مالك نبيل
بينما يستمر إغلاق جسر الملك حسين، “معبر الكرامة”، الواصل بين الأراضي الفلسطينية والأردنية، أمام حركة المسافرين المغادرين والقادمين والشحن، تبرز أزمة جديدة على الساحة الاقتصادية الفلسطينية، مرتبطة بتعطّل استيراد البضائع وتصديرها إلى الخارج، وما لذلك من انعكاسات على أسعار البضائع المستوردة بشكل أساسي من الأردن، عدا عن تبعات اقتصادية أخرى على المدى القصير محليًا.
وفي أعقاب عملية إطلاق نار قتل إثرها ثلاثة رجال أمن إسرائيليين، أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي معبر الكرامة، أو معبر “اللنبي” وفق التسمية الإسرائيلية، حتى أعلنت مساء أمس أن المعبر سيكون مفتوحًا أمام حركة المسافرين، ومغلقًا أمام الحركة التجارية للشاحنات والبضائع، فيما أعلنت مديرية الأمن العام الأردنية صباح أمس الاثنين، عن إغلاق المعبر “حتى إشعار آخر”، وهو ما أعلنته الإدارة العامة للمعابر والحدود الفلسطينية.
حالة تخبط
غير أن حالة التخبط في قرار فتح أو إغلاق المعبر من شأنها أن تؤدي إلى أضرار مباشرة على الجانب الاقتصادي الفلسطيني في نواحٍ عدّة، لأن معبر الكرامة هو الخطّ التجاري الوحيد الذي يصدّر من خلاله التاجر الفلسطيني بضاعته إلى الأردن، وبالتالي فإن تعطّله وتوقفه عن العمل ينعكسان على حالة التضخم في البضائع المصدّرة.
ومن جانب آخر، تطاول الأضرار الاقتصادية المواد الغذائية والخضروات والفواكه المكدسة في المعبر دون السماح بتصديرها من الأردن، ما قد يؤدي إلى تلفها، وخسارة المستورد الفلسطيني ماليًا، كما سيؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار على المستهلك، كما يقول الباحث الاقتصادي، ثابت أبو الروس خلال حديثه مع “العربي الجديد”.
وإذا ما استمرت حالة الإغلاق لحركة المعبر، فإن الخسائر بشكل غير مباشر من شأنها أن تطاول قطاعات أخرى بحسب الباحث الاقتصادي، الذي يوضح أن شريحة واسعة من قطاع النقل والمواصلات تعتمد على حركة المركبات إذ ما لا يقل عن 100 مركبة تعمل على خطّ الجسر من المحافظات الفلسطينية في الضفة الغربية، وإن تعطّلت هذه الحركة سينعكس ذلك على الجانب الاقتصادي لأصحاب المركبات، وعلى اقتصاد محافظة أريحا التي تعتمد على حركة المغادرين والقادمين من الخارج.
توقف مئات الشاحنات
يقول مسؤول قطاع النقل التجاري في الضفة الغربية، عادل عمرو، خلال حديث مع “العربي الجديد” إن حجم التبادل في الشاحنات التجارية بشكل يومي بين الأردن وفلسطين لا يقل عن 400 شاحنة بين تصدير واستيراد، ويصل أحيانًا إلى نحو 700 شاحنة، وتعطّل هذه الشاحنات ينعكس على الدخل الاقتصادي للعاملين في هذا القطاع، إذ تعتبر طبيعة عملهم قائمة على مبدأ “اليومية من حيث الدخل المادي” وحال تعطلهم عن العمل، ينعكس ذلك على دخل مئات السائقين والعاملين في الشاحنات التجارية.
ويوضح عمرو أن قطاع النقل التجاري مقسّم للعمل إما على المعبر مع الجانب الأردني عبر “معبر الكرامة” أو المعابر مع الجانب الإسرائيلي في “معبر ترقوميا، والجلمة، والظاهرية المعروف بـ ميتار”، لذا فإن تعطّل العاملين على المعبر مع الأردن لا يمكن استيعابهم للعمل على المعابر مع الجانب الإسرائيلي، نظرًا لكفاية عدد العاملين، أو طبيعة العمل المختلفة من معبر لآخر.
وتابع: يأتي ذلك بالإضافة إلى أن كميات البضائع التي كان مقرراً أن تصل خلال اليومين الماضيين ما زالت عالقة في الأردن ويتم دفع “رسوم أرضية” عليها خلال وجودها في المستودعات العامة، وذلك ينعكس على التاجر الفلسطيني. وتحدث أمين سر الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين، نصر عطياني، عن القيود الإسرائيلية على الحركة التجارية الفلسطينية الخارجية، مشيرا إلى تاريخ التاسع والعشرين من إبريل/ نيسان من عام 1994 حين وقعت اتفاقية بروتوكول باريس بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.
