الأخبار المحليةتقارير
أخر الأخبار

“شتاء غزة” الخطر يتجدد مع أول مطر.. خيام ممزقة ومياه تغمر أراضي النزوح

غزة – الوعل اليمني – أزهار الكحلوت

لم تحتمل خيام النازحين في غزة هبوب أول رياح الشتاء، فمع أول موجة مطر بدأت أقمشتها الضعيفة تتسرب وتتفكك، متحولة إلى ستائر مبللة لا تقي بردًا ولا تمنع غمر المياه. في دقائق، غطى الطين الأرضيات بالكامل، وتحول الملاذ الوحيد لآلاف العائلات إلى مساحة مكشوفة تفتقر لأبسط مقومات الحماية، بينما يحاول الأطفال التشبث بالدفء، وتقاتل الأمهات لإنقاذ ما تبقى من أغطية وفُرش تتشرّب الماء من كل جانب.

مأوى هش

في مخيم إيواء بمنطقة دير البلح وسط قطاع غزة، تجلس عائلة أبوحليمة، داخل خيمة فقدت شكلها الأصلي بعدما انهارت إحدى زواياها تحت ضغط الأمطار الأخيرة. امتلأ الداخل برائحة الرطوبة، واضطرت العائلة لوضع قطع كرتون على الأرض الطينية. يروي الأب، محمود أبوحليمة (45 عاماً)، معاناتهم قائلاً: “لم نستطع النوم طوال الليل، المياه تتسرب من كل جانب وكأننا في العراء، الخيمة غرقت قبلنا”.

اضطر هو وأطفاله لإخراج الفُرش لتجفيفها بعد أن ابتلت تمامًا، فيما قضت زوجته ساعات تخيط بالإبرة والخيط الثغرات في الخيمة، مستعينة بأكياس الدقيق الفارغة لمحاولة صدّ تسرب الماء، لكن دون جدوى. ويضيف الأب: “لا نستطيع النوم ولا الجلوس، المطر يكشف كل ضعف في هذه الخيام، ومع كل موجة جديدة نخشى أن نستيقظ بلا مأوى”.

في المخيم ذاته على بعد عدة أمتار، كان الطفل محمد قاعود (13 عامًا) يملأ أكياس الدقيق الفارغة بالرمال ليضعها حول أطراف خيمته لحمايتها من المياه. ويقول والده، رائد قاعود:”كنا نعتقد أن النزوح مؤقت، لكننا نعيش أكثر من عامين في هذه الخيمة. لا يوجد بديل، ولا حلول حقيقية في الأفق.”

ويقول سامر عيسى لـ “الوعل اليمني” -مشرف أحد المخيمات وسط غزة- : إن معظم الخيام غرقت مع أول مطر، وتحولت الأرضيات إلى طين بينما تدفقت المياه داخل المأوى الهش. أمضى الأهالي الليلة وهم يحاولون إعادة تثبيت الأعمدة وشدّ الأغطية الممزقة، لكن الرياح والمطر فاقما الانهيار. وأكد أنه نقل الوضع للجهات الإغاثية، إلا أن الرد ظل: “لا تتوفر خيام بديلة”.

معاناة شاملة

يواجه النازحون في غزة ظروفًا قاسية نتيجة انعدام مقومات الحياة الأساسية وصعوبة الحصول على الاحتياجات الضرورية، بالإضافة إلى نقص الخدمات الحيوية، في ظل استمرار الحصار على القطاع. ويشير المكتب الإعلامي الحكومي إلى أن نحو 93% من خيام المخيمات أصبحت غير صالحة للسكن، أي ما يقارب 125 ألف خيمة من أصل 135 ألفًا، فيما تعرضت عشرات الآلاف الأخرى للتضرر بسبب القصف، التدمير الجزئي، أو الاهتراء الطبيعي بفعل عوامل الطقس.

أطفال في العراء

في مخيم خان يونس جنوب القطاع، غمرت مياه الأمطار خيمة عائلة علي بالكامل، تاركة الأرضيات طينية وباردة. كانت الطفلة سارة (7 أعوام) تبكي بحرقة وهي متكئة على حضن جدها حسن (62 عامًا)، الذي يحاول تدفئتها بمعطفه الممزق ويشدّها إليه لحمايتها من البرد القارس المتسلل عبر أقمشة الخيمة المهترئة.

أما أمها، أمل علي (32عاماً)، فتجلس بجانبهم مرتجفة من شدة البرد، وتروي لـ”الوعل اليمني” حجم المعاناة:

“كلنا سقعنا، ما عندنا أغطية كافية ولا ملابس دافئة للأطفال. حتى المعاطف القديمة اللي عندنا صارت ممزقة وتالفة. المطر دخل على كل شيء، وما في مكان يدفّيهم… نحن عاجزين أمام هذا الشتاء القاسي”.

في مخيم ذاته، تجلس سهى إسماعيل (28 عاماً)قرب باب خيمتها التي غطاها البلاستيك المهترئ، وتقول وهي تحاول تهدئة طفلها الصغير: “الشتاء بالنسبة لنا خوف دائم. كل عام نعيش الغرق، والمياه تدخل الخيام وتبلل أغطيتنا. ننتظر وعود الإغاثة، لكن لا شيء يصل.”

معظم العائلات تفتقر إلى الملابس الشتوية والبطانيات والوقود، فيما يعتمد البعض على إشعال قطع من الخشب أو الكرتون داخل أوعية معدنية لتوليد الدفء، وهو ما يعرّضهم لخطر الاختناق أو الحرائق.

عجز الدفاع المدني

يقول محمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، في تصريحات نقلتها مصادر محلية اليوم، أن الطواقم تعجز عن تقديم أي خدمات ملموسة للأهالي، ويقتصر دورها على الدعم النفسي وإجلاء بعض العائلات من المناطق الغارقة، مشيراً إلى أن الاحتلال دمر معظم المعدات المستخدمة سابقًا لمواجهة الأمطار. ويضيف أن غياب الشاحنات والمعدات يحدّ من قدرة الفرق على التدخل، بينما تعمل شاحنات اللجنة المصرية في غزة على فتح الطرق وتجهيز مراكز الإيواء.

مع بدء المنخفض وهطول الأمطار، يعيش النازحون في غزة على وقع الغرق والبرد، وسط خيام ممزقة ومياه تتسرب من كل جانب. تشابكت الحبال فوق الخيام بينما يحاول الأهالي حماية ما تبقى من ملاذهم، ويرفعون الدعاء لسلامتهم، لكن البرد الذي يتسلل إلى عظامهم يذكّرهم بأن شتاءً قاسيًا بدأ بالفعل، في قطاع أنهكته الحرب والنزوح والانتظار.

زر الذهاب إلى الأعلى