كشف تحقيق موسع لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، عن مخطط يعمل عليه جنرالات سوريون سابقون من روسيا ولبنان لقيادة تمرد مسلح في سوريا.
وكشفت الصحيفة أن سقوط نظام الأسد لم يقضِ على نفوذ نخبة من قادته العسكريين والأمنيين، بل دفع بعضهم إلى إعادة تنظيم صفوفهم من المنفى، لزعزعة الحكومة السورية الجديدة وربما اقتطاع مناطق نفوذ داخل البلاد.
واعتمد التحقيق على اتصالات هاتفية ورسائل نصية مخترقة، إضافة إلى مقابلات وتحليل معمّق، توضح كيف يتقاطع الطموح العسكري مع المال والضغط السياسي الخارجي.
وأضاف التحقيق أن في قلب هذه الشبكة يبرز جنرالان سابقان يخضعان لعقوبات دولية، هما سهيل الحسن، قائد فرقة لقوات النخبة التابعة لنظام المخلوع الأسد، وكمال الحسن، الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية.
وعلى الرغم من اختلاف مقارباتهما، فإن كليهما يسعى لإعادة بناء نفوذ داخل سوريا المنهكة بعد 13 عاما من الحرب.
وأشارت إلى أن سهيل الحسن معروف بلقب “النمر” لما اشتهر به من شراسة ووحشية في القتال حيث وجد دعما روسيا خلال الحرب وهو من أوائل المسؤولين الذين سعت موسكو إلى إجلائهم مع بدء انهيار النظام، بحسب أربعة ضباط سابقين.
وبحسب التحقيق فإن سهيل الحسن يرفض التقاعد في منفاه بموسكو، كما أنه الأكثر اندفاعا نحو خيار التمرد المسلح، فمنذ ربيع 2025، تكشف الرسائل المسرّبة من هاتفه عن هيكلية عسكرية بدأت تتشكل في الخفاء.
وأشارت الصحيفة، إلى أن “النمر” قام بإحصاء وتوثيق ما يزيد عن 168 ألف مقاتل من الطائفة العلوية في منطقة الساحل السوري، 20 ألفا منهم لديهم إمكانية الوصول إلى مدافع رشاشة، و331 يمتلكون مدافع مضادة للطائرات، و150 بحوزتهم قذائف مضادة للدروع، و35 قناصا لا يزالون يحتفظون بأسلحتهم.
كما تُظهر الاتصالات أن سهيل الحسن لم يكن منفردا، بل تلقى تمويل من رامي مخلوف، رجل الأعمال النافذ وابن خال بشار الأسد، الذي يسعى بدوره إلى لعب دور قيادي داخل الطائفة العلوية من منفاه في موسكو.
ويلعب مخلوف دور الممول والمبشر في آن واحد؛ فهو لا يكتفي بضخ مئات الآلاف من الدولارات كرواتب شهرية للمقاتلين (تتراوح بين 200 و1000 دولار)، بل يروج لنفسه على أنه “المنقذ المخلِّص” القادر على حماية الطائفة العلوية وفقا للصحيفة.
وقالت “نيويورك تايمز”، إن هذا التحالف بين المال ممثلا في مخلوف والخبرة العسكرية الوحشية التي يتصف بها سهيل الحسن، يشكل -برأي الصحيفة- النواة الصلبة لما يمكن وصفه بـ”جيش الظل” الذي ينتظر لحظة ضعف الحكومة الجديدة للانقضاض عليها.
وتابعت الصحيفة، “لعل المثير للدهشة هو أن سهيل الحسن بات يوقع مراسلاته بعبارة خادمكم برتبة مجاهد، مخاطبا شخصا يصفه بالقائد العام لجيشنا وقواتنا المسلحة تشير الدلائل القوية إلى أنه رامي مخلوف”.
وتحدث التحقيق عن محاولات لشراء أسلحة، وتوزيع رواتب على مقاتلين محتملين، وحتى السعي للتنسيق مع مليشيات إقليمية لتهريب السلاح، وأن كانت هذه الشبكة قد بدأت لاحقا بالتفكك نتيجة الخلافات وصعوبة التنفيذ.
وتابعت، أن كمال الحسن الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية، يبدو أقل تركيزا على العمل العسكري المباشر، وأكثر اهتماما ببناء نفوذ سياسي خارجي.
