الطائفة المدخلية ورموزها برزت في الخليج، وتحديدا في المملكة العربية السعودية، بعد حادثة جهيمان واحتلال الحرم المكي، وذلك لإيمان جماعته بالمهدي المنتظر، واتهامهم للحكام في المملكة بأنهم ملأوا الأرض جورا، وجاء أوان ظهور المهدي الذي يملؤها عدلا، وظلوا يبحثون حسب الروايات في اسمه ووصفه، حتى ظهر بينهم شخص من المملكة نفسها يدعو لذلك، منذ ذلك اليوم وتم التفكير في خلق طائفة تظل سندا وظهيرا للحاكم، تصنع على أعين أجهزة استخباراتها.
والحقيقة إن ربط ظهور مثل هذه الفرقة بهذا السبب وحده، لا يعد سببا وجيها، لأنها موجودة في كل زمان، لدى الحكام المسلمين وغيرهم، ففي الهند ظهرت طائفة القاديانية، والتي أسسها الاحتلال الانجليزي لتعطيل فريضة الجهاد ضد المحتل، وعدم مقاومته والتسليم له، وهي طائفة تنسب شكلا للإسلام، وجوهرها تفريغ الإسلام من مضمونه كله، وبخاصة المضمون المقاوم للاحتلال.
لكن المدخلية بدأت تبرز منها ملامح تجعل من وصفها: المدخلية المتهصينة، حيث إن جل كلام رموزها، ليس ضد الحركات الإسلامية التي تعمل على رفض الاستبداد فقط، بل بدأت توجه نشاطها المشبوه ضد حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين تحديدا، فهي دوما حليفا للاستبداد، وليس مجرد الولاء للحاكم، وإلا فإن الحاكم قد يكون في بلد ما إسلاميا، فتراهم ضده، فهم ليسوا إلا مشاريع داعمة بقوة للاستبداد.
اتخذت المدخلية المتصهينة ألوانا شتى لطعن المقاومة في ظهرها، لصالح أنظمتها والاحتلال الصهيوني لفلسطين، عن طريق استخدام وتوظيف نصوص ومفاهيم دينية، لا تخدم سوى الاحتلال، وكأنها متحدثة بلسانه، وإن أعلنت من باب ذر الرماد في العين عداءها ودعاءها عليه بالهلاك والويل والثبور، ولو كانت صادقة في دعائها ودعواها لشمل دعاؤها الأنظمة التي توجهها، حيث إنها متواطئة مع الاحتلال، وهي أدخل في باب موالاة أعداء الله المحرمة يقينا، وتصل عندهم للردة، ومع ذلك يصمتون تماما عن ذلك، ولا تنطق ألسنتهم إلا بالحديث عن المقاومة وأهلها.
خطاب المدخلية المتصهينة، ومتصهينة أخر، يحتاج دوما لرد شبهاتهم، ودفع أباطيلهم، لأن بعض أراجيفهم تنطلي على البسطاء من العامة من الناس، في ظل انشغال المدافعين عن قضية غزة بالإشكالات الكبرى، نجد من يسحب العامة لإشكالات أخرى، بغية صرف التعاطفتغير وتلون خطاب المدخلية المتصهينة، بشكل ينطلي على البسطاء من عامة الناس؛ المحبة للدين، فهو في ظاهره النصح لله ورسوله ودينه، وفي باطنه الخذلان والتثبيط للمقاومين، فتارة يخرجون بنداء لأبي عبيدة قائلين: يا أبا عبيدة جاهد بالسنن، علم الناس العقيدة! وهو خطاب وإن دل يدل على جهل مطبق بالإسلام، إن صحت نية من يقول بذلك، فأي جهاد بالسنن، والناس تقوم بالفرض، ومن ينصح من؟ من يفرط في الفريضة الكبرى، يطالب القائمين بها بالعودة للسنن؟
وهؤلاء يذكروننا بأحد أئمة الإسلام، وتروى عن أبي حنيفة، وقد كان في مجلس العلم، وجاءه أحد المستفتين، يقول له: لقد زنيت بامرأة، وقد حملت مني من الزنى، فقال له أحد الحاضرين: يا هذا، زنيت، فهلا عزلت؟! أي تعزل ماءك أن يصل لرحمها، كي لا تحمل المزني بها، فقال له الزاني: بلغني أن العزل مكروه؟! فقد بلغه كراهية العزل، ولم يبلغه حرمة الزنى؟!!
