باحثون عرب يرون العنصر البشري في قلب الترجمة ويدعون إلى ترشيد ترجمة الذكاء الاصطناعي

الترجمة ليست عملية ميكانيكية، بل تتطلب معرفة واسعة بالثقافة والخصائص الاجتماعية والتاريخية

انتظمت يومي الثلاثاء والأربعاء 12 و13 نوفمبر الجاري في مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، أشغال ملتقى علمي دولي حول موضوع “الترجمة والذكاء الاصطناعي: رهانات التنظير والممارسة”.

ويهدف المؤتمر، المنظم بمبادرة من مختبر الترجمة وعلم المصطلحات وصناعة القواميس (LTTL) التابع لمدرسة الملك فهد العليا للترجمة، إلى تسليط الضوء على جانب غير مستجد ولا وليد اليوم في دراسات الترجمة، ألا وهو التكنولوجيات الحديثة المساعدة في عملية الترجمة.

وأكد مدير مدرسة الملك فهد العليا للترجمة، محمد خرشيش، في كلمة خلال افتتاح المؤتمر، أن موضوع الترجمة والذكاء الاصطناعي يعتبر قضية راهنة وتكتسي أهمية كبيرة في السياق الحالي.

وقال إن “التكنولوجيات والترجمة تتعايشان جنبا لجنب منذ سنوات.” منوها بأن الترجمة الآلية ظهرت لأول مرة في خمسينات القرن الماضي، وتطورت بتطور التكنولوجيات والتجهيزات وتقنيات الترجمة الحديثة.

وتابع خرشيش أنه “في السنوات الأخيرة، بدأ الذكاء الاصطناعي يؤدي، بشكل متزايد، المهام التي كان وحده العنصر البشري من يستطيع القيام بها سابقا.” معتقدا أن هذا التطور “سلاح ذو حدين، لأنه على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يسهل عملية الترجمة والتواصل بين الأشخاص من خلال الترجمة الفورية لغالبية اللغات، فإنه يواجه العديد من القيود.”

بالفعل، يرى خرشيش أن الأكاديميين “متفقون على فكرة أنه بغض النظر عن المستوى التكنولوجي الذي تم بلوغه، فإن العنصر البشري يبقى في قلب عملية الترجمة، لأنها عملية لا يمكن أن تكون ميكانيكية، بل تتطلب معرفة واسعة مهمة مرتبطة بالثقافة والخصائص الاجتماعية والتاريخية، فضلا عن سياقات وظروف معينة.”

وأضاف أن هذا المؤتمر يهدف إلى أن يكون فرصة لتعميق النقاش حول هذه القضايا، وكذلك حول السبل القادرة على دعم العنصر البشري لتحقيق الاستخدام الرشيد للذكاء الاصطناعي في مجال الترجمة، كما أنه سيساعد في التوصل إلى خلاصات للمساعدة في مواجهة التحديات المتعلقة بهذه القضية.

وخلص خرشيش إلى أن المؤتمر يأتي في سياق سلسلة من اللقاءات العلمية التي نظمتها المدرسة تماشيا مع رسالتها الأكاديمية والعلمية، وأيضا في إطار عشرات الملتقيات العلمية المنظمة من قبل المؤسسات التابعة لجامعة عبدالمالك السعدي حول تأثير الذكاء الاصطناعي على عدة مجالات منها الاقتصاد والهندسة والعلوم الإنسانية.

من جانبه، أشار مدير مختبر الترجمة وعلم المصطلحات وصناعة القواميس نوفل البقالي إلى أن هذا الحدث العلمي يجمع نخبة من الباحثين والخبراء الوطنيين والدوليين، خاصة من فرنسا وموريتانيا وإيطاليا وأستراليا، لتقديم مساهماتهم في ما يتعلق بموضوع الترجمة والذكاء الاصطناعي، الذي يثير الكثير من النقاش حول العالم.

وقال نوفل البقالي في تصريح له “لقد خصصنا الملتقى لمناقشة موضوعات مختلفة تتعلق بالجوانب النظرية والتربوية والتعليمية والتقنيات الجديدة ذات الصلة بالترجمة، إلى جانب مسألة برمجة اللغة الحاسوبية وغيرها من المواضيع التي تسائل الممارسات والتقنيات ذات الصلة بالترجمة.”

وفي بيان للمنظمين فإنه “وفقا لعدة مصادر، يبدو أن الذكاء الاصطناعي يسهل الترجمة كثيرا لدرجة أنه يثير حاليا مناقشات ساخنة، من أجل تحديد المساهمة الحقيقية للذكاء الاصطناعي من الناحية النظرية والعملية.” مضيفا أن “هذه التظاهرة العلمية تروم أيضا مناقشة الجوانب اللغوية والتقنية للترجمة في ضوء تنامي مجال الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يضاهي الذكاء الحقيقي، أو حتى يؤثر عليه.”

واجتمع خلال الملتقى الذي استمر ليومين متتاليين خبراء وأكاديميون مغاربة وأجانب بارزون، فكان بمثابة فرصة لتناول إمكانيات وقدرة الذكاء الاصطناعي على تطوير القواميس، سواء كانت أحادية اللغة أو ثنائية اللغة أو عامة أو متخصصة، وهي أدوات ضرورية لنشاط الترجمة، استنادا إلى الذكاء البشري.

وفي السياق ذاته، سلطوا الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في تكوين المترجمين، من خلال عدة مجالات بحثية، في هذه الحالة “الترجمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي والترجمة المستندة إلى الذكاء البشري: مقاربة مقارنة”، و“دور الذكاء الاصطناعي في تكوين مترجمي المستقبل” ، و“تدريس اللغة العربية لأغراض الترجمة من خلال استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي”، و “استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي لإعداد قواميس الترجمة”، و”الذكاء الاصطناعي وأخلاقيات الترجمة”.

وتميز اليوم الأول من الملتقى العلمي بتنظيم جلسة عامة حول الترجمة والذكاء الاصطناعي، تلتها ثلاث ندوات موضوعاتية حول “اللغة العربية والذكاء الاصطناعي” و”مهن الترجمة والذكاء الاصطناعي” و”الترجمة المتخصصة والذكاء الاصطناعي”.

 أما خلال ثاني أيام الملتقى، فتطرق الأساتذة والأكاديميون المشاركون إلى عدد من القضايا ذات الصلة بـ”الجوانب الأخلاقية والذكاء الاصطناعي” و”الترجمة المقارنة والذكاء الاصطناعي” و”القاموس والمصطلحات”.

Exit mobile version