وأظهر التحقيق أنه يقف خلف ما تسمى “مؤسسة تنمية غرب سوريا”، التي تعمل من بيروت تحت غطاء إنساني، لكنها سعت فعليا إلى التعاقد مع شركات ضغط أميركية بعقد بلغت قيمته مليون دولار، من أجل الدفع باتجاه فكرة الحماية الدولية لمناطق العلويين.
وبحسب بيانات رسمية في الولايات المتحدة تعود إلى آب/ أغسطس الماضي، تعاقدت المؤسسة مع شركة الضغط السياسي الأميركية “تايغر هيل بارتنرز”، ومع جوزيف شميتز، المستشار السابق للرئيس دونالد ترامب والمسؤول التنفيذي السابق في شركة “بلاك ووتر”.
ووفقا للصحيفة، فإن هذا المسار يثير قلق دبلوماسيين في سوريا أكثر من خطط التمرد نفسها؛ إذ يرون أن الضغط السياسي المنظم في واشنطن قد يُمهِّد تدريجيا لدعوات بإقامة إقليم شبه ذاتي الحكم داخل سوريا.
وأوضحت أن طموحات الجنرالات لا تتوقف عند حدود التخطيط النظري؛ فقد أثبتت التسريبات تورط غياث دلة، القائد السابق في الفرقة الرابعة للجيش السوري (قوات نخبة)، في إدارة عمليات لوجيستية من داخل لبنان.
ودلة -(54 عاما)-
ويعيش ظروفا متواضعة في المنفى، حيث كان المحرك الأساسي لمحاولات تهريب الأسلحة، بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ المضادة للدبابات، بالتنسيق مع مليشيات عراقية مرتبطة بإيران.
وتكشف الصحيفة، أنه في إحدى الرسائل المسربة، قال دلة لكمال الحسن إنه وزّع 300 ألف دولار على شكل رواتب شهرية لمقاتلين محتملين وقادة ميدانيين، بمبالغ تراوحت بين 200 و1000 دولار شهريا.
كما طلب الموافقة على شراء معدات اتصالات عبر الأقمار الصناعية بكلفة تزيد على 136 ألف دولار.
اقرأ أيضا:
WSJ: أمريكا محبطة من عدوانية “إسرائيل” ضد النظام الجديد في سوريا
وبحسب الوثائق التي تحدثت عنها الصحيفة، فإن طهران قامت بتأمين ملاذات آمنة لطيارين سوريين سابقين متهمين بجرائم حرب، مثل محمد الحاصوري، في فنادق لبنانية ليكونوا جاهزين لأي تصعيد عسكري محتمل.
ويعد الحاصوري (60 عاما) أحد كبار قادة سلاح الجو، والمتهم بتنفيذ هجوم بالأسلحة الكيميائية على بلدة خان شيخون شمال البلاد عام 2017.
وكتب كمال الحسن أن مسؤولين إيرانيين نقلوا الحاصوري و20 طيارا آخرين من النظام السابق إلى فندق في لبنان، وأنهم أبدوا استعدادهم للبقاء والانضمام إلى التمرد إذا تولى تغطية تكاليف إقامتهم.
وتحدث التحقيق عن حدود هذه المحاولات، فالمجتمع العلوي نفسه لا يبدو موحدا خلف هذه المشاريع، وكثيرون يحملون مرارة عميقة تجاه نظام جرّهم إلى حرب مدمرة كما أن الشبكات التي حاول الجنرالات بناءها تعاني من الانقسامات، ونقص الموارد، والرقابة الإقليمية والدولية.
وتختتم نيويورك تايمز تحقيقها الاستقصائي ناقلة عن بسام بربندي، الدبلوماسي السوري السابق الذي انشق عن النظام، تحذيره للحكومة السورية الحالية من أنها “إذا عجزت بعد عامين أو ثلاثة، فإن القادة الأميركيين قد يبحثون عن آخرين للتعامل معهم”.

اعتراف إسرائيل بأرض الصومال.. صفقة تهجير غزة وموطئ قدم في باب المندب
العواصف الثلجية تلغي آلاف الرحلات الجوية في أميركا
630 قتيلاً ومليون نازح في فيضانات سومطرة الإندونيسية
تايلاند وكمبوديا تنهيان أسابيع من الصراع باتفاق هدنة لمدة 72 ساعة