تقارير

المحاكم البديلة في صنعاء: سلطة قضائية فوق القضاء

خاص

في الوقت الذي تبدو فيه المؤسسات القضائية في صنعاء قائمة شكليًا، تعمل تحتها طبقة موازية من المحاكم غير المعلنة، غرف مغلقة يديرها مشرفون حوثيون يتحكمون عمليًا بمسار العدالة من لحظة وصول الشكوى حتى صدور الحكم. هذه المحاكم البديلة، التي لا تُذكر في أي قانون، أصبحت المرجع الحقيقي للفصل في النزاعات وتعيين القضاة ونقلهم وحتى تحديد مصير القضايا الكبرى.

تعيينات بلا معايير

تبدأ القصة من قرارات التعيين. فبدلًا من أن يصدر التفتيش القضائي قراراته وفق الكفاءة، يتولى “المشرف القضائي” في كل منطقة إحالة أسماء جاهزة تعتمد على الولاء. يؤكد قاضٍ سابق في محكمة شمال الأمانة للوعل اليمني أن “المناصب القضائية توزع مثل حصص سياسية، من يرضَ عنه المشرف يرتقي، ومن يعترض يُقصى أو يُنقل إلى محكمة هامشية.” مواطنون التقتهم الشبكات الحقوقية في صنعاء يقولون إنهم لم يعودوا يثقون بالقاضي بقدر ثقتهم بموقف المشرف المسؤول عن المحكمة، فهو الشخص الذي يقرر إن كان الحكم سينفذ أم يُجمّد.

نفوذ المشرفين فوق القضاة

النفوذ لا يقف عند التعيينات. داخل المحاكم يدير المشرفون حركة القضايا، بعضها يعلّق في الأدراج، وبعضها تمرّ بسرعة غير معتادة. محامٍ يعمل منذ عشرين عامًا في صنعاء يقول للوعل اليمني إن “المشرف يمكنه إلغاء جلسة أو فرض حكم أو إعادة ملف من الاستئناف دون أن يجرؤ أحد على مساءلته.” ويضيف أن القرارات تصدر أحيانًا قبل أن تنعقد الجلسة، ما يجعل القاضي مجرد موظف يقرأ ما فُرض عليه. أحد المواطنين الذين خاضوا نزاعًا عقاريًا صرّح بأن الحكم تغيّر ثلاث مرات خلال شهر واحد “وفق المزاج، وكلما دخل مشرف جديد تغيّر الاتجاه.”

تفتيش قضائي خاضع للتوجيه

التفتيش القضائي، المفترض أن يكون آلية الحماية الأخيرة للنزاهة، صار هو الآخر أداة ضغط. تقارير التفتيش، التي يُفترض أن تُقيّم أداء القضاة، تستخدم اليوم لتهديد المخالفين. موظف إداري في إحدى المحاكم يؤكد للوعل اليمني أن “التفتيش لم يعد يبحث الأخطاء المهنية، بل يبحث من يرفض التعليمات.” وترِد شهادات عن رفع تقارير مفبركة بحق قضاة لمجرد أنهم أصدروا أحكامًا لا تتوافق مع رغبة المشرفين. يقول أحد القضاة الذين نُقلوا مؤخرًا: “لم يُحاسب القاضي الذي يخطئ، بل القاضي الذي لا يطيع.”

اداره السلطة القضائية

عبر هذه الشبكة المتداخلة من المشرفين والتعيينات وتوجيه التفتيش، تحوّل القضاء في صنعاء إلى منظومة سياسية بحتة. الجماعة لا تُخفي أنها تعتبر العدالة جزءًا من “المعركة الإدارية”، حيث تُستخدم المحاكم لتثبيت السيطرة وتحييد الخصوم وإدارة المال العام عبر أحكام وتعيينات محسوبة. حتى المواطنين أصبحوا يتداولون عبارة “روح للمشرف قبل القاضي”، تعبيرًا عن إدراكهم أن بوابة العدالة لم تعد في المحكمة، بل في مكتب سلطة غير رسمية تحكم من وراء الجدار

زر الذهاب إلى الأعلى