
في قراءة سياسية اعتبر الكاتب والباحث الكويتي عبدالله خالد الغانم أن ما سماه بـ”الحرب العيدروسية” في حضرموت لم يكن حدثاً مفاجئاً أو معزولاً عن مسار اليمن والخليج، بل تجسيداً حرفياً لتحذيرات سبق أن أطلقها في مقالاته المنشورة أواخر أكتوبر ومطلع نوفمبر.
الغانم أوضح أن ما وقع جنوب اليمن يعكس قانون الجاذبية السعودية في مقابل هشاشة الأطراف الوظيفية التي تحاول بناء وزن اصطناعي في لحظة حساسة من إعادة تشكيل الأمن الإقليمي، مؤكداً أن أي احتكاك بين المجلس الانتقالي الجنوبي والشرعية اليمنية يمنح الحوثيين متنفساً استراتيجياً ويعيد إرباك ميزان القوى في الخليج.
وفي مقاله، شدد الغانم على أن توقيت انفجار الأحداث قبيل ساعات من قمة المنامة لم يكن صدفة، بل محاولة لخلق حضور قسري للانتقالي داخل معمار الأمن الخليجي الجديد، في وقت يشعر فيه عيدروس الزبيدي بأن مركز الثقل الإقليمي انتقل من المدار الإسرائيلي إلى المدار السعودي بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. هذا التحرك، بحسب الغانم، لم يكن مجرد مواجهة ميدانية، بل خطوة تهدف إلى تعطيل مسار تحويل الشرق اليمني إلى عمق سعودي خالص، وإحياء مشروع “دويلة الجنوب” قبل أن يُطوى نهائياً في القمة، إضافة إلى محاولة الحفاظ على موقع ضمن هندسة النفوذ الإسرائيلي في لحظة تتغير فيها الخرائط.
الغانم اعتبر أن حضرموت تحولت إلى أول اختبار فعلي لمحور الرياض بعد الحرب الإقليمية الأخيرة، وأن ما جرى فيها يؤكد نهاية نموذج إدارة الجنوب عبر فواعل صغيرة، وبداية دور سعودي صريح في إعادة هندسة اليمن كجزء لا يتجزأ من الأمن الخليجي.
واختتم مقاله بالتأكيد أن حضرموت لم تكن مجرد ساحة اشتباك، بل مرآة كاشفة لمرحلة انتقالية تعيد فيها الكتلة الخليجية الكبرى رسم خرائط الأمن من جديد، موجهاً رسالته إلى عيدروس الزبيدي بأن محاولة تجاوز مركز الثقل السعودي محكومة بالفشل أمام قانون جيوسياسي صارم يعيد تشكيل الإقليم.
نص المقال:
لم يكن انفجار -الحرب العيدروسية- في حضرموت حدثًا مفاجئًا ولا فعلًا معزولًا عن مسار اليمن أو الخليج، فمن يقرأ المقالين المنشورين في (29 أكتوبر) بعنوان (عيننا الخليجية المُتوجّسة.. تُراقب تحرّكات #عيدروس في اليمن بحساسية عالية ) ومقال (3 نوفمبر 2025) بعنوان ( سرابُ الكفّةِ الصهيونية.. في عيونِ -كياناتٍ عربيةٍ- قزميّة.. و -توهُّمُ القدرةِ- على موازنة #السعودية ) سيدرك أنّ ما وقع جنوب اليمن كان (تحققًا حرفيًا لنسق معرفي) سبق توصيفه: باعتباره نسقٌ يقوم أولًا على مفهوم (قانون الجاذبية السعودية) من جهة، و (هشاشة الأطراف الوظيفية) من جهة أخرى.
ففي مقال أكتوبر حذّرتُ من أنّ أي احتكاك بين الانتقالي بقيادة عيدروس والشرعية سيشكّل (تخادمًا موضوعيًا) يمنح الحوثيين -متنفسًا استراتيجيًا- ويُربك ميزان الخليج في لحظة يُعاد فيها بناء هندسة الأمن الإقليمي.
