
كلما خرج الحوثيون تحت الأضواء يثبتون بتصرفاتهم أنهم لا يشبهون اليمنيين، ولا يشعرون بالانتماء لهم.
يعيشون انفصالاً شعورياً كاملاً عن محيطهم، لا يحاولون حتى مجرد المحاولة أن يكونوا يمنيين بمشاعرهم وتصرفاتهم وأقوالهم، وإن تصنعوا ذلك عند الضرورة أو في لحظة ضعف يفشلون، لأنهم يصيرون كالغراب الذي حاول أن يكون حمامة فعلق في المنتصف.
حين خرجوا من الجبال ووصلوا إلى الحواضر، وصلوا غرباء عن المجتمع ومختلفين، تراثهم وطقوسهم ومناسباتهم ومشاعرهم واهتماماتهم ونظرتهم للحياة. أنكرتهم المدن، ومنذ تلك اللحظة حالت الإعاقة النفسية التي تعتريهم دون تمكنهم من الإندماج في المجتمع، فحاولوا أن يفرضوا أنفسهم على المجتمعات الجديدة التي وصلوا لها ويعيدوا قولبتها بما يتناسب مع طريقة تفكيرهم والمشروع الذي يعشعش في أدمغتهم.
كيف يمكن لهم أن يندمجوا ويذوبوا في المجتمع وهم يشعرون أنهم مميزون عنه، وأنهم جاؤوا كمرشدين! ينظرون إليه باستعلاء باعتبارهم مشاعل الهداية متلبسين شخصية “أعلام الهدى” و”قرناء القرآن”.
هذا الاستعلاء والإصرار على التميز تحول إلى إعاقة دائمة عاظمت الحاجز النفسي بينهم وبين المجتمع ولاحظوا بأنفسهم أن المجتمع اليمني رغم تدينه صار ينفر حتى من ارتياد المساجد أمام إصرارهم على تحويلها إلى حسينيات مضافاً إليها تحويلها إلى غرز لتعاطي القات والشمة. ويمكن ملاحظة ذلك النفور من خلال الصور ومقاطع الفيديو التي تنشر بين الحين والآخر لمساجد في صنعاء تبدو فارغة من المصلين أثناء صلاة الجمعة.
يصمت اليمنيون أمام كثير من الممارسات، بل وحتى يشاركون في بعضها ليس انصياعاً ولا استجابة وإنما محاولة لتقليل الكلفة أمام جماعة لا يمنعها شيء من ممارسة الرعونة والبطش والإيذاء ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، بعد أن سكنها وهم أن تلك هي الطريقة المناسبة لإخضاع المجتمع، وقد ظهر ذلك في الحديث الذي أدلى به محمد عبدالعظيم الحوثي وهو أحد مرجعياتهم الذي قالها صراحة، إنه قد جعل خصومه يتشيعون وهم كاذبون.
تنكروا للمناسبات الوطنية التي كانت ولا تزال جزءً أصيلاً من ذاكرة ووعي اليمنيين وذهبوا لابتكار مناسبات بديلة لتكون علامة عصرهم الذي لا يزاحمهم فيه أحد، وأسرفوا في بناء الأضرحة وحولوا قبور قياداتهم إلى مزارات يسوقون إليها فتية المدارس ونخب المجتمع من موظفي الدولة رغباً ورهباً في محاولة لصناعة وعي مختلف، وعي ينتمي للجماعة بامتدادتها الطائفية والمذهبية لا ينتمي لليمن.
وحين يتعلق الأمر بالعلاقة بالخارج فقد حسموا أمرهم مبكراً وأعلنوا غير مرة أن إيران أقرب لهم من كل الجغرافيا المحيطة بهم، غير آبهين بكل ما يعنيه مفهوم ارتباط العلاقات الخارجية بمصالح الشعب اليمني، ذلك لأنهم لا يهتمون لليمنيين ومصالحهم لأنهم أساساً لا يشعرون بالانتماء لهم.
يتغنون بالعزة والكرامة والسيادة ولا يبالون في تقديم أنفسهم كذيل لإيران، والظهور أمام العامة على طريقة وفد الجماعة إلى لبنان الذي صار حديث الساعة محلياً وعربياً، بطريقة تناقض أنَفَة اليمني واعتزازه بنفسه، بل وتؤذيه وتنتقص من قدره حتى وإن كان الذي يمارسها إنما يفعل من ذلك انطلاقاً من التنشئة على تمييز الناس إلى طبقات ودرجات، وإلا ما الذي يدفع إنساناً عاقلاً بالغاً إلى أن يلح على آخر مثله أن يسمح له بتقبيل يده، لو لم يكن هذا ناتجاً عن تربية مشوهة وأفكار شاذة نشأت في ظروف غير طبيعية, ويحاولون تقديمها كدين!