجد بديل مقبول للدبلوماسية لعلاج المعضلة النووية الإيرانية، فمن المحتمل أنهم لن يتركوا طاولة المفاوضات، بغض النظر عن مدى تجاوب إيران. لقد وقف أوباما متفرجًا عندما قامت إيران وروسيا وحلفاؤهما السوريون بقتل عشرات الآلاف من المدنيين السوريين أثناء إجراء المحادثات النووية، كما تعتقد إيران أنها تستطيع الاعتماد على الديمقراطيين لكبح جماح الإسرائيليين.
لقد استغلت الجمهورية الإسلامية استراتيجيتها للحرب بالوكالة بشكل ممتاز. إن امتلاك سلاح نووي من شأنه أن يسمح لإيران بالبقاء في موقع هجومي في الشرق الأوسط مع مخاوف قليلة بشأن رد فعل عكسي، كما أن مبدأ الدمار المتبادل من شأنه أن يعمل ضدّ إسرائيل، ما يتيح للحكم الديني الإيراني مساحة أكبر للمناورة.
والآن أصبح الملالي على مقربة شديدة من الحصول على سلاح نووي، وفقًا لأرشيف الأسلحة النووية الإيرانية الذي سرقه الموساد، دون وجود أي عقبة تقنية خطيرة، ولن تتمكن الدبلوماسية ولا العقوبات من وقف هذا التقدم، وربما تدرك السيدة كامالا هاريس هذه الحقيقة. وبالتالي، فإن ترجمة البحث عن السلام والاستقرار الإقليمي إلى اللغة الفارسية الآن، الذي كثيرًا ما نسمعه في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، يعني إعطاء طهران القنبلة النووية.
…..
المصدر: وول ستريت جورنال / رويل مارك غيريخت و راي تاكيا