Blogثقافة وفكر
أخر الأخبار

أهمية أدب الأطفال في تكوين الثقافة الطفلية

نجاح حلاس

يعد أدب الأطفال مصدراً هاماً من مصادر ثقافة الطفل لأنه يساهم في تكوين الوعي المعرفي عنده عن طريق القراءات المتتالية لمختلف الأجناس الأدبية

، إلا أن هذا الأدب يحتاج إلى كتاب وأدباء يضعون جل اهتمامهم في خدمة الأدب الموجه للأطفال وينصرفون إليه كلية لأن قصة الطفل تختلف عن قصة الكبير وكذلك المسرح والشعر لاختلاف طبيعة الأدبين واختلاف المتلقي . فالأديب الذي يكتب للكبار يكون على معرفة جيدة بقارئه وإن كانت هذه المعرفة أحياناً يكتنفها بعض الغموض .. أما من يكتب للصغار فإن عليه أن يتغلغل في نفسية الطفل ويحللها ويعرف ردود أفعاله تجاه ما يوجه إليه .. فالطفل له عالمه ومعجمه اللغوي الذي يتناسب مع تفكيره ووعيه وإدراكه وهذا يعني أن على الأديب أن يعرف عالم الطفل بدقة ليتمكن من تقديم إنتاجه الأدبي إليه بحيث يلقى التقبل والإقبال عليه .والكتابة للطفل ليست – كما يخطئ الكثيرون – سهلة بل هي أصعب من الكتابة للكبار لأن عالم الطفل يحتاج إلى كاتب ومحلل نفسي في الوقت ذاته ليتمكن من الولوج فيه وتقديم ما هو مقنع .‏

والحقيقة أن أدب الأطفال يكاد يكون مفقوداً في تراثنا القديم بل حري بنا أن نقول أنه غائب تماماً ولم يتم الالتفات إلى هذا الأدب ترجمة وتأليفاً إلا مع بداية عصر النهضة ، ولم تتضح ملامحه وهويته قبل ثلاثينيات القرن العشرين .. كذلك فإن الأدب الأوروبي أيضاً خلا من أدب الأطفال لأنه كان يجهل شيئاً اسمه الطفل فمن لا يعرف عالم الطفل لا يستطيع أن يكتب عن هذا العالم بحاجاته ورغباته وأحلامه وأمنياته ومراحل نموه لغوياً واجتماعياً وسط بيئة يعيش فيها .‏

لذلك نقول : إن أدب الأطفال جديد سواء في المجتمع الغربي أو في المجتمع العربي ويعد انتشار التعليم من أبرز العوامل التي ساهمت في نشوء أدب الأطفال في التراث العربي الحديث . وقد برز الطفل في الساحة الثقافية من خلال التعليم . و بدأ المربون يسدون الثغرة القائمة ما بين التعليم المدرسي والحاجة الملحة إليه وما بين تطور أدب الطفل بالكتابة إلى الطفل سواء في سورية ومصر وفلسطين أو غيرها فكانوا رواداً حقيقيين في هذا المجال نذكر منهم رضا صافي ، ونصرت سعيد، وعبد الكريم الحيدري وفي مصر رفاعة الطهطاوي وعلي فكري …إلخ وهؤلاء بحكم عمل معظمهم في الحقل التربوي استطاعوا أن يلبوا حاجات الطفل شعراً ونثراً .‏

كما كانت الترجمة عاملاً من عوامل ظهور أدب الأطفال في التراث العربي الحديث إذ يستحق رفاعة الطهطاوي نيل وسام التقدير لأنه عجل بظهور أدب الأطفال من خلال عمله في حقل الترجمة إلى اللغة العربية إذ قام بترجمة قصصاً عن اللغة الإنكليزية بعنوان ” حكايات الأطفال “. وكان عمله هذا بادرة طيبة في مجال أدب الطفل المترجم .‏

وتعد القصة ، والأدب بشكل عام أكثر تأثيراً في الطفل من المدرسة لأنه يقبل على قراء تهادون إكراه في حين تفرض المدرسة عليه ضوابط وقيوداً لا يطيقها لكنه يرضخ لها بفعل الواجب المدرسي ..‏

ويلاحظ المربون والأدباء من خلال تواصلهم مع الطفل إقباله على قراءة القصة ومحاولته تقمص شخصياتها لأن القصة بمكوناتها تلقى استجابة لحاجات الطفل كما أنها تغذي خياله … وقد وجد الأدباء والمربون في علم نفس الطفل تفسيراً لهذه الظاهرة فالقصة الطفلية بتراتبها الزفتي واستخدام عنصر التشويق واستخدام عنصر المفاجأة كل ذلك يشد الطفل إلى عالم القصة وهذا يرجع إلى مقدرة الكاتب وتمكنه ومعرفته لحاجات الطفل الأساسية .‏

ولو أردنا أن نعرف قصة الطفل نقول : إنها جنس أدبي نثري يوجه إلى الطفل ويكون ملائماً لعالمه ويضم حكاية مشوقة لها موضوع محدد ولغتها مستمدة من المعجم الطفلي وتطرح قيمة من القيم وتركز عليها .‏

أما مسرح الطفل فإنه جذاب للطفل فبوساطته يعبرون عن مشاعرهم وأفكارهم ويشبعون حاجاتهم إلى الحركة والإيماء والتقليد والمسرحية سواء كانت شعراً أم نثراً أم مزيجاً بينهما فإنها تحقق متعة خاصة للطفل لذلك فإن المدرسة يجب أن تكون المنطلق الأول لبناء نهضة مسرحية عامة فمن المدرسة يخرج الممثل المسرحي ، والكاتب المسرحي ، والمخرج والفني …إلخ‏

وللمسرح وظيفة لغوية تدرب لسان الطفل على التعبير السليم ، ووظيفة تربوية تهذب النفوس وتربي الوجدان وتصقل العاطفة وتكسب المهارة ، ووظيفة اجتماعية بحيث تضفي المسرحية على الأطفال جواً من الفرح والسرور وتنسيهم رتابة الحياة اليومية وتبعدهم عن الملل والضجر وتعود الطفل الممثل على المسرح على المواجهة … مواجهة الجماهير دون أي تردد أو خوف .‏

لذلك فإن المسرح الطفلي الذي يندرج ضمن أدب الأطفال له وظيفة هامة والعناية بالكتابة المسرحية لها مرتكزات أساسية يجب أن تتحقق ليكون المسرح خادماً للطفل ويحقق الهدف المنشود أما شعر الأطفال فيجب أن يكون مشتملاً على البساطة والموسيقى والصور والمراد بالبساطة سهولة الألفاظ والتراكيب والمعاني أما الصور فيجب أن تكون مدركة بإحدى حواس الطفل ، والموسيقى يجب أن تقترن بالغناء فالإيقاع شيء لصيق بالطفل لذلك كان الشعر المقفى الموزون أفضل من الشعر الذي يعتمد على التفعيلات وهكذا نجد أن العناية بثقافة الطفل من قبل المهتمين تحتاج إلى كتّاب وأدباء يفهمون عالم الطفل ويعيشونه بكل تفاصيله ليستطيعوا تقديم مادة مقنعة دائماً هي من تلقى القبول من الطرف الآخر “المتلقي”.‏

المصدر : ثقافة الطفل العربي – دراسة – سمر روحي الفيصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى