الصحافة في اليمن.. قيود مشدودة وخوف متواصل

تقرير خاص
في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين، تحولت الصحافة من أداة لنقل الحقيقة إلى مجال محفوف بالمخاطر، حيث تفرض الجماعة رقابة صارمة على كل ما يُنشر أو يُذاع، ويعيش الصحفيون العاملون في هذه المناطق في حالة من الخوف والقلق الدائمين وأي انتقاد للسلطة أو كشف لانتهاكاتها قد يُعرضهم للاعتقال أو الاختفاء القسري، وحتى الأخبار اليومية التي تتناول الأزمات الإنسانية أو الاقتصادية يتم توجيهها بطريقة تخدم الرواية الحوثية، مما يحول دون وصول الحقيقة المطلقة إلى جمهور الشعب.
مستقبل مجهول
ولم يعد العمل الصحفي في مناطق سيطرة الحوثيين “مهنة” بقدر ما أصبح “تحدياً” للبقاء على قيد الحياة، حيث يُجبر العديد من الصحفيين على ممارسة الرقابة الذاتية أو تغيير مسارهم المهني تماماً هرباً من الملاحقة، والمؤسسات الإعلامية المستقلة إما أُغلقت بقوة السلاح أو اضطرت إلى تغيير خطها التحريري لتصبح صدى للخطاب الحوثي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد خياراً فهناك عناصر تابعة للجماعة تقوم بمراقبة الحسابات الشخصية للصحفيين وملاحقتهم بسبب آرائهم أو منشوراتهم، وفي ظل هذا الواقع، يتراجع دور الصحافة كسلطة رابعة، لتحل محلها أدوات دعائية تكرس ثقافة الخوف وتُبقي الحقيقة رهينة الصراع.
حرية الصحافة.. الواقع والتحديات
وفقاً لتقرير “مراسلون بلا حدود” لعام 2024، لا تزال حرية الصحافة تواجه انتكاسات كبيرة على مستوى العالم، حيث سجلت 31 دولة فقط “وضعاً جيداً” أو “مقبولاً” في مؤشر حرية الصحافة، بينما تصنف 118 دولة ضمن فئة “صعبة” أو “خطيرة جداً”، وتحتل اليمن المرتبة 168 من أصل 180 دولة في المؤشر نفسه، مما يعكس البيئة القمعية التي تعمل فيها وسائل الإعلام.
وأظهرت تقارير منظمات حقوقية دولية ومحلية أن اليمن من أخطر البلدان على الصحفيين، حيث سُجل منذ بداية الانقلاب في 2014 حتى نهاية 2023 مقتل 34 صحفياً بسبب أعمال عنف مباشرة، بينما تعرض 120 آخرون للاختفاء القسري وقُبض على أكثر من 100 صحفي خلال الفترة ذاتها، ولا يزال 27 صحفياً رهن الاحتجاز دون محاكمة.
إغلاق وسائل الإعلام
وعلى مدى سنين الانقلاب أُغلقت جماعة الحوثي 22 وسيلة إعلامية بين صحف وقنوات تلفزيونية وإذاعات، كما فرضت الجماعة رقابة مسبقة على 70% من وسائل الإعلام في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ومُنع 45 صحفياً من السفر خارج اليمن دون مبرر قانوني، وتعرض 60 صحفياً للتعذيب أو المعاملة المهينة أثناء الاحتجاز، بينما تلقى أكثر من 200 صحفي تهديدات مباشرة بالقتل أو الاعتقال.
التحديات الاقتصادية
وبالإضافة إلى الانتهاكات الأمنية، يواجه القطاع الإعلامي في اليمن أزمة اقتصادية يمكن وصفها بالحادة، حيث انخفضت عائدات الإعلانات بنسبة 90% مقارنة بعام 2014 وفقد 65% من الصحفيين وظائفهم أو جزءاً كبيراً من رواتبهم بسبب تعثر المؤسسات الإعلامية، وبات 40% من الصحفيين العاملين يعتمدوة على الدخل اليومي غير المستقر، مثل العمل في المشاريع الصغيرة أو الكتابة الحرة بأسعار زهيدة.
الصحافة النسائية: معاناة مضاعفة
وتواجه الصحفيات اليمنيات تحديات إضافية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 85% من الصحفيات تعرضن للتحرش أو التهديد الجنسي في أماكن العمل و30 صحفية فقط من أصل 150 مسجلات في النقابات يستطعن العمل بشكل منتظم بسبب القيود الاجتماعية، و5 صحفيات سُجنّ بسبب تقاريرهن أو آرائهن، بينما اضطرت أخريات إلى مغادرة اليمن خوفاً من الملاحقة.
ورغم الجهود المحلية والدولية لتحسين وضع حرية الصحافة في اليمن، يبقى الواقع قاتماً في ظل استمرار الصراع وغياب سيادة القانون، فوفقاً لتقديرات اليونسكو، يحتاج اليمن إلى أكثر من عقد من الاستقرار وإصلاحات جذرية ليعود القطاع الإعلامي إلى سابق عهده، وفي ظل هذه الظروف يظل الصحفيون اليمنيون بين مطرقة السلطات وسندان الفقر، مما يجعلهم أحد أكثر الفئات تضرراً في هذه الأزمة الإنسانية الطويلة.