وجاء مقال نوفمبر ليضع القاعدة الكبرى: أن (الكيانات الصغيرة التي تراهن على الكفّة الإسرائيلية لموازنة الرياض إنما تطارد سرابًا ينكشف عند أول اختبار). واليوم، يتحقق التحذيران معًا في حضرموت، وبالصياغة ذاتها تقريبًا.
لكن السؤال الأعمق ليس: كيف انفجرت الحرب؟
بل: لماذا انفجرت الآن؟ وما دلالاتها الأمنية الإقليمية؟
أولًا: دلالات الانفجار العيدروسي
١) خلق (وزن اصطناعي) قبل لحظة التعريف الأمني الخليجي.
فالتحرك العسكري قبيل ساعات من القمة محاولة لافتتاح (موقع تمثيلي قسري) داخل (معمار الأمن الجديد) الذي يُعاد بناؤه داخل قمة المنامة بعد حرب الـ12 يوم.
٢) خشية الانتقالي من خسارة امتيازاته في مرحلة ما بعد انتقال مركز الثقل الاميركي من محور النقب بقيادة إسرائيل إلى مدار الرياض بقيادة ابن سلمان. إذ يشعر عيدروس بأن مركز الثقل الإقليمي تحوّل من المدار الإسرائيلي الذي يرعاه سرًا إلى مدار الرياض، ما دفعه لخلق ضجيج أمني محاولًا حجز مكان على الطاولة.
٣) منح الحوثيين -متنفسًا استراتيجيًا- عبر استنزاف الشرعية. تمامًا كما سبق وأن حذرنا منه قبل شهر، الحرب الجانبية ستُضعف المركز اليمني (الشرعية) وتُعيد التوازن للذراع الإيرانية في اليمن.
ثانيًا: الأهداف الخفية للتحرك:
• إرباك عملية بناء تعريف الأمن الخليجي الجديد وإجبار القادة على التعامل مع الانتقالي كفاعل اضطراري.
• تعطيل مسار تحويل الشرق اليمني إلى عمق سعودي خالص.
• إحياء فكرة دويلة الجنوب قبل أن تُغلق القمة الخليجية الباب عليها نهائيًا.
• الاحتفاظ بموقع ضمن -هندسة النفوذ الإسرائيلي- في لحظة تتغير فيها الخرائط.
ثالثًا: الدلالات الأمنية الإقليمية:
إنّ تفجير حضرموت قبيل القمة يمثل أول اختبار لـ (محور الرياض) بعد الحرب الإقليمية الأخيرة، ويؤكد:
• نهاية نموذج إدارة الجنوب عبر فواعل صغيرة.
• بداية دور سعودي صريح في إعادة هندسة اليمن بوصفه (مفصلًا) في معادلة الأمن الخليجي، لا ساحة نزاع منفصلة.
• تضاؤل قدرة أي قوة محلية على المقايضة مع المركز السعودي في لحظة إعادة تعريف التوازنات.
ختامًا، إنّ حضرموت لم تكن حادثة عابرة، بل مرآة كاشفة لحظةَ الانتقال من زمن الفواعل الصغيرة إلى زمن الكتلة الخليجية الكبرى. وما جرى فيها لم يكن صراعًا على محافظة، بل محاولة يائسة لاختراق معمار الأمن الجديد الذي تُعيد قمّة البحرين رسم حدوده وخطوطه الحمراء.
وفي لحظات إعادة تعريف التوازنات، لا ينجو من ضغط الكتلة سوى من يفهم مركزها ويستجيب لقانونها. أما من يختبر مركز الثقل السعودي بمنطق الهامش، فإنما يختبر قانونًا جيوسياسيًا صارمًا لا يسمح للأجنحة الصغيرة بالتحليق فوق كتلة تُعيد تشكيل الإقليم من حولها.
إنّ حضرموت تقول، بوضوح لا التباس فيه، ولكن للأسف ما زالت لا تراه بصيرة عيدروس: (بأن من يجهل هندسة المركز الإقليمي الصاعدة سيذوب عند أطرافه بالضرورة في نهاية المطاف).