ومؤخرا يخرج خطابهم بالنيل من السنوار، وأنه من دمر غزة، وركع الأمة وخذلها، وأن نتنياهو قاتل مباشر، والسنوار قاتل بالتسبب لأهل غزة!! هكذا خرج خطابهم، وأنه لا بد كي يصح نضاله ونضال من معه، من راية ودولة تعلن النضال ضد المحتل! وظاهر مثل هذا الكلام مقصود به صرف المسؤولية عن القتلة الحقيقيين، وإنهاء حالة الجهاد ضد المحتل.
فالراية المقصودة فيمن يجاهد، فهي راية مقاومة المحتل، وهي لا تحتاج لحاكم يدعو لذلك، كما يزعم التيار المدخلي، وإلا فإن فلسطين محتلة، فأين الحاكم الذي ينادي بتحريرها، وأين الدولة؟ والاحتلال بطبيعته حين يدخل بلدا ما ينهي الدولة الوطنية القائمة، ويجعلها تحت سيطرته، وتتحول إما إلى مقاومة، وإما إلى عميلة ومتواطئة. فأي الدولتين والحكمين يريد الجامية وغيرهم الإذن منه بجهاد المحتل؟!
وهم يحملون السنوار تبعة ما يجري في غزة، لأنه قرر وإخوانه مقاومة المحتل، بينما يتغافل أو يتغابى عن تحميل الحكام المسؤولية وراء هذا الخذلان، فالقتل المباشر من نتنياهو، والقتل بالتسبب، يقع على عاتق من يحاصر أهل غزة، ومن يمنع نصرتهم، ومن يقيم جسرا بريا يمتد ويمر عبر دول عربية ومسلمة لمؤازرة إسرائيل وليس غزة وأهلها، وهؤلاء حكمهم في الشرع معروف، لكن المدخلية تهرب من الحكم الحقيقي على المتواطئين، لأن خطابها موجه للمقاومين لا المستبدين.
وقد هالهم كم التعاطف والإعجاب الذي ناله أبو عبيدة من قبل، ثم السنوار، وطريقة استشهاده، بشهادة عدوه، وبروايتهم، فأرادوا صرف الأنظار بكلام يشكك في مشروعية ما يفعل، ويشكك في حسن خاتمته، بتحميله مسؤولية الضحايا في غزة، ولو كانوا صادقين لوجهوا الحديث والمسؤولية لأصحابها الذين سيحاسبهم الله تعالى على تخاذلهم، ولو كانوا راجين لرضا الله، خائفين من حسابه، لاكتفوا بصمتهم، وطلبوا مغفرته لهم على اتخاذ أضعف الإيمان، وهو الإنكار بالقلب؟
خطاب المدخلية المتصهينة، ومتصهينة أخر، يحتاج دوما لرد شبهاتهم، ودفع أباطيلهم، لأن بعض أراجيفهم تنطلي على البسطاء من العامة من الناس، في ظل انشغال المدافعين عن قضية غزة بالإشكالات الكبرى، نجد من يسحب العامة لإشكالات أخرى، بغية صرف التعاطف، وتحويل المسألة والنقاش لرأيين، يسع كل منهما هذا الخلاف، وهي حيلة يمارسها المداخلة في كل مناسبة تشكل لحظة حرجة ضد الطغاة والمستبدين، سواء استبداد الداخل أو الخارج.