سامي كمال الدين
في كتاب “التهمة.. حيازة كاميرا” لمصور قناة الجزيرة مباشر، محمد بدر، بتحرير الصحفي في شبكة الجزيرة أسامة الرشيدي؛ افتتح بدر برسالة كتبها عندما كان محبوسا في سجن طرة بالقاهرة، في ديسمبر 2013، وجاء فيها: “عزائي في سجني هو وجودكم في الشارع لنقل الحقيقة، وإعلاء قيم الإعلام الحر والنزاهة والصدق والشرف”.
وفي المقدمة، قال بدر إنه كلما عاد لقراءة تلك الرسالة يجد أنها – مع الأسف- لا تزال تصلح لوصف الواقع الحالي للصحافة والإعلام، إذ يسقط العشرات من الصحفيين شهداء في أثناء تأدية واجبهم المهني، بينما لا يزال يقبع عشرات آخرون من الصحفيين خلف القضبان منذ سنوات؛ لا لشيء سوى أنهم حاولوا القيام برسالتهم على أكمل وجه، وأضاف: “أجد نفسي محظوظا إذ قبعت في السجن لعدة أشهر فقط”.
قدم للكتاب أيمن جاب الله، مؤسس قناة الجزيرة مصر ومدير قناة الجزيرة مباشر، الذي قال إن رسالة بدر أعادته للعديد من تجارب الكفاح الصحفي التي كان شاهدا عليها، وأضاف: “تكلّلت بعض هذه التجارب بالنهايات السارة، مثل تيسير علوني وسامي الحاج، في حين اتشح بعضها الآخر بملابس الحداد، حين قتلت أطوار بهجت وطارق أيوب وعلي الخطيب وعلي عبد العزيز على اختلاف القنوات والحقب”.
الكاميرا أصدق إنباء من الكتب والصحف وما عداها من وسائل التواصل، كما يقول جاب الله، فقد كانت كذلك شديدة الوطء على الذين اعتقلوا محمد بدر؛ إذ ضبطوه متلبسا بتصوير جريمة أحداث رمسيس. وأضاف جاب الله القول إن عنوان “التهمة حيازة كاميرا” ليس “مجرد عنوان مذكرات لمصور خاض رحلة امتهان واعتقال جائر، بل هو عنوان رحلة في عالم سفلي، أبواب سجنه رُكّبت بالعكس”.
من جانبه، قال الصحفي أسامة الرشيدي الذي أشرف على تحرير الكتاب، إن الزميل بدر بروايته تلك الحكايات، التي لم تغفل حتى السجناء الجنائيين، كأنه يستأنف دوره وعمله كصحفي في إخبار الناس بمعاناة الآخرين، وكأنه يريد أن يقول “هذه ليست قصتي وحدي، بل قصة وطن بأكمله. وأضاف الرشيدي في تقديمه للكتاب: “تميزت تلك الذكريات بصراحتها الشديدة وتلقائيتها، ولم يتردد كاتبها بوصف ضغوط ومشاعر خوف انتابته في أثناء محنته، كما أنه مر على عدة سجون وأقسام، جعلته قادرا على تكوين صورة بانورامية للانتهاكات”.
الكتاب جاء في ثلاثة أقسام؛ الأول يضم ذكريات مؤلفه بدر التي دونها بعد خروجه من السجن، بدءا من نشأته في محافظة كفر الشيخ، ليتابع فيها مع دراسته في جامعة حلوان، وأول موضوع صحفي عمله عن الكلاب الضالة في جامعة حلوان، والتحاقه بالعمل في الصحافة مرورا بعمله في قناة “الجزيرة مباشر مصر”، وأهم الأحداث التي غطاها والمواقف التي مر بها، ثم تجربة السجن المريرة لأكثر من سبعة أشهر حتى حصوله على الحرية.
القسم الثاني من الكتاب يضم تفريغا لأهم مراحل قضية بدر، مثل توثيق أهم الفعاليات التضامنية التي طالبت بالإفراج عنه، وبيانات المنظمات الحقوقية، ورسالة بدر التي كتبها من داخل السجن، وحيثيات الحكم ببراءته.. كما يضم عددا كبيرا من الأخبار والتقارير والمقالات التي حكت قصة محمد بدر، بالإضافة لمقالات كتبها بدر بعد خروجه.
وضم الكتاب أيضا مجموعة من الصور لبدر خلال مراحل مختلفة، وصورا لأهم الفعاليات التضامنية معه وتكريمه بعد الإفراج عنه، كما تضمن رسوما توضح المعاملة المهينة التي يتلقاها المعتقلون أثناء التحقيق، وهي قصص تكررت مع عدد من زملاء الجزيرة الذين تم اعتقالهم مثل بيتر غريستي ومحمد فهمي وباهر محمد الذين اعتقلوا لأشهر طويلة، بالإضافة إلى انتهاكات أخرى تعرضت لها القناة.
سرعان ما تحول بدر للعمل في مجال الصحافة الذي أصبح شغفه ومستقبله، وتخصص في التصوير والتغطيات الميدانية في قناة “الجزيرة مباشر مصر” بعد أحداث ثورة يناير/ كانون الثاني 2011؛ ولأن القناة كانت حاضرة في الشارع لتغطية الأحداث المهمة آنذاك، فقد وجد بدر نفسه في قلب التغطية المكثفة لشتى الفعاليات السياسية بلا حسابات.
يقول بدر في كتابه إنه لم تكن هناك توجيهات أو محاذير في العمل، ويضيف “كنا نغطي كافة الفعاليات أيّاً كان التيار السياسي الذي ينظمها، وننتقل من تغطية حدث إلى آخر بسرعة كبيرة، ولم نكن نتدخل في شرح الحدث بل ننقله للمشاهد كما هو، كما لم نتناول الأحداث بالتحليل إلا من خلال بعض البرامج الحوارية المسائية”.
وفي منتصف العام 2013، كان بدر على موعد مع تجربة اعتقال أثناء ممارسة عمله المهني، وروى في الكتاب بالتفصيل كيف تم احتجازه في عربة شرطة وسيارة ترحيلات، ثم نقله إلى قسم شرطة ومديرية أمن القاهرة وسجن العقرب، وروى العديد من القصص المؤلمة والمواقف الصعبة عن ظروف الاحتجاز ورفاق السجن وحتى تحقيقات النيابة.
تناول بدر في كتابه وقائع المحاكمة وجلساتها المثيرة، وظروف الزيارات في السجن، والفترة التي قضاها مع المحبوسين جنائيا، والقصص المرعبة التي سمعها منهم، وتعرّض بالتفصيل لجلسة النطق بالحكم ورحلة إخلاء السبيل من السجن إلى قسم الأزبكية ثم مديرية أمن الجيزة، حتى حصوله على الحرية وسفره إلى بلده، واستقبال الأهل والأصدقاء والجيران له بحفاوة.
يحكي الكتاب عودة صاحبه إلى مجال الإعلام عبر مجال الكتابة والتحرير الصحفي، ليضم إلى خبرة التصوير والإخراج عمل الكاتب والمحرر، ويقول بدر إنه بعد مرور أكثر من 6 سنوات بعدها، لا يشعر بالندم على شيء رغم صعوبة التجربة، ويضيف “لم أدخل السجن نتيجة قناعاتي الشخصية، بل بسبب عملي وواجبي الذي كنت أؤديه”.
ويختم بدر القسم الأول من الكتاب بالقول “أحلم بأن أعيش كل يوم تجربة جديدة، وأن أقابل كل يوم أشخاصا جددا، وأن أغطي موضوعات مختلفة بفكر وإبداع يسمح لي بتطوير نفسي ونقل الحقيقة.. فهذا هو العمل الصحفي الذي أعتبره أفضل بكثير من العمل المكتبي”.
المصدر: مدونة العرب