تصعيد مليشيا الحوثي الإرهابية في مختلف جبهات القتال ليس جديدا، بل قديم، وتتخذه المليشيا كورقة سياسية كانت تسميها سابقا “الخيارات الاستراتيجية”، وتستخدم ورقة التصعيد وخيار العودة الى الحرب في العام مرة أو مرتين، وتتعمد اختيار الجبهات التي تصعد فيها ومن خلالها لإيصال رسائلها.
التصعيد الحوثي في الحديدة وتعز ولحج وشبوة ومختلف الجبهات والتحركات العسكرية التي تزامنت معها اعتبرها مراقبون عودة الى الحرب، وتحديا واضحا وصريحا للمجتمع الدولي وقرارات الامم المتحدة والقوانين والمواثيق الدولية وسعيا من مليشيا الحوثي إلى نسف كل الجهود المبذولة من قبل المجتمع الدولي في تحقيق السلام.
كما تعتبر تعبيرا صريحا عن النوايا الحقيقية للمليشيا الحوثية في السعي الى تلبية الرغبات الايرانية وتحقيق اجندتها في استهداف أمن المنطقة والاضرار بأمن ومصالح اليمن والمنطقة من خلال جر اليمن الى الصراع الدولي، وأحداث الشرق الاوسط وهو في المجمل امتداد لأعمالها الإرهابية.
الحكومة اليمنية وعبر أكثر من منبر دولي واقليمي ومحلي وفي أكثر من مكان ومناسبة خاطبت العالم: إن مليشيا الحوثي الارهابية تشكل خطرا كبيرا على أمن اليمن والمنطقة والعالم وإن تهديدها للممرات المائية والملاحة الدولية، يعد امتداداً لأعمالها الإرهابية التي ترتكبها بحق اليمنيين منذ انقلابها وأن تلك التهديدات بإيعاز ودعم مباشر من إيران”.. مؤكدة أن أضرار تلك التهديدات ستصل إلى جميع دول المنطقة إذا لم يتم الوقوف الحازم أمام أعمال إيران وأدواتها الإجرامية، وتؤكد مرارا ان مليشيا الحوثي غير جادة في السلام وتحقيق الاستقرار وانهاء معاناة اليمنيين والدليل تصعيدها وتمردها ورفضها كل مساعي السلام واتخاذها من اليمن وتحديدا محافظة الحديدة منصة ايرانية لاستهداف الممرات العالمية.
وتشير الحكومة في كل خطاب ومناسبة وعند كل تصعيد حوثي أن ذلك لا يشكل خطراً على اليمن وحسب بل خطر وتهديد للأمن الاقليمي والعالمي.
إن استشعار الحكومة وقيادة وزارة الدفاع المبكر للخطر الحوثي حتم عليها القيام بواجبها أمام الشعب والعالم حيث اعدت بكل امكاناتها للمعركة الفاصلة وجهزت القوات العسكرية والوحدات القتالية وكثفت من التدريب والتأهيل لاستعادة مؤسسات الدولة وانهاء الارهاب ولا تزال تطالب بدعم القوات المسلحة في معركتها ضد المليشيا واستعادة الدولة وتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة.
تصعيد مستمر
مؤخرا جددت قيادات مليشيا الحوثي الإرهابية تصعيدها، بمهاجمة المواقع العسكرية في عدة محافظات وجبهات واستحدثت مواقع قتالية جديدة واستمرت في حفر الخنادق وحشد المقاتلين والاسلحة في محافظة الحديدة وشنت هجوما واسعا في جبهات لحج وجبهات تعز تكبدت خلاله خسائر في الارواح والعتاد.
إن تلك الاعمال التصعيدية تثبت للعالم أن مليشيا الحوثي ترغب في العودة الى الحرب لتنقذ اسرائيل وتنقذ نفسها من التبعات المعيشية التي صار يعاني منها المواطن كما تؤكد أنها تنفذ أجندة خارجية ايرانية.
كما يبرهن هذا التصعيد أن المليشيا غير مؤهلة لأن تكون شريكاً في السلام وما تقوم به حاليا يعد دليلا قاطعا على رفضها التعاطي مع المساعي الداعية إلى إحلال السلام، وتظهر للعالم انها أداة قتل ودمار تحركها وتوجهها إيران كيفما تشاء وبحسب هدفها وغايتها.
أسباب متعددة
يسرد خبراء، جملة من الأسباب التي جعلت جبهات القتال تشهد تصعيدا حوثيا، وتحديدا جبهات الحديدة وتعز ولحج وهي أسباب تتراوح بين العسكرية والسياسية أبرزها تتعلق بالموقع الاستراتيجي حيث تعتبر الحديدة ميناءً حيويًا يقع على البحر الأحمر، مما يجعله نقطة استراتيجية رئيسية في الحرب اليمنية والاقليمية، لذلك يسعى الحوثيون إلى ضمان استمرار السيطرة على الميناء والشريط الساحلي الذي يعد شريانًا أساسيًا للإمدادات اللوجستية والإنسانية، حيث يستخدمه الحوثيون في تهريب الأسلحة الإيرانية والمخدرات ومواد أخرى. كما أن السيطرة على الحديدة تتيح لهم استمرار تهديد الملاحة الدولية والمياه الاقليمية، ما يتيح لمليشيا الحوثي الاستمرار في ابتزاز المجتمع الدولي والاقليمي والحكومة الشرعية.
