في مدينة تعز المحاصرة منذ أكثر من تسع سنوات من قبل مليشيا الحوثي الإرهابية، لم يعد التنقل داخل المدينة أمرًا بديهيًا كما كان.
إذ فاجأ ارتفاع أجرة المواصلات الداخلي من 200 إلى 300 ريال آلاف السكان.
هذا الارتفاع غير المبرر، أطلق موجة غضب مكتومة في شوارع المدينة المزدحمة التي تعيش أزمات متعددة بلا حلول، وسط غياب كامل لدور السلطات المحلية وفشلها المتراكم في إدارة الأوضاع الخدمية والمعيشية لسكان المدينة الأكثر اكتظاظًا بالسكان جنوب اليمن.
أزمة تضرب أحلام التعليم وتستنزف الأسرة
الطالبة الجامعية نور طه تختصر الأزمة بعبارة واحدة: “المواصلات أصبحت كابوسًا يوميًا للطلاب”، مضيفة:”في بعض الأيام نحتاج إلى ثلاث رحلات ذهاب وثلاث إياب، وهذا يعني 1800 ريال يوميًا، وهو رقم يفوق قدرة أي طالب جامعي ينتمي إلى أسرة بالكاد تؤمن الطعام والدواء.
وتابعت حديثها لـ”يمن شباب نت”: “لم نعد نستطيع التنقل بحرية، نضطر للمشي، أو التغيب عن المحاضرات، وبعض زملائنا توقفوا عن الدراسة كليًا”.
وتشير نور إلى أن عدة مبادرات طلابية ومجتمعية أُطلقت سابقًا لتوفير وسائل نقل مجانية أو منخفضة التكلفة، لكنها كانت محدودة وغير مستدامة، ولم تصمد أمام الأعباء المتزايدة، خصوصًا أن تلك المبادرات كانت قد أُطلقت عندما كانت الأجرة 200 ريال، فكيف سيكون الحال الآن وقد ارتفعت بنسبة 50%؟
ولا تقتصر المعاناة على الطلاب، بل تمتد إلى أولياء الأمور الذين باتوا في مواجهة مع معضلة الإنفاق اليومي. يقول عبدالسلام محمد، موظف حكومي وأب لأربعة أطفال:”راتبي لا يكفي حتى لتأمين المواصلات لأولادي إلى مدارسهم”.
وأضاف، في حديثه لـ”يمن شباب نت”: “كنا سابقًا نتحايل على الوضع، الآن لا نستطيع تغطية شيء. نعجز عن التوفيق بين متطلبات البيت ومصاريف التعليم. تعز باتت مدينة تطرد أبناءها إلى الجوع والجهل”.
وأكد أن الأزمة لم تعد قابلة للحصر، بل باتت ملموسة في تفاصيل الحياة اليومية لكل أسرة. ويتساءل: “أين السلطة المحلية؟ لماذا لا تتحرك؟ لماذا تترك المدينة للانهيار؟”
السائقون: “نحن لسنا لصوصًا”
على الطرف الآخر، يقف سائقو الباصات في مرمى الغضب الشعبي. لكنهم بدورهم يشعرون أنهم ضحايا. يقول محمد، وهو سائق باص يعمل على خط الجامعة وسط المدينة: “نحن أيضًا نعاني. 200 ريال لا تغطي حتى تكلفة البنزين والزيت وقطع الغيار، وكل شيء ارتفع مع انهيار الريال. الباص ليس ترفًا، هو مصدر رزقي الوحيد. نحن لا نسرق، بل نحاول البقاء”.
لكن كثيرًا من المواطنين يرون أن مبررات السائقين غير دقيقة، خصوصًا وأن معظمهم يعتمدون على الغاز في تشغيل مركباتهم، وهو ما لم يشهد أي ارتفاع ملحوظ في سعره خلال الأشهر الماضية.
عبدالرحمن جنات، مالك محطة “الجبل” للغاز في وادي القاضي، أوضح لـ”يمن شباب نت” أن”سعر دبة الغاز (20 لترا) لا يزال ثابتًا عند 10,000 ريال، والكمية متوفرة في المدينة، ولا توجد أزمة في الإمدادات، باستثناء تأخر طفيف في بعض الأحيان نتيجة الطرق الوعرة أو المغلقة بسبب الحصار المفروض من قبل مليشيا الحوثي”.
ويكشف جنات أن سائقي شاحنات الغاز يضطرون لسلوك طرق طويلة وخطيرة نتيجة الحصار، وهو ما يؤدي أحيانًا إلى تأخير وصول الشحنات، لكن ذلك لا يبرر رفع الأجرة الداخلية بهذا الشكل المفاجئ.
السلطة المحلية.. غائبة كليًا عن المشهد
وفي ظل تصاعد الأزمة، حاول “يمن شباب نت” التواصل مع مكتب النقل في محافظة تعز للحصول على توضيحات حول ما إذا تم إقرار تسعيرة جديدة للمواصلات، أو وجود أي رقابة على الأجور التي يفرضها السائقون.
لكن الردود جاءت مرتبكة وغير واضحة. فمدير المكتب أحال معد التقرير إلى نائبه، بينما اعتذر النائب عن الإدلاء بأي تصريح، مشيرًا إلى أن المدير يحاول تحميله المسؤولية. وهكذا ظل السؤال معلقًا دون إجابة: من المسؤول عن ضبط أسعار النقل في مدينة تعز؟
هذا الصمت الرسمي المريب يعكس فشل السلطة المحلية الذريع في القيام بأبسط مهامها، رغم إدراكها حجم المعاناة التي يعيشها المواطن يوميًا، من انقطاع الكهرباء، وتدهور الخدمات، إلى صعوبة الحصول على الماء وغلاء المعيشة.
مدينة على حافة الانفجار
مدينة تعز التي يقطنها أكثر من مليون نسمة، وتُعد من أكثر المدن اليمنية تضررًا من الحرب والحصار، تعيش اليوم أزمة خانقة في المواصلات أضيفت إلى قائمة طويلة من الأزمات المزمنة، وسط عجز تام عن المعالجة أو حتى التفاعل من الجهات المعنية.
مواطنون غاضبون وسائقون محاصرون، وسلطات غائبة، ومليشيا تحاصر المدينة وتقطع شرايينها الحيوية. كل هذا يجعل من مشهد الباصات في شوارع تعز اليوم صورة مكثفة لأزمة بلد بأكمله.
في كل رحلة قصيرة هناك قصة طويلة من المعاناة، تبدأ بجيب فارغ، وتنتهي عند مقعد متآكل في باصٍ مزدحم. مدينة تقف على حافة الانفجار، وسلطة لا تسمع صرخات الناس.
نقلا عن موقع يمن شباب نت