أعلنت الولايات المتحدة، الجمعة، إلغاء مكافأة قدرها 10 ملايين دولار رصدتها سابقا ضمن مساعيها للقبض على زعيم “هيئة تحرير الشام” أحمد الشرع المعروف بـ”أبو محمد الجولاني”.
أفادت بذلك باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، في تصريحات صحفية عقب اجتماعها مع مسؤولين بالهيئة، بالعاصمة السورية دمشق، وفق مراسل الأناضول.
وحذف موقع “برنامج المكافأة من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأميركية، الإعلان المخصص بمنح مبلغ 10 ملايين دولار مقابل الإدلاء بمعلومات عن الشرع، وذلك بالتزامن مع إبلاغ الوفد الأميركي لزعيم “هيئة تحرير الشام” والذي يقود العمليات العسكرية في سوريا حالياً، أن واشنطن تعتزم إلغاء المكافأة.
وقالت ليف: “أخبرته (الشرع) أننا لن نواصل تقديم المكافأة المرصودة منذ سنوات ضمن برنامج مكافآت من أجل العدالة”، في إشارة إلى رصد واشنطن سابقا 10 ملايين دولار ضمن مساعيها للقبض عليه.
وحتى 27 نوفمبر الفائت، كان الشرع المعروف باسم “أبو محمد الجولاني” مجرد زعيم جماعة متشددة مصنفة “إرهابية”، تُسيطر على أجزاء من شمالي سوريا، إلا أنه بعد إعلان سقوط النظام السابق في 8 ديسمبر الجاري، أصبح القائد الفعلي للبلاد، ومحط أنظار العالم ووسائل الإعلام، وفي الأيام الماضية التقى مع العديد من الوفود الأوروبية في العاصمة دمشق.
ورغم أن ما قالته الدبلوماسية الأميركية هو عزم واشنطن إلغاء المكافأة التي تعرض 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن الجولاني، إلا أنها لم تتحدث عن إزالة اسمه أو “هيئة تحرير الشام” التي يتزعمها من “قوائم الإرهاب”، وهو تصنيف لطالما قال الشرع إنه “سياسي” و”غير عادل”، مطالباً الإدارة الأميركية بإلغائه.
ووفق الموقع الرسمي لبرنامج “مكافأت من أجل العدالة” التابع للخارجية الأميركية، فقد تم حذف الصفحة المخصصة لـ”الجولاني”، مع أنها كانت موجودة حتى أيام قليلة قضت، ويتزامن هذا مع تصريحات ليف بشأن إلغاء المكافأة التي رصدت منذ سنوات لاعتقاله.
إلا أن النشرة الخاصة بالمكافأة، لم تُحذف من كافة المواقع الرسمية الأميركية، إذ لا تزال مثلاً موجودة على موقع مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، والتي صدرت عام 2017 بالاشتراك مع وزارة العدل الأميركية، وتقول بوضوح إن مكتب التحقيقات يسعى إلى الحصول على معلومات عن قیادة “جبھة النصرة”، وهو الاسم السابق لـ”هيئة تحرير الشام”، بما في ذلك معلومات عن زعيمها “أبو محمد الجولاني”، ويُعلن البيان الذي يتضمن صورة للشرع وهو يرتدي عمامة ومعطفاً عسكرياً، عن تخصيص برنامج المكافأة من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأميركية عن مبلغ 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى التعرف على “الجولاني”.
ومنذ بدء عملية ردع العدوان التي قادها الشرع ضد نظام بشار الأسد أواخر الشهر الفائت، ما أدى إلى سيطرة المعارضة السورية على دمشق وإسقاط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الحالي، انتقل القائد العام للإدارة السورية الجديدة من استخدام اسم مستعار “أبو محمد الجولاني” إلى اسمه الحقيقي أحمد الشرع، فضلاً عن تبنيه خطاباً تصالحياً تجاه جميع مكونات الشعب السوري بما في ذلك الأقليات.
