الإبادة الإعلامية: استهداف الصحفيين الفلسطينيين في ظل صمت العالم

257 صحفيًا وصحفية استشهدوا منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، مع استمرار خروقات وقف إطلاق النار واستهداف خيام النازحين والمستشفيات

غزة – متابعة الوعل اليمني

تشهد الساحة الإعلامية الفلسطينية تصعيدًا خطيرًا في الانتهاكات ضد الصحفيين، إذ أصبح استهداف الإعلاميين جزءًا من استراتيجية ممنهجة لإسكات الصوت الفلسطيني وطمس الحقائق.

 ووفق نقابة الصحفيين الفلسطينيين، فقد استشهد منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، 257 صحفيًا وصحفية، بينهم مراسلون ميدانيون وناشطات رقميات، مع إصابات جسدية دائمة لمئات آخرين.

 كما سجلت لجنة الحريات في النقابة تزايدًا ملحوظًا في الانتهاكات خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، مع تصعيد خاص خلال عام 2025، حيث تم استهداف الصحفيات والمصورين الرقميين بشكل مباشر، ما يعكس سياسة ممنهجة لإخفاء الحقائق من العالم.

الانتهاكات والقوانين الدولية

ويؤكد تقرير نشرته نقابة الصحفيين الفلسطينيين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن استهداف الصحفيين الفلسطينيين يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية المتعلقة بحرية الصحافة وحماية الصحفيين في النزاعات المسلحة. 

وتنص المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف على حماية الصحفيين المدنيين، ويعد استهدافهم في خيام النازحين والمستشفيات أو مدارس الأونروا جريمة حرب واضحة.

 ومع ذلك، فإن وزارة الإعلام الفلسطينية تشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل منع دخول الصحفيين الأجانب إلى غزة، إلى جانب الهجمات المباشرة على الصحفيين المحليين، في إطار خطة تهدف لإخفاء ما يجري في القطاع بعد أكثر من عامين من الإبادة الجماعية.

حصيلة الشهداء عبر السنوات

وعلى صعيد البيانات الإحصائية، تشير لجنة الحريات في نقابة الصحفيين الفلسطينيين إلى ارتفاع كبير في أعداد الشهداء والإصابات على مدار السنوات الماضية، حيث شهد عام 2023 استشهاد 102 صحفيًا وصحفية وعاملًا في القطاع الإعلامي، مع عشرات الإصابات واعتقالات ومضايقات مباشرة للمراسلين الميدانيين. أما في عام 2024، فقد استشهد 91 صحفيًا، مع تصاعد الاعتداءات الجسدية والمضايقات الإلكترونية، إلى جانب تدمير المعدات الإعلامية واستهداف المؤسسات الصحفية. وخلال عام 2025 حتى أكتوبر، استشهد 59 صحفيًا، بما في ذلك عدد متزايد من الصحفيات، مع تصاعد في الاستهداف المباشر للحياة والممتلكات الصحفية.

أين يستهدف الاحتلال؟

وفيما يخص منهجية الاحتلال، يوضح منتدى الإعلاميين الفلسطينيين في تصريحات إعلامية نشرت اليوم،  أن إسرائيل تعتمد على استهداف دقيق للصحفيين في أماكن مزدحمة بالمدنيين والإعلاميين، مثل خيام النازحين ومستشفيات ناصر والشفاء، إضافة إلى مدارس الأونروا. وتستخدم إسرائيل صواريخ دقيقة وطائرات مسيرة وقنص مباشر لضمان القتل الممنهج، مما ينفي أي ادعاء بالخطأ في الاستهداف. كما أن الدقة العالية للأسلحة واختيار مواقع الاستهداف يعكس عنصر التعمد، إذ أن الهدف لا يقتصر على قتل الأفراد، بل يمتد لإسكات الشهود وتدمير القدرة على توثيق الجرائم والانتهاكات.

وتنعكس هذه الانتهاكات بشكل واسع على الصحفيين والمجتمع الفلسطيني، حيث فقد العديد من الصحفيين أرواحهم أو تعرضوا لإصابات دائمة وبتر أطراف. وقد أدى استهداف الإعلام إلى تعطيل نقل المعلومات وعرقلة قدرة المؤسسات الصحفية على التغطية المستمرة. كما تأثرت الأسر الإعلامية بشدة، وزاد شعور المدنيين بعدم الأمان، خصوصًا في خيام النازحين المكتظة، مع صعوبة وصول المساعدات الإنسانية ومحدودية مراقبة المجتمع الدولي لما يحدث على الأرض .

شهادات من الميدان

ويستمر استشهاد الصحفيين مثل محمود وادي، الذي استهدف أمس في قصف بطائرة مسيرة على وسط خانيونس، ليؤكد أن الانتهاكات لم تتوقف رغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. كما استشهد زملاؤه الصحفيون صالح الجعفراوي ومحمد المنيراوي منذ بداية تنفيذ الاتفاق، فيما تجاوز عدد الشهداء منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ 257 شهيدًا، ما يعكس استمرار الخروقات الإسرائيلية بشكل واضح وممنهج، وفق بيانات نقابة الصحفيين الفلسطينيين ووزارة الإعلام الفلسطينية.

وفي سياق متصل، قال الصحفي محمد ياسين، مدير منتدى الإعلاميين الفلسطينيين، في حديثه لمصادر إعلامية فلسطينية، إن اغتيال الصحفي محمود وادي يأتي ضمن سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى تهميش الرواية الفلسطينية ومنع العالم من التعرف على الحقيقة. وأوضح أن استهداف الصحفيين خلال فترات وقف إطلاق النار يثبت أن الاحتلال يعامل الإعلاميين كأهداف عسكرية وليس كمدنيين محميين بموجب القانون الدولي، مطالبًا بتحرك دولي عاجل لفتح تحقيق مستقل واعتبار هذه الجرائم جرائم حرب.

التوصيات العاجلة

وتوصي لجنة الحريات في نقابة الصحفيين الفلسطينيين بضرورة تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في استهداف الصحفيين، وتفعيل آليات المحكمة الجنائية الدولية لمساءلة الاحتلال عن جرائم الحرب المرتكبة ضد الإعلاميين، إلى جانب حماية الصحفيين داخليًا من خلال إنشاء ممرات آمنة وأماكن نزوح محمية. كما أكدت اللجنة على ضرورة دعم الإعلام الفلسطيني ماليًا وفنيًا، وتنفيذ برامج تدريبية للصحفيين الميدانيين حول السلامة وإدارة المخاطر وحماية النفس والمعدات أثناء التغطية، نظرًا لأن الممارسات السابقة تشمل الاعتقالات، والمضايقات، وتدمير المعدات، واستهداف المؤسسات الإعلامية لضمان سكوت الإعلام وإخفاء الحقائق.

يبقى الواقع أن الوضع الحالي يشير إلى استهداف ممنهج للصحفيين والمراسلين الفلسطينيين، مع تصعيد خطير خلال عام 2025، بما يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية وحاجة ماسة لتدخل المجتمع الدولي. وتطبيق التوصيات المقترحة يسهم في حماية الأرواح، والحفاظ على قدرة الإعلام الفلسطيني على توثيق الجرائم، وتعزيز الضغط الدولي لوقف الانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق الصحفيين المدنيين.

وأدان أمس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بأشد العبارات استهداف وقتل واغتيال الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين الفلسطينيين بشكل ممنهج، ودعا كافة المنظمات الدولية والصحفية إلى إدانة هذه الجرائم وملاحقة المسؤولين دوليًا لضمان حماية الصحفيين في قطاع غزة . 

Exit mobile version