مقالات
أخر الأخبار

ماذا يعني انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة؟

عمر كوش

بات من شبه المؤكَّد انضمامُ سوريا إلى التحالف الدولي ضدّ تنظيم الدولة (داعش)، ويُتوقَّع أن يُعلَن ذلك رسميًا خلال الزيارة التاريخية التي يُجريها الآن الرئيسُ السوري أحمد الشرع إلى واشنطن، وذلك وفق ما أكّده المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، على هامش مؤتمر «حوار المنامة» في البحرين.

يأتي الانضمام في ظل سعي الحكومة السورية إلى بناء شراكة متوازنة مع واشنطن، وعلاقات طبيعية مع جميع القوى الدولية، وفق ما صرّح به وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الذي اعتبر أن زيارة الشرع إلى واشنطن “ستشكّل محطة محورية في إعادة ترتيب العلاقة مع الولايات المتحدة”.

أهمية الانضمام

يشكّل انضمام سوريا إلى التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة منذ تشكيله في سبتمبر/أيلول عام 2014، ويضم 89 دولة، نقلة نوعية بالنسبة إلى موقعها الجيوسياسي، كونه يمثل تحولا كبيرا في توجهها، ينقلها من المحور الروسي الإيراني، إلى موقع الشريك الرسمي لدول التحالف الغربي ضد تنظيم الدولة للمرة الأولى.

يترتّب على الانضمام استحقاقات على سوريا والتحالف، لكنه في الوقت نفسه يكتسب أهمية خاصة بالنسبة إلى سوريا، كونه يحقق لها مكاسب على مختلف المستويات؛ السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، قياسا على المكاسب التي حققها انضمام العراق إلى التحالف، والتي تشمل مجالات وخدمات عديدة، وتخصيص صندوق تمويل لأكثر من ألف مشروع في مختلف مناطق العراق.

والأهم من ذلك كله أنه يعلن دخول الدولة السورية كشريك رسمي، بما يعني تنسيق العمليات المستقبلية بشكل مباشر مع قوات وزارة الدفاع السورية، لا عبر قوى محلية غير رسمية.

غير أن الخطوة تطرح العديد من الأسئلة حول ما تحمله من إشارات على أن مرحلة “الوكلاء” و”الفاعلين دون الدولة” قد اقتربت من نهايتها، وذلك بعد التحول السوري الذي أفضى إلى سقوط نظام الأسد البائد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقدوم إدارة جديدة تتعامل ببراغماتية في جميع الملفات، وذلك في إطار سعيها إلى استعادة دور الدولة وسيادتها على جميع أراضيها.

تمتد التساؤلات إلى الأهداف والمكاسب التي تجنيها كل من الولايات المتحدة، والحكومة السورية من هذه الخطوة، وما الذي يترتب عليها على مستوى علاقات الطرفين، وما يتعلق بقواعد الاشتباك، وإدارة مناطق النفوذ، وآليات حماية المدنيين، ومنع حدوث انتهاكات.

بداية، يتوج الانضمام التنسيق والتعاون بين جهاز الأمن التابع لوزارة الداخلية السورية، وقيادة قوات التحالف الدولي، والذي تجسّد في أكثر من عملية ضد عناصر تنظيم الدولة، كان آخرها عملية نُفذت في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأسفرت عن تفكيك خلية للتنظيم، واعتقال عضو بارز فيه، كان يختبئ في منطقة معضمية القلمون المحاذية لبلدة الضمير في ريف دمشق.

وفي إثرها، سارع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، إلى التعليق على العملية بقوله: “سوريا عادت إلى صفّنا”.

وسبق للإدارة الأميركية أن عبّرت عن رغبتها في أن تنخرط سوريا في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، حيث أعلن البيت الأبيض في مايو/أيار الماضي، أن أحد شروط الولايات المتحدة لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، هو “مساعدة الولايات المتحدة في منع عودة ظهور تنظيم الدولة، وتحمل المسؤولية عن مراكز احتجاز مقاتلي التنظيم في شمال شرق سوريا”، التي تضم الآلاف من عناصره، وتتولى قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مسؤولية إدارة هذه المراكز، إضافة إلى مخيمات احتجاز تضم الآلاف من عائلات عناصر التنظيم.

الحيثيات السورية

أما حيثيات انضمام سوريا إلى التحالف، فتكمن فيما يلي:

يلبّي الانضمام أحد أهم المطالب الدولية من سوريا، والمتمثل في تأكيدها الانخراط في مكافحة الإرهاب، وخاصة تنظيم الدولة، والعمل على منع عودة انتشاره.

تنظر الحكومة السورية إلى تنظيم الدولة على أنه يمثل تهديدا لها، حيث ازدادت العمليات العسكرية التي ينفذها عناصر التنظيم ضد عناصر الجيش وقوى الأمن السورية، خاصة في منطقة البادية، وعلى الحدود السورية العراقية. وسبق للتنظيم أن وجّه تهديدات عديدة للحكومة السورية، وحذّر الرئيس السوري أحمد الشرع في أبريل/نيسان الماضي من مغبة الانضمام إلى التحالف الدولي.

