بإحساس إبداعيّ عالٍ، ورؤية فنيّة وجماليّة متميّزة؛ أعاد الفنانُ التشكيليُّ الجزائريُّ مصطفى بوطاجين، تشكيل وجوه شخصيات بارزة صنعت ملاحم من المقاومة، بمختلف الوسائل والأساليب، بداية بالكلمة، أو الموقف السياسي، وانتهاء بحمل السلاح في وجه الظلم والطغيان والاستعمار.
في معرضه الذي حمل عنوان “المقاومون”، وتتواصلُ فعالياته حتى 12 أكتوبر المقبل، قدّم مصطفى بوطاجين 24 لوحة فنيّة، من الحجم الكبير، تحمل وجوه وملامح مناضلين سياسيّين، أو رجال مقاومة، أو مثقّفين وفنانين، صنعوا الأمجاد عبر نضالاتهم في سبيل إعلاء كلمة الحقّ لدحر الاستعمار والإمبريالية، ليس في الجزائر فحسب، بل في أفريقيا والعالم كلّه، على غرار المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، والشهداء مصطفى بن بولعيد، وعلي لابوانت، وحسيبة بن بوعلي، ووجوه أخرى عُرفت بنضالها الطويل، مثل: نلسون مانديلا، وفرانز فانون، وباتريس لومومبا، وشي غيفارا، وفيدال كاسترو، وهوشي منه، ومحمود درويش.
ويعتمدُ أسلوبُ هذا الفنان التشكيليّ الجزائريّ على تقنية القصّ واللّصق، وذلك باستخدام قصاصات يجمعُها من أوراق مجلات وصحف عالميّة مشهورة، وذلك عن قصد ووعي تامّين من الفنان لإيصال رسالة ما، وهي الرسالة التي علّق عليها الفنان على هامش افتتاح المعرض، بالقول: “أنا وفيٌّ لمشروعي الفنيّ الملتزم من خلال توظيف تقنية اللّصق باستخدام قصاصات المجلات الراقية، بكلّ ما تحمله من دلالات، وذلك لتكريم ذكرى المقاومين”.
وأضاف: “يضمُّ هذا المعرض 24 بورتريه لنساء ورجال من رموز المقاومة في الجزائر والعالم من أصل مجموعتي التي تتشكّل من 300 بورتريه، كنت قد عرضتُ بعضها في وقت سابق، ولاقت إعجاب عشّاق الفنّ التشكيلي عبر العالم”.
ومن أهمّ ما يُميّز فنّ البورتريه لدى الفنان التشكيلي مصطفى بوطاجين – فضلا عن أسلوب القصّ واللّصق – اعتمادُه على إبراز ملامح وتفاصيل الشخصيات التي يرسمُها بالشّكل الذي تظهر معه كأنّها تريد أن تنطق لتقول أمرًا ما لكلّ من يُشاهد اللّوحة الفنيّة، وهذا ما يُشعر المتلقّي وكأنّه ينهل من التاريخ النضالي والبطولات التي تُمثّلُها تلك الشّخصيات المُجسّدة.
ويعكس أسلوب الرسم الفريد عمق رؤية الفنان في التفكير حول التاريخ والمقاومة وهو ما تمثله أعماله بكل حمولتها وشحناتها النضالية التي لا تكتفي برسم تفاصيل الوجوه بل تلتقط جوهر الحياة التي تصورها متجاوزة البورتريهات البسيطة لتصبح سيرا ذاتية بصرية وبيانات فنية باحترافية تقنية عالية في توزيع الألوان والتصميم.
ويُقدّم المعرض عبر الشّخصيات التي ركّز عليها الفنان التشكيلي مصطفى بوطاجين، دعوة للجمهور للبحث في الجوانب الإنسانيّة المشرقة، والقيم النبيلة التي تنطوي عليها تلك الشّخصيات، وأبرزُها قيم البذل والعطاء والتضحية من أجل الآخرين؛ وهي القيم التي يبدو أنّ جذوتها بدأت تخبو شيئا فشيئا، من قاموس هذا العالم، وتحلّ محلّها قيم الصّراع والأنانية، وهي نذُرٌ لا تخدم الإنسانيّة التي تقوم أساسًا على التعايش والتسامح.
يُشار إلى أنّ الفنان التشكيليّ، مصطفى بوطاجين، من مواليد عام 1952 بالجزائر العاصمة، تخرّج من المدرسة الوطنية للفنون الجميلة في تخصُّص الهندسة المعمارية الداخلية عام 1974، ومدرسة فنون الزخرفة بباريس عام 1978 في تخصُّص التصميم الصّناعي. وقد اشتغل رئيسًا لقسم التصميم الذي أنشأه بالمدرسة العليا للفنون التشكيليّة بالجزائر (1979/1988)، كما عمل أستاذًا مساعدًا في مدرسة البوليتكنيك للهندسة المعمارية والتخطيط العمراني بالجزائر، فضلا عن اشتغاله مصوّرًا سينوغرافيًا في العديد من المسرحيات، وعمله أيضا ممثّلا كوميديًّا مدة من الزمن.
وقد قام خلال مسيرته الفنيّة الطويلة بإنجاز سلسلة من الأعمال بعنوان “نساء الجزائر”، احتفى فيها بطريقته الخاصّة بكفاح المرأة الجزائرية من أجل الاستقلال وذلك في صيف 2012 بباريس (فرنسا)، وضمّت المجموعة حسيبة بن بوعلي، وأوريدة مداد، وجميلة بوباشا، وآني شتاينر، وجاكلين جرودج، ولويزة إيغيل أحريز، وأخريات.
كما أنجز مجموعة ثانية من الأعمال الفنيّة جمعت صور عدد من الوطنيّين والكتّاب والفنانين الجزائريّين، على غرار كاتب ياسين، وفرانز فانون، وعبان رمضان، وموريس أودين، وهنري ميلوت، وجميلة بوحيرد، ودحمان الحرّاشي.