وبالبحث عن هيئة تحرير الشام، فيصفها الموقع بأنها إحدى الجماعات التابعة لـ”تنظيم القاعدة”، إذ يقول: “تشكلت هيئة تحرير الشام عام 2017 من اندماج تم بين جبهة النصرة وعدة مجموعات أخرى. تسيطر هيئة تحرير الشام على جزء من الأراضي في شمال غرب سورية بهدف إطاحة نظام الأسد في سورية واستبداله بدولة إسلامية سنية لتعزيز أجندتها الخاصة واحدةً من الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في سورية. وقد احتجزت هيئة تحرير الشام العديد من المواطنين الأميركيين رهائنَ منذ تأسيسها. تعتبر الهيئة جماعة متطرفة منفصلة عن المعارضة السورية، وهي تؤثر بشكل متفاوت على الحكم المحلي والتآمر الخارجي”.
وتتحدث النشرة عن سيرة الجماعة باعتبارها “منظمة إرهابية”، وارتباطها بتنظيم “القاعدة”.
وفي الآونة الأخيرة أصبحت قضية المكافأة المخصصة لاعتقال الشرع محط تساؤلات واستغراب وأحياناً سخرية في ظل وجوده العلني في العاصمة السورية دمشق، واستقباله للوفود المحلية والخارجية بشكل يومي، فضلاً عن اللقاءات مع مختلف وسائل الإعلام العربية والأجنبية.
وخلال وقت سابق، الثلاثاء الماضي، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، رداً على سؤال بشأن المكافأة التي أعلنتها الولايات المتحدة بقيمة 10 ملايين دولار لمن يدلي بأي معلومات عن الشرع، الذي تصنفه واشنطن “إرهابياً عالمياً”، بالقول إنها “لا تزال قائمة”.
وأضاف ميلر في الإحاطة اليومية: “لا يمكن لأي موظف بالحكومة الأميركية التقدم للحصول على تلك المكافأة”.
ولم تُقدم مساعدة وزير الخارجية الأميركي باربرا ليف، تفاصيل إضافية بخصوص إلغاء مكافأة اعتقال الشرع، لكنها أشارت إلى أن النقاش الذي أجرته “كان له طبيعته الدبلوماسية، وأود فقط أن أقول إنه بطبيعة الحال لا نناقش المداولات بشأن العقوبات”.
وفي ديسمبر 2012، صنفت الخارجية الأميركية “جبهة النصرة” كمنظمة “إرهابية”. وفي مايو 2013، تم تصنيف “أبو محمد الجولاني”، على أنه “إرهابي عالمي مُصنَّف بشكل خاص”، وأعلنت الولايات المتحدة حجز ممتلكاته الخاضعة لنطاق سلطتها، ومنع أي مواطن أميركي من التعامل معه.
وفي العام نفسه أدرجت لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، “الجولاني” في قائمة “الإرهابيين المحظورين” وجعلته موضع تجميد دولي، ومنع من السفر، وحظر الأسلحة.
واستشهدت العقوبات الأميركية بـ”الرؤية الطائفية العنيفة” للتنظيم، وقالت إن “الهدف النهائي له هو الإطاحة بالنظام السوري واستبداله بدولة إسلامية لتعزيز أجندتها الخاصة كواحدة من الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا”، مضيفة أن الهجمات الانتحارية التي نفذتها مجموعته “قتلت مدنيين سوريين أبرياء”.
وفي السنوات الأخيرة مرّت “هيئة تحرير الشام” وزعيمها بمجموعة من التحولات، وباتوا يقدمون أنفسهم كفصيل سوري لا ينتمي لأي تنظيمات خارجية، وفي أكثر من لقاء أكد أحمد الشرع، الذي بدأ حديثاً استخدام اسمه الحقيقي، أن الجماعة لم تعد تحمل رؤية متشددة، وتؤمن بالتعايش بين مختلف مكونات الشعب السوري.