إلى أخي غير الإسلامي

أنور بن قاسم الخضري

مع سقوط الخلافة العثمانية نهاية الربع الأول من القرن الماضي ارتج العالم الإسلامي وقتها إذ بات مكشوفا للأعداء تنهش جسده دول الاحتلال الصليبي، فتقاسمته وحولته إلى دويلات قطرية، وقامت دول أخرى فرضت وجودها بفعل عوامل ذاتية وظرفية وجغرافية وتاريخية.

وفي ظل هكذا واقع ظهرت دعوات وحركات وجماعات تحمل مسئولية الدفاع عن الدين في وجه غزو فكري وثقافي، وبدع وخرافات وتحريفات، وفي وجه غزو سياسي ومفاهيمي بدأ يتشكل مع بروز أحزاب يسارية وقومية ووطنية علمانية، وفي وجه غزو قانوني وتشريعي تبنته أنظمة عميلة استلهمت القوانين الغربية ونحت الشريعة.

في هذه الفترة كان الناس على صنفين:

مسلم يقوم بفرائض الصلاة والزكاة والصيام والحج، لكنه منصرف لشأنه ومعيشته ومصالحه ومتعه، لا يعير اهتماما بما يجري لدينه وأمته. وصنف من هذا الصنف أظهر الانحلال والتحلل من كثير من العبادات والشرائع والأخلاق وإن تمسك بوصف الإسلام.

ومسلم فاق الصنف الأول بأن جند نفسه للدفاع عن الدين ومجاهدة المحتلين ومقاومة الغزاة والطغاة والمنحرفين، منتسبا لأطر وجماعات مختلفة، لأنه علم أن السيل الجارف والهادر لا توقفه حصاة ولا صخرة وإنما سد منيع تجتمع فيه الصخور والأحجار في بناء متين متماسك.

الأوائل يا صديقي.. ظلوا مسلمين وأما الصنف الثاني فأطلق عليهم “الإسلاميون” في محاولة لصد الناس عنهم وتصويرهم كفريق متشدد مغال!

ومنذ أربعينيات القرن الماضي -أخي المسلم- لاقى الصنف الثاني ((الإسلاميون)) صنوفا من التنكيل والتعذيب والقتل والتشريد، وخلال العقود التالية، فدفعوا ضريبة صدقهم وإخلاصهم لدينهم وأمتهم، ومجاهدتهم ومقاومتهم للطغاة والغزاة والبغاة والغلاة. فتوارثوا الآلام والمآسي والمعاناة، حتى أصبحت رواياتهم وقصصهم محل شفقة المنظمات الكافرة قبل الأنظمة المنتسبة للإسلام.

اقرأ عن قصصهم في سجون مصر ومذابح سوريا ومعتقلات المغرب ومجازر الجزائر واغتيالات وعذابات العراق وغيرها الكثير.

لقد ذاقوا مرارات شديدة لو صبت على الحديد لذاب لكن الأمة ظلت غافلة متوجهة إلى معاشها ومتعها وملاهيها.

حديثي هنا عن عدة جماعات، منها من اشتغل بالعلم والدعوة، ومنها من اشتغل بالسياسة والفكر، ومنها من اشتغل بالمقاومة والجهاد، ومنها من اشتغل بالعون والغوث وأعمال الخير. غير أنهم جميعا جرى تقديمهم قرابين للغرب في سبيل تثبيت أركان أنظمة لم تكن يوما وطنية ولا قومية ولا إنسانية.

هؤلاء لا يحتكرون الإسلام في أنفسهم لذلك لا تظن أنهم خصومك أو أعداؤك أو أنهم أناس من خارج ذاتك وكينونتك، بل هم من صميم إخوانك سوى أنهم تحملوا المسئولية التي تركها الآخرون وربما مررت بها يوما ولم تلتفت أنت لها.

هؤلاء يا صديقي مهما عبتهم وخطأتهم لن يكون خطؤهم بأعظم من خطئك عندما تقف سلبيا تجاه ما يتعرض له:

دينك،

وشعبك،

ووطنك،

وأمتك!

أعلم أن كلامي قاصر ولم يعبر عن الفكرة كاملة لكن لدي سؤال لك: إذا لم تكن مقتنعا بهم جميعا فلماذا لا تسد الواجبات التي سدوها؟! لماذا لا تقتحم ميدان المدافعة والمقاومة والجهاد وأنت ترى دينك مستباحا وشعبك مستباحا ووطنك مستباحا وأمتك مستباحة؟!

لقد قالت قريش عندما أراد أبرهة غزو الكعبة (للبيت رب يحميه) فلما بعث رسول الله قالوا (نحن سدنة البيت وحماته)، هل عرفت الفرق الآن؟

Exit mobile version