تقريرخاص
“لم نتصور أننا سنعيش كل هذه المدة في الجحيم، وأبناؤنا بعيدون عنا، إنها تصفية ممنهجة لحياتنا وحياتهم.”
بهذه العبارات تتحدث أم الشاب المختطف “كمال بادر” عن معاناتها طوال فترة اختطافه، وقالت إنها أصبحت لا تفارق غرفتها من يوم اختطافه وتدخل في موجات من البكاء والنحيب، بينما ترفض زوجته أن تشارك في أي مناسبة كالأعراس، وترفض بناته الاثنتان “تالا ويارا” ارتداء ملابس العيد في غياب والدهن.
أما شقيقه الصغير “علي” ذو الثلاثة عشر عاما فيطلب من أبيه دائما أن يأخذه إلى مكان احتجاز كمال ليراه، ولكنه لا يعرف مكانه فيرد عليه: “لو أعرف أين هو لذهبت أنا وأنت”.
قضية المختطفين في سجون ميليشيا الحوثي تُشعل مشاعر كل يمني، لا سيما عائلاتهم، إذ ترتبط هذه القضية الإنسانية بالعزة والشرف والكرامة، ويوما بعد آخر ترتفع الأصوات المطالبة بالبحث عن هؤلاء المختطفين والكشف عن مصيرهم، ومتعهدة بعدم نسيانهم أو التخلي عنهم، وفي اليوم العالمي للحرية عادت عائلات المختطفين والمخفيين قسرا لطرح الأسئلة حول مصير أبنائها فيما يبحث كثيرون عن الإجابة التي قد تعيد الحياة والأمل لآلاف البيوت المنكوبة بغياب أحبابها.
وحوش بلا رحمة
ويصف لنا الحاج “عبد القوي” مشاعره المختلطة بينما يقبع ولده “كمال” في السجن المغيب بقوله: “الحقيقة أنه رغم كل ما مررت به ما زلت أرفض فقدان الأمل، أعاني من انفصام شخصية تجاه معاناتي، وأحيانا أكاد أجزم ابني سيرجع وأستعد لاستقباله، وأحيانا يغمرني شعور أن ابني لم يعد على قيد الحياة، وأن عظامه قد تفتت في قبره، لقد كان ابني كل شيء بالنسبة لي، ولكني مؤمن بقضاء الله رغم كل شيء”.
ويتابع: “مضى على اختطاف ابني من منزله أربع سنوات بلا تهمة، ما يؤرق مضجعي هو ان ابني في ذمة وحوش لا تعرف الرحمة وليس في سجون دولة لديها قانون ومحاكم، لا نستطيع تعيين محامٍ للدفاع عنه ولا حتى زيارته، لذلك لا أملك إلا أن أستودعه الله حيا أو ميتاً “.
لا قيمة لهم
من جهتها، قالت زوجة المختطف “بدر الضبيبي” إن زوجها اختفى منذ أكثر من عامين “في ليلة هادئة ونحن جالسين في منزلنا اقتحمت ميليشيا الحوثي المنزل بأعداد كبيرة وخطفوه من البيت وإلى الآن نحن لا نعرف عنه أي شيء، إن كان حيا أو ميتا”، وتبكي زوجته “أم محمد” وهي تتحدث عن زوجها الذي ما زالت في رحلة البحث عنه حتى هذه اللحظة.
“كان بدر حينها، يعمل مع الهلال الأحمر، ولا أعرف لماذا اعتقلوه، تركوني في البيت وحيدة مسؤولة عن ثلاثة أطفال صغار، ولا توجد أي جهة أستطيع الذهاب إليها لأسأل أين زوجي، طرقت أنا وعائلة زوجي كل باب ممكن ودفعنا كل رشوة طُلبت منا، لكن كل جهودنا باءت بالفشل، وقيل لنا إنه لا أحد يستطيع مساعدتنا بسبب القيود التي تفرضها جماعة الحوثي بالذات على المعتقلين من المنظمات الإغاثية”.
وتضيف لموقع “الوعل اليمني”: “للأسف لا قيمة للمختطف، ولا أحد يدفع ثمن اختطافه سوى أهله، أما هو فثمنه رخيص جدا بالنسبة لخاطفيه، ثمنه هي الرصاصة التي تقتله فقط وليس أكثر من ذلك”.
كرهت الوطن
وتسرد “أم أنس” معاناتها بعد اعتقال زوجها الناشط “محمود الصباحي” منذ أكثر من ثلاث سنوات ومشقة إجراءات زيارة زوجها، إذ تقطع أكثر من 100 كلم من منزلها في مديرية حراز بمحافظة صنعاء، كل شهر، لتتمكن من زيارة زوجها في سجن البحث الجنائي.
