
غزة – الوعل اليمني
في شوارع غزة المدمرة، حيث ما زالت آثار الحرب على المباني والطرقات واضحة، يعيش الفلسطينيون تحت ما يمكن وصفه بـ”أحزمة من القمامة”. آلاف الأطنان من النفايات تتكدس في الأحياء والمخيمات، محملة بتهديدات صحية وبيئية كبيرة، في وقت تعجز فيه البلديات عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات الأساسية بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر.
تكدس النفايات لم يعد مجرد منظر غير مريح، بل أصبح قنبلة صحية صامتة. مدير مستشفى الشفاء، محمد أبو سلمية، حذر في تصريحات صحفية، من أن تراكم النفايات يجلب البعوض والقوارض والذباب والحشرات، ما يسهم في انتشار أمراض جلدية وتنفسية ومعوية بين السكان. وأضاف أن الغازات المنبعثة من مكبات النفايات، وعلى رأسها الميثان، تؤثر مباشرة على صحة المرضى داخل المستشفيات، فيما يشكل تسربها إلى المياه الجوفية تهديدًا كبيرًا لمصادر مياه الشرب.
وبحسب اتحاد بلديات غزة، فإن نحو 700 ألف طن من النفايات تتكدس في مناطق شمال وجنوب القطاع، موزعة بين مكبات عشوائية نتيجة منع إسرائيل الوصول إلى المكبات المركزية في المناطق الحدودية، والمعروفة باسم “الخط الأصفر”. هذا المنع أعاد ظاهرة المكبات العشوائية التي حاولت البلديات القضاء عليها قبل الحرب، ما أدى إلى انتشار القمامة في شوارع المدينة وأمام مراكز الإيواء والخيام، حيث يعيش آلاف النازحين في ظروف صعبة للغاية.
أزمة الوقود والمعدات
نائب رئيس اتحاد البلديات، علاء البطة، وصف الوضع بأنه “معادلة مستحيلة”، مشيرًا إلى نقص الوقود وتدمير الآليات والمعدات خلال حرب الإبادة. وقال إن البلديات تعمل أحيانًا على استدانة الوقود أو تضطر لتقليص أعمالها اليومية، وسط حاجة عاجلة لمضاعفة الوقود لإزالة الركام وفتح الطرقات وتسهيل عودة النازحين إلى مساكنهم. وأضاف أن 5 آلاف موظف بلدي يعملون منذ أكثر من عامين دون رواتب، وسط ظروف قاسية وخطر مباشر على حياتهم، بعد استشهاد أكثر من 200 موظف أثناء أداء مهامهم الإنسانية والخدمية.
وأوضح البطة أن إسرائيل لم تسمح منذ سريان وقف إطلاق النار بدخول سوى 8.4% من كميات الوقود المتفق عليها يوميًا، ما يفاقم الأزمات الخدمية والصحية ويشل قدرة البلديات على معالجة النفايات وفتح الطرقات وإعادة تشغيل المرافق الأساسية.
كارثة مياه وبيئة
النفايات لم تكن التهديد الوحيد، فقد دمر الاحتلال أكثر من 700 بئر مياه، ما أدى لتراجع الحصة اليومية للفرد الواحد من 90 لتراً قبل الحرب إلى 10-15 لتراً فقط. واستهداف شبكات الصرف الصحي والمولدات الكهربائية أدى إلى تلوث المياه الجوفية وتسرب المياه العادمة، وهو ما يزيد من خطورة انتشار الأوبئة، خاصة مع بدء موسم الأمطار والسيول التي تغمر المخيمات والبيوت المتضررة.
مدير مستشفى الشفاء أكد أن كل مرة يتساقط فيها المطر، يصل عدد المرضى إلى مستويات مضاعفة، ومن بينهم من يعاني من أعراض الكبد الوبائي أو التلوث أو أمراض جلدية ومعوية، وهو ما يعكس حجم الأزمة الصحية المتفاقمة.

النازحون يعيشون تحت القمامة
تعيش آلاف الأسر النازحة بالقرب من مكبات النفايات وسط أوضاع صحية بالغة الخطورة، خاصة الأطفال، معرضين لـ أمراض جلدية ومعوية وكبدية. ومع استمرار القيود على دخول المساعدات والمساكن المتنقلة، يواجه هؤلاء السكان حياة محفوفة بالمخاطر، وسط نداءات مستمرة للمنظمات الدولية للتدخل العاجل. وقال المواطن جهاد المصري لـ”الوعل اليمني”، الذي اضطر نصب خيمته بالقرب من مكب للنفايات في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة، بعد أن لم يجد مكانًا آخر للعيش، فيما يقع منزله داخل ما يُعرف بـ”الخط الأصفر” الذي تمنع إسرائيل الوصول إليه، إنهم أصبحوا مضطرين للنوم في خيام مليئة بالرطوبة والروائح الكريهة. وأضاف أن الأطفال يضطرون للعب بين القمامة، وهو ما يزيد من مخاطر الأمراض والعدوى.
دعوة عاجلة للمجتمع الدولي
مدير مستشفى الشفاء ومحافظو البلديات يكررون مناشدتهم للمجتمع الدولي لدعم جهود جمع النفايات ومعالجة أزمة المياه والصرف الصحي، وتوفير الوقود والمعدات اللازمة لاستمرار الخدمات الأساسية، والحيلولة دون تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من عامين.
في ظل استمرار القيود الإسرائيلية، تبقى غزة محاصرة بين الدمار والنفايات والأوبئة، بينما يحاول السكان البقاء على قيد الحياة وسط أحزمة من القمامة تهدد كل جانب من حياتهم اليومية، لتصبح أزمة النفايات جزءًا من الحرب المستمرة على صحة وسلامة المدنيين الفلسطينيين.