ومن الأسباب التي يحملها التصعيد الحوثي في الحديدة وعدد من الجبهات أن هذه رسالة صريحة وإعلان من المليشيا للعودة إلى ساحة المعركة بعد فترة من الجمود النسبي على جبهة الحديدة منذ توقيع اتفاق ستوكهولم في 2018. هذا الاتفاق، الذي هدف إلى وقف القتال في الحديدة، وأثبت فشله في تنفيذ البنود الأساسية منه، وتريد مليشيا الحوثي الحفاظ عليه كونه يخدم مصالحها ويحقق أهدافها بينما العالم صار يعده فاشلا وخطرا وبات مجمعا على تحرير الحديدة وانهاء سيطرة المليشيا وهو ما دفع الحوثيين إلى العودة مجددًا لفرض سيطرتهم على المدينة والميناء من خلال تصعيد عسكري.
حشد القوات
لتحقيق أهدافها العسكرية، شرعت مليشيا الحوثي في حشد قواتها من مختلف الجبهات والمحافظات، وبدأت في تجنيد عناصر جديدة تحت عدة مسميات، منها “المرابطون” و”المجاهدون” و”المقاتلون من القبائل”، حيث يتم استقطاب الشبان في القرى والمدن عبر الإغراءات المالية والدينية. وعادة ما يتم تجميع هذه العناصر في معسكرات تدريبية سرية أو في مواقع نائية بهدف تجهيزهم للقتال في جبهات متعددة.
في سياق الحشد، افادت مصادر عسكرية استمرار مليشيا الحوثي في حشد مقاتلين واسلحة الى مختلف جبهات الحديدة وتعز وذكرت المصادر أن مليشيا الحوثي كثفت من حفر الخنادق وزرع شبكات الالغام ووضع الكمائن كما تفيد المصادر إن المليشيا اتبعت استراتيجيات لتوزيع قواتها على عدة جبهات عسكرية في الحديدة وضواحيها، وأعادت نشر القوات في مختلف المحاور، كما استخدم الحوثيون شبكة الأنفاق والخنادق تحسبا لهجوم واسع لتحرير الحديدة.
وتعتقد المليشيا بحسب حساباتها أن استحداث خنادق ومواقع عسكرية جديدة في محيط الحديدة، يعزز وجودها الدفاعي ويوفير الحماية لقواتها من الهجوم و القصف المدفعي والجوي المكثف وهي حسابات خاطئة وكاذبة فإذا انطلقت المعركة فلا عاصم لعناصر المليشيا وهزيمتها مؤكدة ومحققة.
إخلاء وتهجير
وبحسب مصادر ومراقبون فإن من أبرز التحركات الحوثية في الحديدة إخلاء بعض المناطق المجاورة للميناء وتهجير السكان المحليين منها. هذا الإجراء بحسب محللين يأتي في إطار تأمين الخطوط الأمامية من الهجمات المحتملة، حيث يمنح تهجير السكان مساحة أوسع لتحريك عناصرها وقواتها ومعداتهم العسكرية بشكل أكثر أمانًا والسبب الأبرز لتهجير السكان تخوف المليشيا من وقوف المواطنين الى جانب القوات المسلحة الحكومية وهو تخوف مؤكد فهي مرفوضة وغير مرغوبة.
التصعيد والتحركات العسكرية في الحديدة ينسجم مع ما يحدث في جبهات أخرى مثل تعز ولحج وشبوة، حيث تحاول مليشيا الحوثي تحقيق اختراقات على هذه الجبهات لتوسيع نطاق سيطرتها وايصال رسالة بأنها أقوى وإنها قادرة على تحقيق انجازات في اكثر من جبهة، وفي تعز، على سبيل المثال، تواصل المليشيا هجماتها على المواقع العسكرية الحكومية دون أن تتمكن من السيطرة وتقدم خسائر كبيرة كل مرة تحاول المهاجمة والتسلل، وفي شبوة ولحج، يستمر الحوثيون في تنفيذ هجمات وتسللت على مواقع القوات الحكومية، وهي كذلك محاولات فاشلة تكون القوات في انتظارها ومستعدة لتعامل معها وتعود عناصر المليشيا تجر ذيل الهزيمة والعار مخلفة قتلى وجرحى.
رسائل حوثية
وفي تصريح لصحيفة 26سبتمبر يتحدث الرائد مختار الباتني إن مليشيا الحوثي من خلال تصعيدها العسكري والتحركات في الفترة الاخيرة تسعى إلى إرسال عدة رسائل للمجتمع الدولي منها أنها قوة عسكرية قادرة على المواجهة وفرض اجندتها، وأنهم لا يزالون قادرين على التأثير في مجريات الحرب. ثانيًا، يحاول الحوثيون إيصال رسالة مفادها أن أي محاولات لإضعافهم أو فرض حل سياسي على الأرض ستواجه بمقاومة شديدة، وأنهم على استعداد لاستئناف الحرب إذا لزم الأمر وهي رسائل مفهومة وواضحة ولا تجدي نفعا أمام رغبة الحكومة الشرعية والتحالف العربي والمجتمع الدولي الذين يسعون إلى استعادة السيطرة على الحديدة والميناء، باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لاستعادة الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، كما ترى الحكومة في الحديدة هدفًا سياسيًا وعسكريًا مهمًا يمنحها قوة سياسية واستراتيجية ويعجل بزوال المليشيا.
ختاما يشير التصعيد الحوثي في الحديدة وجبهات أخرى إلى أن الواقع في اليمن لا يزال بعيدا عن الحل، وأن معركة قادمة تلوح في الأفق قد تحرر الحديدة والشريط الساحلي وتقزم مليشيا الحوثي التي تستخدم هذا التصعيد لتحقيق مكاسب استراتيجية ميدانية وسياسية وهي مكاسب لن تتحقق في ظل اجماع دولي لإنهاء اتفاق استكهولم واطلاق يد القوات المسلحة لتحرير ما تبقى من مناطق تحت سيطرة المليشيا وانهاء الإرهاب الحوثي.
- سبتمبر نت