تقارير

“أطفال في الخنادق”.. بين الجبهات والمقابر

تقرير خاص

في شمال اليمن، حيث تمتزج رائحة البارود بصوت الطفولة المقهورة، تتواصل مأساة لا تعرف التوقف. فبينما يستعد أطفال العالم للعودة إلى مدارسهم في أكتوبر، يُساق آلاف الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين إلى معسكرات تدريب سرية بدلاً من الصفوف الدراسية. مشهد بات يتكرر كل عام، حيث تتحول المدارس والمساجد إلى منصات تعبئة، والخطب الدينية إلى أدوات غسل أدمغة. تقول أم لطفل من صعدة: “خرج ابني مع مشرف الحي قبل أسبوع، قالوا إنه في دورة ثقافية، لكنه لم يعد.. علمت بعدها أنه أُرسل إلى الجبهة في حرض.”

ثكنات
منذ مطلع سبتمبر وحتى منتصف أكتوبر 2025، رصدت منظمات حقوقية محلية ودولية تصاعدًا مقلقًا في عمليات التجنيد التي تستهدف الأطفال في محافظات صعدة والحديدة وحجة. تؤكد مصادر تعليمية أن الحوثيين استغلوا فترة ما قبل العام الدراسي لإقامة “دورات ثقافية” يجبر الطلاب على حضورها، قبل أن يُنقل العشرات منهم إلى معسكرات مغلقة.
وفي تصريح خاص، يقول أحد المعلمين النازحين من صعدة: لموقع الوعل اليمنيلم يعد التعليم أولوية. يتم استدعاء الطلاب من الصفوف، ويوجّهون إلى ما يسمونه الجهاد ضد العدوان. من يرفض، يُعاقب والده أو يُقطع راتبه “الوجع الأكبر تعيشه الأمهات. في مخيم للنازحين في عبس بمحافظة حجة، جلست “أم فواز” تبكي وهي تُري صورة ابنها البالغ 13 عاماً: قالوا لي نرسلهم يتعلموا القرآن، وبعد أسبوع جابوا لي جثمانه ملفوفاً بعلم الجماعة.”
قصص مشابهة تتكرر في تهامة وصعدة، حيث يُستغل الفقر والعوز لإقناع الأسر بإرسال أبنائها مقابل وعود مالية أو مواد غذائية. تقول ناشطة حقوقية من الحديدة: بعض الأسر تسلم أبناءها مجبرة، خوفاً من الانتقام أو بدافع الحاجة. إنها تجارة بالبشر بأبشع صورها.”

شهادات وتقارير
أحدث تقرير صادر عن منظمة “سام” للحقوق والحريات (أكتوبر 2025)، وثّق أكثر من 320 حالة تجنيد لأطفال تتراوح أعمارهم بين 11 و16 عاماً في محافظتي صعدة والحديدة خلال الشهرين الماضيين فقط.كما كشف تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة أن جماعة الحوثي تواصل إدارة منظومة تجنيد ممنهجة، تشمل تدريب الأطفال على حمل السلاح واستخدامهم كحراس نقاط تفتيش أو في الخطوط الأمامية.وأكد التقرير أن بعض الأطفال جرى إرسالهم إلى جبهات القتال بعد أيام فقط من تجنيدهم، في انتهاك صارخ لاتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختياري بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة

تحت الستار
تعتمد الجماعة على وسائل مختلفة لاستقطاب الأطفال. تبدأ العملية بخطب في المساجد تحرض على “الجهاد”، ثم تُنظم دورات مغلقة يُدرّس فيها فكر الجماعة. بعدها، يتم إرسال الأطفال إلى معسكرات تدريب سرية في صعدة ومحيط الحديدة.يقول ناشط حقوقي يعمل في منظمة محلية: لموقع الوعل اليمنيفي بعض القرى، يدخل المشرفون الحوثيون البيوت مباشرة، يطلبون أسماء الأطفال من الأسر، ولا أحد يجرؤ على الرفض.”
كما يتم استغلال المساعدات الإنسانية كورقة ضغط على الأسر الفقيرة؛ حيث يُمنح المتعاونون حصص غذائية مضاعفة، بينما يُحرم المعارضون منها.

رغم التقارير المتكررة، ما يزال رد الفعل الدولي ضعيفًا. تقول الباحثة الحقوقية اليمنية إلهام كريم: “الأمم المتحدة تكتفي بالإدانة اللفظية. بينما الحوثيون يواصلون تجنيد الأطفال علنًا دون أي محاسبة.”وتشير إلى أن “تأخر العدالة الدولية يمنح الميليشيا شعورًا بالإفلات من العقاب، ما يجعل هذه الانتهاكات تتضاعف كل عام.”

تستمر الحرب في سرقة طفولة اليمن، لكن جريمة تجنيد الأطفال تبقى الأكثر فظاعة. هؤلاء الصغار الذين حُرموا من حق التعليم والأمان يُعاد تشكيل وعيهم ليحملوا السلاح بدلاً من القلم. في بلدٍ أنهكته الحروب، يُعاد إنتاج جيل جديد لا يعرف سوى لغة الدم.
تقول أم فقدت ولديها في جبهتين مختلفتين:  لموقع الوعل اليمني: “لم يعد لي بيت ولا أولاد، فقط قبور صغيرة في أرض لا ترحم.”تظل هذه الأصوات شاهدة على جريمة مستمرة، في انتظار أن يسمعها العالم، ويعيد للطفولة حقها المسلوب.

زر الذهاب إلى الأعلى