Blogمقالات
أخر الأخبار

الجامعات الأمريكية وحرية التعبير.. لماذا استثناء فلسطين؟

يسرد هذا المقال بعض الحالات التي تعرض مدى التعقيدات والحساسيات الناتجة عن مناقشة ما يحدث في غزة أو توجيه انتقادات إلى إسرائيل في الأوساط الأكاديمية الأمريكية

تعرَّض القطاع الأكاديمي في الولايات المتحدة مؤخراً لسلسلة من الاستقالات والتوقيفات بسبب الأحداث في قطاع غزة، ما أثار نقاشاً وطنياً حول دور الجامعات في حماية طلابها أمام التمييز وخطاب الكراهية. وسلطت هذه الأحداث الضوء على التوازن الدقيق الذي يجب على الجامعات الحفاظ عليه بين التمسك بمبادئ الحرية الأكاديمية وحرية التعبير من جهة، وضمان بيئة آمنة وشاملة لجميع الطلاب من جهة أخرى.

ويسرد هذا المقال بعض هذه الحالات التي تعرض مدى التعقيدات والحساسيات الناتجة عن مناقشة ما يحدث في غزة أو توجيه انتقادات إلى إسرائيل في الأوساط الأكاديمية الأمريكية، ما يثير أسئلة جدية حول قدرة المؤسسات التعليمية على توفير بيئة آمنة للطلاب تسمح لهم بالتعبير عن آرائهم السياسية من دون التعرض للأذى.

ولكي نفهم أهمية المؤسسات الأكاديمية الأمريكية في النقاش الدائر حول غزة، يتعين الإشارة إلى ما ذكره الكاتب الفلسطيني-الأمريكي علي أبو نعمة، محرر موقع الانتفاضة الإلكترونية، في كتابه “المعركة من أجل العدالة في فلسطين” الصادر عام 2014 عن دار هايماركيت للنشر، وقال: “إذا خسرنا حرم الجامعات فإننا سنخسر الولايات المتحدة”.

استقالة إليزابيث ماجيل

بعد جدل حادّ حول حرية التعبير ومعاداة السامية، استقالت إليزابيت ماجيل رئيسة جامعة بنسلفانيا، وجاء هذا القرار بعد اتهامات لها وللجامعة من قِبل مجموعات مناصرة لإسرائيل، ادّعت فيها أن الجامعة فشلت في حماية الطلبة اليهود وسط تصاعد معاداة السامية على خلفية الأحداث في القطاع.

ولكي نفهم القصة يجب أن نرجع قليلاً إلى الوراء، إذ تعرضت ماجيل وجامعة بنسلفانيا لهجوم قوي من اللوبي الإسرائيلي بعد استضافة احتفالية “فلسطين تكتب” (Palestine Writes) للأدب، التي جمعت أكثر من 1500 مشارك من جميع أنحاء العالم والولايات المتحدة.

بالتزامن مع الفعالية طافت مجموعة عصبة مكافحة التشهير المعروفة بعدائها للفلسطينيين حول الاحتفالية بسيارات ولوحات ضوئية تتهم بعض المشاركين -مثل المغني الشهير روجر ووترز- بالعداء للسامية. هذه الضغوط دفعت رئيسة الجامعة إلى النأي عن الاحتفالية والقول إن الجامعة لا ترعاها وإنما جرى تنظيمها بالتعاون مع بعض الأقسام والطلاب في الجامعة.

ودفعت هذه الرسالة مؤسسة احتفالية “فلسطين تكتب” الروائية الفلسطينية-الأمريكية سوزان أبو الهوى لإصدار بيان أكدت فيه حق الفلسطينيين في ممارسة أدبهم وثقافتهم، واتهمت رئيسة الجامعة بالتخلي عن الاحتفالية والاستجابة للضغوط التي مورست على الجامعة من قِبل اللوبي الإسرائيلي.

والجدير بالذكر أنه من بين المشاركين في الفاعلية كان الشاعر الفلسطيني رفعت العرعير الذي لم يتمكن من مغادرة غزة في ذلك الوقت، الأمر الذي دفع صفحات مثل “قفوا العداء للسامية” لمهاجمة الاحتفالية حتى بعد اغتياله من قِبل إسرائيل، متهمة إياهم باستضافة نشطاء معادين لإسرائيل.