تريد الحكومة السورية تعزيز شرعيتها الدولية، وبما يفضي انضمامها إلى إزالة كافة العقوبات الأممية المفروضة على خلفية تصنيف بعض الشخصيات القيادية السورية على قوائم الإرهاب، وكذلك العقوبات الأميركية المفروضة عليها، حيث إن بعض أعضاء الكونغرس الأميركي ما زالوا يربطون إزالة قانون “قيصر” بالتعاون الذي تبديه حيال محاربة التنظيمات المتطرفة، وعدم تهديد أمن إسرائيل.

على المستوى العسكري، يُسهّل انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، حصولها على معدات عسكرية وتقنية؛ لتحسين أداء قواتها وأجهزتها الأمنية.

يقرّب الانضمام سوريا من الشراكة مع الولايات المتحدة، وهي الجهة الوحيدة القادرة على وقف الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، وبالتالي كلما اقتربت دمشق من واشنطن، أصبحت في وضع أفضل حيال العدوانية الإسرائيلية.

تجادل الحكومة السورية بأنها تمتلك تجربة في محاربة تنظيم الدولة، وأنها معنية بتولي مسؤولية الأمن على كامل التراب السوري، وبالتالي فإن انضمامها إلى التحالف يصبّ في خانة سحب ورقة محاربة الإرهاب التي تتذرع بها “قسد”، إذ يفضي إلى اعتماد الدولة السورية كشريك للولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم الدولة. وسينعكس ذلك على الوجود العسكري الأميركي في سوريا، وخاصة قاعدة التنف على الحدود الأردنية، وقاعدتي حقلي العمر، وكونيكو في دير الزور.

الأهداف الأميركية

في المقابل، تتمحور أهداف الولايات المتحدة الأساسية من الخطوة فيما يلي:

تعتبر الولايات المتحدة أن انخراط سوريا في الحرب ضد تنظيم الدولة يمكنها من تثبيت مكاسبها ضد التنظيم، وضمان منع عودته كتنظيم يتحكم بالأرض، وتفكيك خلاياه في سوريا، والعراق من أجل إدارة مرحلة ما بعد الحرب.

يمنح الانضمام الشرعية للوجود العسكري الأميركي في سوريا، وكذلك لقوات التحالف وعملياته فيها، حيث يؤثر ذلك على الأصوات الداعية إلى سحب القوات الأميركية منها، خاصة تلك التي ترى عدم وجود أساس قانوني لتواجدها.

ترى الولايات المتحدة أن سوريا جزء أساسي من إستراتيجيتها الهادفة إلى تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، ومنع عودته إلى الساحة السورية.

تريد الإدارة الأميركية التعاطي ببراغماتية مع الوضع الجديد في سوريا، من خلال تحقيق التوازن بين الانخراط السوري في مكافحة الإرهاب، والدفع باتجاه انتقال سياسي يضمن استقرارها.

المماطلة والمآلات

غير أن الإدارة الأميركية ليست في عجلة من أمرها بخصوص إنهاء شراكتها العسكرية مع “قسد”، وهو ما يفسر عدم ممارستها ضغطا كافيا عليها من أجل تنفيذ الاتفاق الذي رعته في 10 مارس/آذار، ووقّع بين الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي، كونها ما تزال تنظر إلى الجيش السوري الجديد على أنه بحاجة إلى مزيد من الاحترافية والنضج، لذلك تُطرح فكرة إنشاء مجموعات مشتركة بين الجيش السوري وقوات من “قسد” للقيام بعمليات مشتركة في إطار التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة.

تستغل قيادات “قسد” النظرة الأميركية للجيش السوري من أجل المماطلة في تنفيذ الاتفاق، فضلا عن أنها لا تريد سحب الامتياز الذي منحه التحالف لها باعتبارها شريكا وحيدا له على الأرض السورية في حربه ضد تنظيم الدولة.

وتحاول توظيف ذلك من أجل تحقيق مكاسب سياسية، لكن هذا التكتيك الذي تتبعه قد يؤدي إلى خسارة إستراتيجية بالنسبة إليها، لأن القرار الأميركي يصبّ في بوتقة دمج “قسد” في الجسد السوري، وضمان وحدة واستقرار سوريا.

تعوّل الإدارة السورية على أنه في حال التوقيع على اتفاق الانضمام خلال زيارة الشرع إلى واشنطن، فإن العلاقة مع التحالف ستنتقل من مجرد التنسيق في مناطق العمليات إلى الشراكة والتعاون، الأمر الذي يصبّ في مصلحة سوريا، ويؤسس للانتقال إلى إبراز أثر الانضمام على أمن الطرق الدولية والبادية.

إضافة إلى أنه يُجسّد شراكة مخصّصة، تحتل فيها سوريا موقع الحليف الرسمي في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، وتجني نتائجه في خطوات اقتصادية وسياسية لاحقة.

لذلك يُنظر إلى زيارة الشرع، التي ستكون الأولى لرئيس سوري إلى واشنطن منذ عقود عديدة، بوصفها تتويجا لمسار سياسي جديد.

قد تعطي نتائج الزيارة الضوء الأخضر لبدء مرحلة استعادة سيادة الدولة السورية، والقطع مع مرحلة استخدامها ساحة لتصفية صراعات وحروب الوكلاء المحليين والإقليميين والدوليين.

والأهم من ذلك هو أن تتويجها بانضمام سوريا إلى التحالف لن يكون مجرد إجراء شكلي؛ كونه يعلن إعادة تشكيل المشهد الأمني والسياسي، ليس في سوريا وحدها، بل وفي المنطقة أيضا.

زر الذهاب إلى الأعلى