تعيش محافظة أبين، حالة من التوتر الأمني المتصاعد والصراع بين الفصائل المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، إلى جانب نافذين في السلطة المحلية، على خلفية الجبايات المفروضة في الأسواق والطرقات، في ظل تردي الخدمات العامة وانعدام الرقابة الرسمية.
وتجري عمليات الجبايات عبر سندات من قبل فصائل الحزام والأمني والتشكيلات المسلحة، وسط تنافس محموم على جني الإيرادات غير القانونية، التي يتم تقاسمها بين الفصائل والنافذين.
وتؤكد التقارير أن الإيرادات المحصّلة من الجبايات غير القانونية تُقدّر بمئات الملايين شهريا، تُجمع من الطرقات والموانئ والأسواق، دون رقابة مالية أو محاسبة، في وقت يواجه فيه السكان ظروفًا معيشية صعبة.
خلافات بين فصائل الإنتقالي
رغم تقاسم الجبايات، تشهد المحافظة صدامات من حين لآخر، بين فصائل المجلس الانتقالي الجنوبي المسلحة على خلفية التنافس على الإيرادات.
ففي مايو الماضي، نشب توتر بين قائد الحزام الأمني في زنجبار، عبد سند المرقشي، ومحافظ أبين اللواء الركن أبوبكر حسين سالم، بعد مطالبة الأول بمبلغ 30 مليون ريال كمخصصات لقواته، إلا أن المحافظ رفض وقال إنه ليس بحوزته، وفقا لمصادر مطلعة لـ”يمن شباب نت”.
لاحقا، قدم المرقشي استقالته احتجاجا على أحداث متراكمة بما في ذلك شعوره بالتمييز من قبل قيادة الانتقالي، ليصدر قائد الأحزمة الأمنية محسن الوالي قرارا بتعيين بديل له.
وأمس الاثنين، تجدد التوتر بين فصائل الحزام الأمني على خلفية تمرد القيادي عبد السند المرقشي، الذي تراجع عن الاستقالة ورفض قرار تغييره.
وقالت مصادر محلية لـ”يمن شباب نت”، إن عبد سند المرقشي، قائد الحزام الأمني في زنجبار، رفض قرار تغييره الصادر من قيادة الأحزمة الأمنية، وقام بحشد قواته والتمركز داخل أحد المعسكرات، في خطوة تصعيدية أعقبت وصول قائد حزام أبين، حيدرة السيد، على رأس قوة لتنفيذ قرار الإقالة.
وخلال الأيام الماضية، شهدت أبين اشتباكات مسلحة بين الفصائل ذاتها، على خلفية الصراع حول الجبايات والإيرادات التي تُجمع، في ظل غياب لدور السلطة المحلية وعدم تدخلها لفرض الانضباط أو توحيد القرار الأمني.
جبايات ضخمة
وتنتشر نقاط أمنية تابعة للانتقالي على طول الخط الدولي الرابط بين عدن والمحافظات الشرقية، وتفرض جبايات ضخمة تصل إلى مليوني ريال على القاطرات، ومئات الآلاف على الشاحنات.
وتمر عبر محافظة أبين، مقطورات المشتقات النفطية أبرزها مقطورات الغاز والوقود القادمة من محافظة مارب المتجهة إلى عدن والمحافظات المجاورة بما في ذلك المتجهة إلى مدينة تعز.
ووفقًا لمصادر محلية، تُفرض هذه الجبايات تحت مسميات مثل “رسوم تحسين” أو “دعم الجبهات”، دون أي إطار قانوني، ما أثار استياء المواطنين، خاصة سائقي النقل الثقيل الذين يُجبرون على دفع رسوم متكررة في أكثر من نقطة على امتداد الطريق الدولي من شبوة وأبين حتى عدن ولحج.
