واحدية النضال بين “سبتمبر” و “اكتوبر”

كتب/ عارف المليكي

بين الـ 26 من سبتمبر والـ 14 من اكتوبر 20 يوماً في مقياس الزمن، وبين ثورتي “سبتمبر 62″و “اكتوبر 63” عاماً واحدا في مقياس الفعل الثوري، حقيقة اثبتها اليمنييون مسجلين براءة اختراع في التحولات التأريخية والانسانية.

هذه الحقيقة تثبت ان نتيجة الحدثيين الثوريين واحدة، واثبات قيمة المجهول الأول برقم “26 سبتمبر” أدى لإثبات قيمة المجهول الثاني برقم “14 اكتوبر”… حقيقة تأريخية أكدت واحدية النضال واستندت على وحدة النسيج اليمني، وشراكة الوعي النضالي بأهمية التخلص من كابوس الاستبداد الكهنوتي والاستعمار الأجنبي الجاثم على الخريطة اليمنية.

شراكة النضال وواحدية الفعل الثوري

استمد النظام الجمهوري قوته من النفَس المتجدد الذي منحته الجمهورية الوليدة من رحم 26 سبتمبر للنضال المتصاعد ضد الاحتلال في الجنوب، فتحولت المحافظات في شمال اليمن إلى محاضن للحركة الوطنية في جنوب اليمن، حتى اشتعلت ثورة 14 أكتوبر.

يقول علي أحمد السلامي: “إن ثورة 26 سبتمبر 1962م خلقت في عدن وفي كل مناطق الجنوب ظرفاً هيأ ومهد وأوجد مناخاً ممتازاً لقيام ثورة 14 أكتوبر المجيدة ولذلك هب الشعب كله في مقاومة الاحتلال البريطاني بدعم وتأييد من ثوار سبتمبر العظيم”.

فقد احتضنت العاصمة صنعاء مؤتمر القوى الوطنية اليمنية في 24 فبراير 1963، الذي انبثق عنه تشكيل “الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل” على أساس الاعتراف بالثورة المسلحة أسلوباً وحيدا وفعالا لطرد الاحتلال.

وبادرت حكومة صنعاء الى تعيين العديد من المناضلين من أبناء الجنوب في مناصب رسمية رفيعة، فقد عين المناضل “قحطان الشعبي” مستشاراً لرئيس الجمهورية عقب ثورة سبتمبر لشؤون الجنوب، وشارك في تشكيل أول حكومتين متتاليتين بعد الثورة، كما عُين “عبدالحافظ قائد” وكيلاً لوزارة الإعلام، و “عبدالقادر سعيد” مديراً لمكتب الثقافة والإعلام في تعز، و “سالم زين محمد” رئيساً لتحرير صحيفة الجمهورية، إلى جانب الانتشار الواسع للمناضلين في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية.

ولن ينسى الشعب اليمني أن العاصمة صنعاء وتعز وإب والحديدة وفرت ملاذاً آمناً لثوار اكتوبر، ومنها انطلقت جموع الثوار بعد أن صقلت ثورة سبتمبر مواهبهم النضالية، وسيظل في ذاكرة اليمنيين أن شرارة ثورة 14 أكتوبر قدحها المناضل “راجح غالب لبوزة” بعد عودته من المشاركة ورفاقه في ثورة 26 سبتمبر، وهم يحملون الفكر الثوري، وأن المناضل “عبود الشرعبي” من تعز من أوائل شهداء ثورة 14 اكتوبر، للتأكيد على واحدية النضال وشراكة الفعل الثوري.

الإيمان بالكفاح المسلح والعمليات الفدائية التي نفذها أحرار أكتوبر ضد الاحتلال البريطاني، والدعم الشعبي والعسكري الذي قدمه ثوار سبتمبر، عوامل أسهمت في توحيد جهود المناضلين وإحداث هزيمة ساحقة في نفوس قوات الاحتلال البريطاني.

الشراكة بين الاستعمار والاستبداد

بالتوازي مع شراكة الفعل الثوري المتأصلة في نفوس الشعب اليمني، كانت هناك شراكة فعيلة بين المستبد الكهنوتي في شمال اليمن والمستعمر البريطاني في جنوب اليمن المحتل، للقضاء على الفعل الثوري المتنامي والعمل الوطني.

فقد ساند الإمام “احمد حميد الدين” المحتل البريطاني في توجيه ضرباته العسكرية لأبناء الشعب والقبائل الثائرة في جنوب اليمن المحتل، قابله دعم المحتل البريطاني للملكيين في إسقاط الجمهورية الوليدة بعد ثورة 26 سبتمبر، وتحالفه لإعادة الإمام الهارب “البدر” إلى الحكم في صنعاء، لإدراكه بمقدرة الشعب اليمني الحر على التخلص من الاحتلال وطرده من عدن وبقية المحافظات.

لم يتبقى الامر مجرد مساندة فقط بل تشابهت أساليب الكهنوت الإمامية مع المحتل الأجنبي في الاستبداد والظلم والقهر، فالإمامة تصنف الناس على أساس طائفي وسلالي، والمستعمر على أساس طبقي ومناطقي حتى وصل عدد السلطانات الى أكثر من 25 سلطنة، لضمان استمرار بقائهم على حساب النسيج المجتمعي الممزق، خوفاً من وحدة الشعب وحريته.

ومن أساليب التسلط والاستبداد محاربة العلم وتجهيل الشعب، واستنزاف ثرواته، وتقييد حريته واهانة كرامته، واذلاله بالفقر والجوع والمرض والعبودية المطلقة، وتدمير هويته الوطنية ونزع استقلاله وامتهان سيادته، وتكريس ثقافة التشطير وإثارة العنصرية والمناطقية المقيتة.

“الجمهورية” في عقدها الـ 6

واليوم وبعد 6 عقود من عمر “الجمهورية” وحقيقتها المشرقة، وفي ظل عودة الإماميين الجدد “الحوثيون” كأداة للمحتل الإيراني، يتذكر اليمنييون خطر الاحتلال الأجنبي على الهوية اليمنية والسيادة الوطنية، مستلمهمين من نضالات الأحرار في ثورتي “سبتمبر” و “اكتوبر” المجيدتين همهم المشترك في حماية مكتسبات اليمن ومصالحها الكبرى، والحفاظ على مشروع الدولة والنظام الجمهوري وسيادة اليمن واستقلالها.

6 عقود من عمر الجمهورية وثقت لنا صورة نضالية لدور العاصمة “صنعاء” و “تعز” في تحرير “عدن” من المحتل البريطاني، كافية ليجعل اليمنييون من العاصمة المؤقتة “عدن” اليوم منطلقاً لاستعادة صنعاء من المحتل الإيراني، واسقاط الانقلاب، والحفاظ على مشروع الجمهورية، وحماية الهوية اليمنية من التجريف، والسيادة الوطنية من الارتهان والعمالة لإيران.

Exit mobile version