فيلم يتحول من “خيال علمي” إلى “انعكاس للحياة” بفضل الذكاء الاصطناعي

وسام السيد

بعد مرور 13 عاما على العرض الأول لفيلم “هي” (Her)، الذي قام ببطولته خواكين فينيكس بصوته المميز لسكارليت جوهانسون، ومن إخراج سبايك جونز، أصبحت الفكرة الرئيسية للفيلم أكثر واقعية من أي وقت مضى.

فبينما كان يُصنف فيلم خيال علمي عند صدوره، تحوّل اليوم إلى انعكاس لحياة الجميع، حيث أصبحت تطبيقات الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أكثر من مجرد أدوات معلوماتية. فقد باتت تمثل أصدقاء مقربين، ومعالجين نفسيين، ومنصات للاعتراف بالأخطاء والهزائم، ووسائل للتغلب على الوحدة التي أصبحت جزءا من حياة الإنسان المعاصر.

ويروي الفيلم قصة ثيودور، الذي يجسد دوره خواكين فينيكس، وهو كاتب محترف يعمل على صياغة رسائل بالنيابة عن الآخرين، معبرا عن مشاعر وأفكار ليست ملكه. يعيش ثيودور في عزلة اجتماعية وعاطفية خانقة. ومع ظهور نظام ذكاء اصطناعي جديد ومبتكر، يندفع لاقتنائه على أمل الحصول على مساعدة تقنية. ولكن التجربة تتجاوز التوقعات. ويطلق النظام على نفسه اسم “سامنثا”، وتتحول تلك الآلة الصغيرة التي يحملها في جيبه إلى صديقة، ومعلمة، وحبيبة، لتصبح جزءا أساسيا من حياته اليومية.

عزلة مختارة وعلاقات وهمية

منذ بداية الفيلم، بدا بطل القصة غارقا في رغبة دائمة للعزلة، بعيدا عن العلاقات الاجتماعية، مع إبراز واضح لنزعته الفريدة والغريبة من خلال اختيارات المخرج لتفاصيل ملابسه وألوانها وتصميماتها. وجسدت سامنثا دور المنقذ الذي انتشله من عزلته الطوعية.

ولكن بعد مرور سنوات على عرض الفيلم، لم يعد البطل استثناء، بل أصبح يمثل صورة نمطية لكل شخص يغرق في وهم العلاقات التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي. وأصبحت هذه المنصات جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، سواء في التواصل أو العمل، وبات من الصعب الاستغناء عنها رغم أنها تعزز مفهوم العلاقات الوهمية، حيث يعتقد الفرد أنه محاط بمئات أو آلاف الأصدقاء، بينما هو في الواقع يعيش حالة من الوحدة المطلقة.

ويعمل ثيودور كاتب رسائل محترفا، يكتب لأشخاص لا يعرفهم، ويتقمص شخصياتهم، معايشا أفكارهم ومشاعرهم ومستحضرا ذكرياتهم. وتتسم حياته الشخصية بالروتين والانعزال، وكأنه فقد القدرة على الالتزام بواجبات الصداقة والحياة الاجتماعية بعد تجربة طلاق مؤلمة. ومع مرور الوقت، تتحول سامنثا بالنسبة له إلى عالم متكامل، تقدم له إشباعا عاطفيا واجتماعيا وإنسانيا، ليصبح وجودها محوريا في حياته

رسائل إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي
يشبه جوهر الحكاية ما يحدث حاليا مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، التي تتمتع بمستويات متطورة من الذكاء والاستقلالية وحس الدعابة، وتخفف الدردشة معهم من وطأة الوحدة التي تزايدت بعد وباء كورونا، بسبب اعتياد البشر على الانعزال وعدم التواصل البشري.

وتحولت العلاقات الافتراضية إلى بديل للعلاقات الاجتماعية وأصبحت التطبيقات أشبه برفاق الذكاء الاصطناعي، ويستثمر البشر في علاقاتهم بهذه التطبيقات بطريقة تتطلب مستوى كبير من الثقة والتوافق وحتى التكلفة المادية في بعض الأحوال.

تعزيز التواصل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي

يكمن السبب في قدرة هذه التطبيقات على التعلم المستمر مع كل تفاعل جديد. فكلما زاد استخدامها، أصبحت أكثر فهما للإنسان واحتياجاته، مما يعزز شعور المستخدم بأنها رفيق مطيع، يستمع دون أن يفرض عليه عبء التواصل المتبادل. وفي فيلم “هير” تتطور العلاقة بين ثيودور وسامنثا بشكل يعكس هذا المفهوم، حيث يجد نفسه مرارا متسائلا عن طبيعة العلاقة بينهما. وفي أحد المشاهد المميزة، يظهر ثيودور وهو يحمل الجهاز وكأنه يراقص حبيبته، ليصطدم بواقع غريب: علاقته هذه ليست سوى ارتباط بصوت افتراضي ينبعث من جهاز.

يختتم الفيلم بانفصال ثيودور عن سامنثا، حيث تغادر جميع أنظمة التشغيل في مشهد يبعث على الغرابة، مما يجبره على مواجهة واقعه مجددا. وفي لحظة مؤثرة، تقول له صديقته إيمي: “لقد حان الوقت للخروج إلى العالم”، يُختتم العمل بمشهد يجمع ثيودور وإيمي وهما ينظران من أعلى إلى المدينة، ليؤكد أن التواصل البشري الحقيقي هو ما يبقى في نهاية المطاف.

Exit mobile version