وفي أواخر يونيو، احتجزت نقطة حسان، التابعة للحزام الأمني، أكثر من 50 قاطرة محملة بالمشتقات النفطية القادمة من مأرب، بهدف فرض مبلغ 200 ألف ريال كجباية جديدة على كل قاطرة، قبل أن يتم الإفراج عنها في 29 يونيو بعد تدخل لجنة أرسلها عضو المجلس الرئاسي عبد الرحمن المحرمي.
وفي مطلع مايو الماضي، أقدمت نقطة أمنية شرقي زنجبار على احتجاز خمس شاحنات تحمل معدات لمشروع سد حسان الاستراتيجي.
ورغم أنه الشاحنات تحمل معدات مشروع تنموي في دلتا أبين، رفض أفراد النقطة السماح لها بالعبور دون دفع مبالغ مالية غير قانونية، واحتُجزت الشاحنات قبل أن يفرج عنها لاحقا.
سبق ان وجه قائد ألوية العمالقة، عبد الرحمن المحرمي، في أكتوبر 2024، برفع الجبايات غير القانونية المنتشرة على مداخل المحافظات المحررة، إلا أنه لا جدوى من القرار.
عائدات أبين وغياب دور السلطة
ما يحدث في أبين ليس مجرد خلاف على الجبايات، بل يؤكد حال السلطة المحلية الشرعية الغائبة، الأمر الذي سمح بتمدد المليشيات على حساب مؤسسات الدولة كما هي غالبية المحافظات التي ينتشر فيها الفساد.
يشار إلى أن الإيرادات المحصّلة من الجبايات غير القانونية تقدر بعشرات الملايين يوميا، تجمع من الطرقات والأسواق، دون رقابة مالية أو محاسبة، في وقت يواجه فيه السكان ظروفًا معيشية صعبة.
وتؤكد مصادر مطلعة أن الأموال المحصّلة لا تُورد إلى خزينة الدولة، بل يتم تقاسمها بين الشخصيات النافذة والتشكيلات المسلحة، بينما يعاني المواطنين من تدهور حاد في الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الكهرباء والمياه والتعليم.
ويطالب المواطنون بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والتشكيلات المسلحة تحت إطار مؤسسات الدولة، وضمان التزامها بالقانون، ووضع نقاط رسمية لتحصيل الإيرادات وتحويلها إلى حسابات الحكومة.
وأمام هذا الواقع وتردي الخدمات، أعلنت هيئة رئاسة مجلس النواب، برئاسة سلطان البركاني، تشكيل لجان برلمانية للنزول الميداني إلى عدد من المحافظات، من بينها أبين، لتقييم أداء السلطات المحلية، ورصد التجاوزات الإدارية والمالية.
وأكدت الهيئة أن هذه الخطوة تأتي في إطار تفعيل الدور الرقابي للبرلمان وتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة، في ظل تنامي الشكاوى من فساد مالي وإداري وتغول الفصائل المسلحة على موارد الدولة.
إلا أن خطوة البرلمان، قوبلت برفض شديد من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث أصدرت قيادات المجلس في المحافظات الخاضعة لسيطرته، بما فيها أبين، بيانات ترفض اللجان.
وقال المجلس الانتقالي في أبين في بيان أصدره الجمعة الماضية، إنه تابع “باستغراب” قرار مجلس النواب الذي وصفه بـ”المنتهي الصلاحية والمجرد من الشرعية”، معتبرًا الخطوة “استفزازية وتدخلاً سافرًا في الشأن الجنوبي”.
ورأى البيان أن البرلمان لا يمتلك أي صفة قانونية أو أخلاقية للرقابة، خاصة وأن أعضائه يقيمون في الخارج ويتقاضون مخصصات بالدولار، بينما يعاني الشعب في الداخل.
واتهم البيان البرلمان بمحاولة زعزعة الأمن في الجنوب، وطالبه بتوجيه جهوده نحو استعادة المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية بدلاً من “محاولة التدخل في شؤون الجنوب”.
يمن شباب