ويلفت عطياني في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “الاتفاقية حددت السيطرة الإسرائيلية على المعابر، وقيّدت عدد السلع المستوردة من الأردن بنحو 300 سلعة، ومنذ توقيع الاتفاقية حتى اليوم لم يسمح بزيادتها رغم الحاجة الملحّة اقتصاديًا فلسطينيًا، ما جعل الاقتصاد المحلي مقيّداً لمصلحة إسرائيل لذا فإن أي إغلاق لمعبر الكرامة من شأنه زيادة الخسائر الاقتصادية الفلسطينية”.
إتلاف بضائع التصدير
من جانب آخر، إن استمرار إغلاق المعبر سيؤدي إلى إتلاف بضائع صناعية كان من المقرر تصديرها، ولا يمكن استهلاكها في السوق الفلسطيني، لسببين: “أولهما وجود وفرة من المنتج في السوق، وثانيًا كون بعض المنتجات يتم تصنيعها وفق محددات السوق الخارجي”، حسب عطياني الذي أوضح أنه في حال استمرار الإغلاق لأكثر من أسبوع، فإن الاقتصاد الفلسطيني سيكون آيلًا للسقوط إثر توقف عجلة الإنتاج وتعطّل الأيدي العاملة المساعدة في عملية التصدير.
ورغم احتكار التبادل التجاري الفلسطيني، مع الجانب الإسرائيلي، إلا أن التبادل مع الجانب الأردني يُعتبر بين أكثر عشر دول من حيث التبادل التجاري مع السلطة الفلسطينية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين فلسطين والأردن نحو 432 مليون دولار خلال عام 2022، حسب بيانات وزارة الاقتصاد الوطني، والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ووفق بيانات أردنية رسمية، فإن قرابة 237 سلعة من المنتجات الصناعية الأردنية تصدّر للسوق الفلسطيني، وتتركّز هذه المنتجات في المواد الخاصًة بقطاع البناء، ومنها: الإسمنت، ومصنوعات الألمنيوم إن كانت براميل أو علباً أو صناديق دهان، بالإضافة للمنتجات الغذائية، ومنتجات نصف جاهزة من حديد ورمال طبيعية.
وينعكس إغلاق المعبر على التبادل التجاري بشكل لافت، لا سيما أن شركات أردنية وقّعت الشهر الماضي، مع شركات فلسطينية محلية اتفاقية تصدير تجاري قائمة على تصدير المنتجات الزراعية الفلسطينية إلى الأسواق الأردنية وذلك برعاية رسمية من وزارتي الزراعة الفلسطينية والأردنية في الخامس عشر من الشهر الماضي، واتفاقية أخرى قائمة على تصدير ألف طن من ثمار الأفوكادو المزروعة في محافظة قلقيلية شمال الضفة الغربية بشكل دوري ومستمر إلى الأردن والخارج، ما يعني أن تعطّل هذه الاتفاقيات ينعكس على الاقتصاد الفلسطيني الزراعي.
وأدى العدوان الإسرائيلي إلى تدهور مختلف الأنشطة الاقتصادية وتهاوي التجارة في فلسطين. وأعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، الخميس الماضي، عن انخفاض حاد في الرقم القياسي لكميات الإنتاج الصناعي في فلسطين خلال شهر يوليو/ تموز الماضي مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
نعكس إغلاق المعبر على التبادل التجاري بشكل لافت، لا سيما أن شركات أردنية وقّعت الشهر الماضي، مع شركات فلسطينية محلية اتفاقية تصدير
ويأتي ذك في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة منذ نحو 11 شهرا، ما أدى إلى تدهور مختلف الأنشطة الاقتصادية.
وأوضح جهاز الإحصاء في بيان له، أن الرقم القياسي لكميات الإنتاج الصناعي سجل انخفاضاً حاداً مقداره 24.11% خلال شهر يوليو 2024 مقارنة بشهر يوليو 2023، إذ انخفض الرقم القياسي لكميات الإنتاج الصناعي إلى 82.90 خلال شهر يوليو 2024 مقارنة بـ 109.24 خلال شهر يوليو 2023 (سنة الأساس 2019 = 100).
يُذكر أن تقريراً مشتركاً للأمم المتحدة والبنك الدولي صدر في شهر إبريل/ نيسان الماضي، قدر قيمة الخسائر الاقتصادية التي شهدها قطاع غزة، منذ بدء الهجمات الإسرائيلية البرية، بحوالي 18.5 مليار دولار، ما يمثل 97% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة عام 2022.
المصدر: العربي الجديد