آلاف الدراسات والأبحاث والمقالات تمت كتابتها عما يسمى “العبقرية اليهودية” وهي تريد أن تكرس تفوق اليهود، على مستويات مختلفة، تاريخيا، بما يرتبط بسمات جنس محدد فوق البشرية كلها.
هذه العبقرية يراد تعزيزها، من خلال أي تجارب أو نماذج فردية أو جماعية لليهود في دول مختلفة في العالم، ترتبط بعقدة التفوق، أي تفوق الجنس ونظرته إلى بقية الأجناس، وهذا يستند أساسا إلى مبدأ توراتي أي “الشعب المختار، وساهمت العزلة اليهودية في دول العالم، بتعزيز هذه النظرة إلى الذات في سياقات حماية الفرد والمجموع.
إسرائيل الدليل الحي على عدم صدقية نظرية العبقرية اليهودية، وهذا الكلام يقال لمن يصدقون أساسا هكذا ترهات تجعل عرقا أو شعبا أو دينا أو مجموعة فوق بقية البشر، والدليل على أن هذه النظرية مصنوعة في سياقات تعظيم شخصية الإسرائيلي هذا الزمن، إنها تتعامى عن كل محطات الفشل في المشروع الإسرائيلي الحالي، من ضربة السابع من أكتوبر من قطاع غزة، وفي تجارب عسكرية مختلفة، وذلك الفشل الجذري في شرعنة وجود إسرائيل بين ملياري عربي ومسلم، بحيث بقيت كيانا منبوذا لا تخدمه قوته العسكرية، ولا تؤّمن له معاهدات السلام أي ديمومة أساسا، ولا ساعدته كل جهوده العسكرية في الاستقرار ليوم واحد فقط في فلسطين.
الشخصية التي تقوم على فكرة “العبقرية اليهودية” ومبدأ “الشعب المختار” شخصية تصدم بواقع ينفي ذلك، ليكون السؤال اليوم متعلقا بدور الإستراتيجيين الإسرائيليين في الجامعات والمراكز الأكاديمية، والجهات السياسية، ومفكري الاحتلال الأكاديميين والمحللين الأمنيين وغيرهم، في تحليل كلفة الاحتلال على أصحابه أولا، وإذا ما كان كل المشروع الإسرائيلي سوف يستمر حقا، أمام الجبروت الفلسطيني في وجهه، وعداء جوار فلسطين لإسرائيل، وتمركز الكتلة الفلسطينية الضخمة داخل فلسطين ذاتها، وحولها، وما تشهده فلسطين من حرب متواصلة على مدى أكثر من 75 سنة، فشلت فيها إسرائيل في إنهاء الفلسطينيين، الذي يأتي أحفادهم المهاجرون من الجيل الثاني والثالث والرابع من أميركا الجنوبية ويتحدثون بلسان إسباني، لزيارة فلسطين للبحث عن حجارة بيوت أجدادهم.
بكل الحسابات بعيدا عن صناعة الصورة المؤلمة للضحية الفلسطينية، فإن إسرائيل دخلت مرحلتها الأخيرة، مرحلة التفكيك والإنهاء، سواء بوجود عوامل دولية داعمة، كليا أو جزئيا، أو بغياب هذه العوامل، وبوجود قوة متسلطة كليا أو جزئيا على الفلسطينيين، أو بغياب هذه القوة، وبترسيم الحرب داخل فلسطين وحدها، أو بمد مساحاتها إلى كل مكان بشكل غير متوقع في هذه المنطقة، خصوصا، أن ترسيم مساحات الحرب وحدودها، قد لا يبقى تحت السيطرة في مرحلة ما، وستخرج الأمور عن السيطرة كما حدث في تجارب لحروب كبرى. هذه الفوقية لم تضع في حساباتها أن احتمالات الاستمرار، تتراجع يوما بعد يوم، فالجيش الأسطورة يتورط في طين غزة منذ 3 أشهر، ولا يتمكن من وقف إطلاق الصواريخ، بل ويجاهر بأنه بحاجة إلى شهور إضافية، فيما تتضرر كل قطاعات الاحتلال، وعدا قلة إسرائيلية حللت بجرأة وخرجت لتقول إن نهايات إسرائيل قريبة ولن تستمر، إلا أن غالبية الإسرائيليين ما زالوا أسارى أوهامهم الموروثة، ولا يصدقون هذه التحليلات، على الرغم من أن الرياضيات السياسية، تثبتها بكل بساطة، تلك الرياضيات التي يتم توظفيها في حسابات نهضة أي طرف، وزواله لاحقا، وهي تخضع لقواعد تثبت صحتها دوما على مدى التاريخ.
استمرت الحرب أو توقفت غدا، فإن الأهم النتيجة المؤكدة تقول إن إسرائيل بكل اتكائها إلى الأوهام التي صاغت الشخصية الإسرائيلية، لم تعد إسرائيل التي كانت قبل 7 أكتوبر، بما ينسف كل النظريات التي تغذي الاحتلال من “العبقرية” إلى “الشعب المختار”.
-ماهر أبو طير – الغد