فاز الأكاديمي خليل القطاونة بالمركز الأول لجائزة علي القرم للتميز والابتكار في محور الترجمة عن ترجمته لكتاب “الدماغ.. أسطورة التكوين”.
ويدمج الكتاب الذي ألفه العالم الأميركي ديفيد إيجلمان بين قدرات التكوين البيولوجي للدماغ وإمكانات التطبيقات العلمية التي طورت الذكاء الاصطناعي لتحقيق قدرات جديدة للدماغ البشري تسهم في فهم أكثر عمقا للذات وللكون والوجود.
ويشتمل الكتاب على ستة فصول، هي “من أنا؟”، “ما الواقع؟”، “من يتولى القيادة؟”، “كيف أتخذ قراراتي؟”، “هل أنا بحاجتك؟”، و”كيف سنكون في المستقبل؟”، بالإضافة إلى سرد بالمصطلحات التي تفيد القارئ في تفسير بعض المفاهيم العلمية.
ويمثل الكتاب رحلة في تجاويف الدماغ الذي يقوم بعدد من العمليات التي تتصل بالقرارات والأحلام والوعي وتطور الإنسان. فكل خبرات الإنسان وثقافته تشكلان في مجموع تفاصيلهما الدماغ. أما علم النفس فيرى أن الدماغ هو المسؤول عن مكونات الهوية للإنسان عبر شبكة من الدوائر الكهربائية التي تجعل من كل فرد لا يشبه الآخر، وأن كل ما يحدث للكائن من لذات وسرور وآلام يجري في تلك الكتلة الهلامية التي لا تزيد في وزنها على 1.5 كيلوغرام.
وتقوم الفصول التي اشتمل عليها الكتاب على دراسات وتجارب استفادت من التطور العلمي للتصوير الطبقي والرنين المغناطيسي، فضلا عن تقنيات خاصة بمختبر المؤلف لدراسة الدماغ تشريحيا وفسيولوجيا.
وتأتي أهمية الكتاب، الذي صدر عن “الآن ناشرون وموزعون”، مدعما بالصور والرسوم التوضيحية، في عرضه للآراء الجديدة في علم الدماغ التي تتناول مستقبل الإنسان وإمكانية تجاوزه العجز الجسدي إلى آفاق خيالية نتيجة الدمج بين التكنولوجيا وبيولوجيا الجسد.
وشرح القطاونة المصطلحات بأسلوب يجعل المفاهيم المتخصصة في متناول المختص والمهتم والقارئ الذي يسعى وراء المعلومة، واستخدم لغة أدبية لإضفاء نوع من الجمال على النص دون أن يؤثر ذلك في المحتوى العلمي. إذ نقرأ له في تقديم الفصل السادس عن مستقبل الإنسان “جسم الإنسان تحفة فنية غاية في التعقيد والجمال، بل سيمفونية تشاركت في عزفها أربعون تريليون خلية بتناغم وانسجام. ورغم كل هذا إلا أنه لا يخلو من العيوب، فحواسك تضع حدودا على ما يمكنك الإحساس به، وجسمك ضعيف، ولكن ماذا لو استطاع الدماغ فهم أنواع جديدة من المدخلات وأخضع لسيطرته أنواعا جديدة من الأطراف لاختراق حدود الواقع الذي تعيشه؟”.
مستقبل الإنسان وإمكانية تجاوزه العجز الجسدي إلى آفاق خيالية نتيجة الدمج بين التكنولوجيا وبيولوجيا الجسد
ويضيف “نحن لحظة تاريخية يتحد فيها علم الأحياء مع التكنولوجيا لينقلا الدماغ إلى آفاق جديدة أبعد من قدرته الحالية بحيث تتمكن من اختراق الشيفرة الوراثية للإنسان وتوجيه مسار المستقبل، وهذا سوف يغير حياتنا نحن البشر تغييرا جذريا”.
ولا تتوقف أهمية الكتاب عند القراءة التشريحية لفهم العمليات التي يقوم بها هذا الجهاز (الكمبيوتري) الضخم، بل تتجاوز ذلك إلى فهم الكون كنظام تأسس أيضا على مقدرة الدماغ في تكوين تصوراتنا عن الكون الذي ندور فيه. فـ”العالم خارج دماغنا هو مجرد طاقة ومادة، وعبر ملايين السنين من التطور أصبح دماغنا قادرا على تحويل المادة والطاقة التي تحيط بنا إلى خبرة حسية عن وجودنا في هذا العالم”.
ونقرأ على الغلاف الأخير “يتناول الكتاب موضوعات مهمة حيرت العلماء عبر التاريخ، ويجيب عن أسئلة كبيرة على غرار، كيف تتشكل هوياتنا، وذكرياتنا، وخبراتنا؟ وما علاقة المادة العصبية في إدراك الواقع من حولنا؟ وكيف تقوم بتحويله من مجرد طاقة ومادة إلى خبرات بألوان ومذاقات وأحاسيس مختلفة؟ وكيف تتولى الشبكات العصبية إدارة حياتنا؟ وكيف تتنافس في ما بينها لاتخاذ القرارات المتعلقة بحياتنا؟”. يذكر أن جامعة الزيتونة الأردنية أطلقت هذه الجائزة في أربعة حقول تكريما لمؤسسها علي القرم.