وخلال جلسة الاستماع للكونغرس الأمريكي تعرَّضت ماجيل وغيرها من رؤساء الجامعات الأمريكية الكبرى لانتقادات بسبب ردودهم على أسئلة عضوة الكونغرس الجمهورية إليز ستيفانيك حول ما إذا كانت دعوات الطلاب للإبادة الجماعية لليهود تُعتبر مضايقة بموجب قواعد السلوك الخاصة بالجامعات.

تسببت الشهادة التي أدلت بها رئيسة جامعة بنسلفانيا في الكونغرس في حدوث اضطرابات كبيرة في القطاع الأكاديمي في الولايات المتحدة، خصوصاً في جامعة بنسلفانيا، وهارفارد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، الذي قدم رؤساؤه إجابات مماثلة إلى حد كبير لستيفانيك حول قضية حرية التعبير ومعاداة السامية خلال جلسة استماع في الكونغرس.

بعد شهادتها، واجهت ماجيل ضغوطاً شديدة بسبب التهديد بخسارة منحة بقيمة 100 مليون دولار من الملياردير روس ستيفنز، أحد خريجي جامعة بنسلفانيا. وانتقد ستيفنز “النهج المتساهل” الذي تتبعه الجامعة في التمييز ضد اليهود، وأعلن أنه سيسحب التبرع لأنه رأى أن سلوك الكلية يُعَدّ انتهاكاً لشروط تقديم المنحة. اعتذرت ماجيل بعد شهادتها قائلة إنها لم “تركز” على هذه القضية، ووصفت الدعوات للإبادة الجماعية بأنها “شريرة، واضحة وبسيطة”.

فترة كلودين جاي القصيرة في رئاسة هارفارد

استقالت كلودين جاي، أول رئيسة سوداء لجامعة هارفارد، من منصبها بعد فترة ولاية استمرت ستة أشهُر فقط، وجاءت استقالتها بسبب مزاعم السرقة الأدبية والانتقادات بسبب تعليقاتها حول معاداة السامية في الحرم الجامعي.

وفي رسالة إعلان استقالتها ذكرت جاي أنه من “مصلحة الجامعة” أن تتنحى، وأعربت عن استيائها من التشكيك في التزاماتها مواجهة الكراهية والتمسك بالصرامة العلمية، وذكرت جاي أيضاً أنها تعرضت لتهديدات شخصية و”عداء عنصري”.

بدأ الجدل في جلسة استماع ساخنة في الكونغرس حول معاداة السامية في التعليم العالي، وأثارت تعليقات جاي خلال جلسة الاستماع ردود فعل عنيفة، خصوصاً تصريحها حول ما إذا كانت الدعوات لقتل اليهود ستشكل انتهاكاً لقواعد السلوك في جامعة هارفارد أم لا، بالقول إنه يعتمد على السياق، ما دفعها لاحقاً إلى الاعتذار عن هذه التعليقات في مقابلة مع صحيفة الطلاب بالجامعة.

رغم الدعم الذي قدمه ما يقرب من 700 موظف لها، فإن الضغط تصاعد عليها عندما جرى نشر مزاعم السرقة الأدبية في سجلها الأكاديمي، وبينما وجد التحقيق الذي أجراه مجلس إدارة جامعة هارفارد ورقتين بحثيتين منشورتين تتطلبان استشهاداً إضافياً، فقد خلصوا إلى أنها لم تنتهك معايير السلوك البحثي. ومع ذلك ظهر مزيد من الادعاءات حول الاستشهاد العلمي غير المناسب قبل ساعات قليلة من استقالتها.

الجدير بالذكر أن من قاد الحملة ضد جاي حول مزاعم السرقة الأدبية هو الملياردير بيل أكمان، الذي اتهمت زوجته هو أيضاً نيري أوكسمان الأستاذة السابقة في معهد ماسوشيوتتس للتكنولوجيا، بالسرقة الأدبية.

وقف في جامعة إنديانا

في السياق ذاته وقفت جامعة إنديانا الدكتور عبد القادر سنو أستاذ العلوم السياسية عن العمل بسبب مساعدته لجنة التضامن مع فلسطين في تنظيم حدث عام حول الإبادة في غزة، استضاف الكاتب الأمريكي-الإسرائيلي ميكو بيليد المعروف بانتقاداته اللاذعة لإسرائيل، وتزعم إدارة الجامعة أن سنو “تجاوز الإجراءات الرسمية” عندما ساعد مركز القبة السماوية العلمي في استضافة الحدث.

