عائلات المعتقلين في رمضان… بين الألم والأمل

تقرير خاص
يأتي رمضان هذا العام على عائلات المعتقلين في سجون جماعة الحوثي محملاً بمشاعر مختلطة من الحزن والشوق والأمل، وتعيش هذه العائلات أيام الشهر الفضيل دون وجود أبنائها المعتقلين مابين المشاعر والتحديات، والأمنيات التي يحملونها في قلوبهم.
مشاعر مختلطة
“رمضان ليس كما كان”، بهذه الكلمات بدأت “أم محمد” حديثها، وهي أم لثلاثة أبناء، أحدهم معتقل منذ عامين، تقول: “كان رمضان أجمل الأيام عندما كنا نجتمع حول مائدة الإفطار، نتبادل الضحكات والحديث، والآن، الفراغ كبير والشوق أكبر، وكل ليلة أتذكر كيف كان يجلس بجانبي، يملأ الطبق بيده ويبدأ بالإفطار، والطبق نفسه أمامي الآن لكن لا طعام فيه”.
أم خالد، وهي أم لشاب معتقل منذ ثلاث سنوات، تقول لموقع الوعل اليمني: “رمضان في غياب ولدي بلا أي مشاعر سوى الحزن والقهر، أحياناً أستيقظ في منتصف الليل وأتخيل أنه موجود هنا، أسمع صوته يضحك أو يتحدث مع إخوته، لكن الحقيقة توقظني من هذا الحلم، وأجد نفسي أبكي حتى الفجر”.
بحسب الاستطلاع، تبين أن نحو 60% من عائلات المعتقلين يعانون من مشاعر الاكتئاب والحزن خلال شهر رمضان، خاصة في أوقات الإفطار والسحور التي تذكرهم بغياب أحبائهم، و 85% من أفراد هذه العائلات اجابوا انهم يعانون من اضطرابات في النوم بسبب القلق المستمر على أبنائهم.
من يعول العائلة؟
ومن ابرز مظاهر المعاناة ان المعتقلين غالباً ما يكونون المعيلين الرئيسيين للأسرة، لذلك يؤدي غيابهم الى فراغ اقتصادي كبير، تقول فاطمة، زوجة معتقل: “زوجي كان يعمل في ورشة صغيرة، وبعد اعتقاله توقفت الورشة عن العمل، الآن أعتمد على المساعدات من الجمعيات الخيرية والأقارب، لكن هذه المساعدات لا تكفي لسد كل احتياجاتنا، لذا أضطر إلى التهرب من دفع فواتير الكهرباء أو الماء واتذلل للمحصل لكي يؤجل السداد حتى أحصل على بعض المال”.
أبو سعيد، وهو كذلك أب لمعتقل يعمل في مجال البناء، يقول لموقع الوعل اليمني “ابني كان يعمل يومياً ليؤمن لنا لقمة العيش، اما الآن اضطررت أنا وزوجتي إلى العمل لسد احتياجاتنا، واكتشفنا بان الحياة أصبحت صعبة جداً خاصة في رمضان عندما تزداد النفقات، اتذكر كم كانت الدنيا في ايامنا سهلة ولقمة العيش متيسرة، ولاول مرة أشعر كم كان سعيد يعاني لتوفير الغذاء والدواء لي ولوالدته”.
وقال 70% من عائلات المعتقلين انهم يعانون من صعوبات مالية بعد ان فقدوا مصدر الدخل الرئيسي، واكد 30% منهم انهم يعتمدون بشكل كلي على المساعدات الخيرية، بينما يلجأ 40% منها إلى العمل في وظائف مؤقتة أو غير مستقرة لتغطية النفقات الأساسية.
رمضان بلا أحباء
“رمضان بلا ولدي ليس رمضاناً”، تقول أم ناصر، التي اعتادت أن تعدّ المأكولات المفضلة لابنها المعتقل، وتضيف: “أحاول أن أطبخ ما كان يحبه، وأوزعه على الجيران والفقراء كصدقة عنه، وكل لقمة أتناولها أتذكر كيف كان يضحك وهو يأكل، وانا لا ادري اين هو ؟ وهل يصوم ويفطر مثلنا ام لا؟ “.
“فراص” وهو ابن معتقل منذ عامين، يقول :” هذا رمضان الثاني وابي غير موجود وبيتنا مهجور من دونه لا احد ياتي الينا ولا يزورنا مثل الماضي، عندما كان ابي هنا كان البيت عامرا بالضيوف خصوصا في رمضان والحياة تعم اركان المنزل، اتمنى ان أرى ابي قريبا ويعود رمضان مثلما كان في وجوده”.
خلال الاستطلاع ، تبين أن 50% من عائلات المعتقلين يحاولون الحفاظ على بعض الطقوس الرمضانية، مثل إعداد الأطباق المفضلة لأبنائهم أو توزيع الصدقات نيابة عنهم، بينما يعاني 30% من هذه العائلات من صعوبة في ممارسة هذه الطقوس بسبب الحالة النفسية الصعبة.
بين الحرية واللقاء
اما الأمنيات التي تحملها عائلات المعتقلين فهي بسيطة لكنها عميقة: الحرية لأبنائهم، واللقاء في أيام رمضان المقبلة، ووفقاً للاستطلاع، 80% من هذه العائلات يضعون حرية أبنائهم على رأس قائمة أمنياتهم، بينما يؤكد 60% منهم انهم لايعرفون معنى السعادة والروحانية في رمضان لان ابنائهم يتعرضون للعذاب ولايعرفون هل هم احياء او اموات.
“أمنيتي أن أرى ابني مرة أخرى”، تقول أم علي، وهي تمسك بصورته بين يديها “كل ليلة أدعو الله أن يفرج عنه، وأن نلتقي في رمضان القادم، أتمنى فقط أن أشم رائحته، أن أسمع صوته، أن ألمس يده، هذه الأمنية هي التي تجعلني على قيد الحياة حتى اليوم”
وتضيف وهي تمسك بمصحفها: “رمضان هو شهر الأمل ، وأعلم أن الله سيستجيب لدعائي، وسيعيد ابني إليّ، حتى ذلك اليوم، سأظل أحمل الأمل في قلبي، وأدعو له في كل صلاة”.
وتقول أم يوسف، وهي أم لشاب معتقل منذ خمس سنوات،: “أمنيتي أن يعود ابني ليعيش معنا حياة طبيعية، أتمنى أن نعيش جميعاً في سلام دون خوف أو قلق، أتخيل كيف سيكون يوم عودته سعيدا بل سيكون اسعد يوم في حياتي، أحلم بأن اعيش لحظة الفرح هذه التي طال انتظارها”.
وبين الألم الذي يخيم على قلوبهم، والأمل الذي يضيء طريقهم، تعيش هذه العائلات أيام الشهر الفضيل بقلوب مليئة بالدعاء والرجاء، وأمنية واحدة تجمعهم جميعاً: أن يأتي رمضان القادم وهم يجتمعون حول مائدة واحدة، يتبادلون الضحكات والحديث، كما كانوا يفعلون من قبل.