تقول أم أنس: “لدي طفلان الآن يبلغان السادسة والخامسة، بالنسبة لهم لا يتذكرون شكل أبيهم ولا أستطيع الإجابة عن أسئلتهم المتكررة عن الشرير الذي اختطف والدهم، ولبعد المسافة لا أستطيع كذلك أن آخذهم لرؤيته”، وتؤكد على أن زوجها لم يرتكب جرما، حتى بعد ما قيل لها إن تهمته سياسية، مشيرة إلى أنها لم تتمكن من التأقلم مع غيابه.
“أصبحت أكره هذه البلاد التي أحببتها كثيرا لكنها أخذت أغلى ما عندي، أنا أعرف أن اللوم ليس على البلد، وإن اليمن ليست جماعة الحوثي طبعا، لكني أشعر فيها بأني غريبة وأولادي غرباء، لم أتوقع أن تعاملني بلدي أنا وعائلتي هذه المعاملة”.
تقارير صادمة
تعد هذه نماذج بسيطة تلخص واقع ثلاث عائلات فقط من آلاف العائلات التي اختطفت جماعة الحوثي أحد أفرادها، فبحسب الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، هناك 2406 جريمة إخفاء قسري ارتكبتها مليشيا الحوثي بحق المدنيين، بينهم 133 امرأة، و117 طفلاً، خلال الفترة الزمنية من 1 يناير 2017م وحتى منتصف العام الجاري 2024م في 17 محافظة يمنية، مشيرةً إلى أن مليشيات الحوثي ما تزال تخفيهم في سجونها وترفض الكشف عن مصيرهم، وأن جرائم الإخفاء القسري التي ارتكبها الحوثي توزعت بين 642 جريمة إخفاء قسري بحق فئات عمالية و189 سياسيا بالإضافة إلى 279 عسكريا، و162 تربويا و53 ناشطا، و71 طالبا و88 تاجرا، و117 طفلاً، و118 شخصية اجتماعية، و31 إعلاميا، و39 واعظا وخطيب مسجد، و13 أكاديميا، و133 امرأة، و382 لاجئا إفريقيا، و52 محاميا، و37 طبيبا.
كما نوه التقرير الحقوقي، إلى تعرض 32 مختطفاً في سجون مليشيات الحوثي للتصفية الجسدية، فيما انتحر آخرون للتخلص من قسوة وبشاعة التعذيب، ورصد التقرير، 79 حالة وفاة للمختطفين في سجون مليشيات الحوثي بسبب الإهمال في السجون، و31 حالة وفاة لمختطفين بنوبات قلبية..
وأفاد التقرير، بأن مليشيا الحوثي تدير 641 سجناً، منها 237 من السجون الرسمية التي احتلتها و128 سجنًا سريًّا استحدثتها المليشيا الحوثية بعد انقلابها على الشريعة داخل أقبية المؤسسات الحكومية كالمواقع العسكرية، ويتوزع بقية العدد في المباني المدنية كالوزارات والإدارات العامة، ومراكز تحفيظ القرآن، وبعض المقرات الحزبية، ومنازل بعض السياسيين.
تشريد أمة
في السياق، قال المحامي “توفيق الخضر” لموقع الوعل اليمني” بأن هناك مئات الآلاف من المعتقلين في سجون ميليشيا الحوثي ومئات الآلاف من المفقودين، وهذا يعني أن كثيرًا من اليمنيين فقدوا أولادهم وأزواجهم، مضيفا “عندما نقول إن هناك أكثر من مائة ألف يمني في عداد المفقودين فإن هذا يعني أن هناك مائة ألف عائلة تتألم، وبالتالي نحن نتحدث عن جماعة مسلحة كانت تعتبر أقلية قامت بقتل وتشريد شعب وأمة.”
ووصف المحامي جماعة الحوثي بـ”المجرمة” والمسؤولة عن اعتقال كل من عارضها الرأي بالكلمة بل وكل من حمل الراية الجمهورية، لافتا إلى أنه تمت تصفية العشرات في سجون الحوثيين تعذيباً وإهمالاً ، ومن خرجوا من المعتقلات يكونون منهكين ومعظمهم مصابون بأمراض قاتلة قد تودي بهم بعد فترة قليلة من الزمن نتيجة التعذيب الذي تعرضوا له على أيدي الحوثيين في المعتقلات.