قدّم سنو، الذي كان مستشار هيئة التدريس في مركز القبة السماوية العلمي، طلباً لحجز غرفة لاستضافة الفاعلية، ومع ذلك تدّعي الجامعة أن سنو ذكر بشكل غير صحيح أنه لم يملأ النموذج نيابة عن شخص آخر، وأخطأ في تسمية فاعلية المنظمة الطلابية على أنها “محادثة أكاديمية”، وفشل في تقديم طلب لحجز الغرفة خلال 10 أيام عمل كما هو متبع في الجامعة.

وأثار التعليق جدلاً داخل أروقة الجامعة، ورأى أعضاء هيئة التدريس الآخرون أنه عمل من أعمال الرقابة من قِبل الإدارة وانتهاك للسياسة الخاصة بالحرم الجامعي في بلومنغتون (إنديانا) التي تمنح أعضاء هيئة التدريس الذين يواجهون عقوبات شديدة جلسة استماع من قِبل مجلس هيئة التدريس.

يسلط هذا الحادث الضوء أيضاً على التوتر المستمر والتحديات التي تواجهها الجامعات في معالجة قضايا حرية التعبير والتمييز.

كما ألغى متحف أيسكانازي للفنون معرضاً فنياً للفنانة الفلسطينية سامية حلبي (87 عاماً) على خلفية منشورات لها على وسائل التواصل الاجتماعي، أعربت فيها عن دعمها للفلسطينيين في ظل الإبادة التي يتعرضون لها في قطاع غزة.

وأشار مدير المعرض ديفيد برينامان في رسالة للفنانة الفلسطينيين إلى أنه ستجري إزالة أعمالها الفنية، دون توضيح الأسباب، وكان برينامان امتدح أعمال حلبي في منشورات ترويجية قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

جامعة كولومبيا

كغيرها من الجامعات الأمريكية، تواجه جامعة كولومبيا ضغوطاً متزايدة على خلفية أنشطة طلابية مناصرة للفلسطينيين وقعت فيها اشتباكات بالأيدي بين مناصرين لفلسطين وإسرائيل في الحرم الجامعي، وتحقق سلطات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة في حادثة إلقاء مواد كيماوية من قِبل طلاب في جامعة خدموا في الماضي في الجيش الإسرائيلي على مجموعة من الطلاب المناصرين لفلسطين، ما تسبب في نقلهم إلى المستشفى.

ونأت جامعة كولومبيا بنفسها عن الحادثة، وذلك بسبب ضغوط تتعرض لها من قِبل ممولين ومؤثرين في مجلس الجامعة التي تقع في مدينة نيويورك، والتي تسكنها جالية يهودية كبيرة ومؤثرة.

يمكن القول إنّ الأحداث الأخيرة في القطاع الأكاديمي بالولايات المتحدة أشعلت نقاشاً وطنياً حول دور الجامعات في حماية طلابها من التمييز وخطاب الكراهية، ومن المتوقع من الجامعات، باعتبارها مؤسسات للتعليم العالي، أن توفر بيئة تعزز النمو الفكري وتحترم تنوع الجسم الطلابي.

ويكمن التحدي في تحقيق التوازن بين حماية الطلاب من الخطاب الضار ودعم مبادئ الحرية الأكاديمية وحرية التعبير.

إنّ مسألة تحديد الخط الفاصل بين حرية التعبير وخطاب الكراهية هي مسألة معقدة، والجامعات في طليعة هذه المناقشة.

إنّ الاستقالات والوقوف التي حدثت بمثابة تذكير صارخ بالتعقيدات والحساسيات التي ينطوي عليها التعامل مع هذه القضايا. لا تقتصر القيادة في المجال الأكاديمي على الواجبات الإدارية والإنجازات الأكاديمية فحسب، بل إنها تنطوي على اتخاذ قرارات صعبة بشأن قضايا حساسة، مثل التمييز وخطاب الكراهية. وقد واجه الأكاديميون الذين استقالوا أو جرى وقفهم عن العمل تدقيقاً وانتقادات مكثفة، مما سلط الضوء على المخاطر الكبيرة والعواقب المحتملة لانتقاد إسرائيل.

هل تقف المؤسسات الأمريكية في وجه اللوبي الإسرائيلي الذي بات يتدخل في حرية التعبير في الجامعات الأمريكية، أم ستخضع لضغوطه أمام عصا المال الذي يملكه والذي تحتاج إليه الجامعات الأمريكية التي تعتمد على التبرعات بشكل كبير لاستمرارها؟ الوقت وحده يجيب عن هذا التساؤل الهام.

يوسف الجمل – TRT عربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى