لم تكن الوحدة اليمنية حدثاً عابراً من أحداث اليمن، بل كان الحدث الأبرز والأجل منذ قرون مضت ومنذ أول خطوة لتشطير اليمن وتفتيته.
في هذه الذكرى التي تتعرض فيه وحدة اليمن وأمنه واستقراره إلى محاولة التشطير مجدداً، وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، نستذكر معكم أحداث الوحدة اليمنية، مستلهمين أحداث التاريخ ومحطاته للبناء عليها والسير على نهج الآباء الأوائل في المحافظة عليها وتقوية أواصر اليمنيين في كل مكان، وعدم الانزلاق إلى ما تم قبل ذلك قبل 200 عام.
الانفصال الأول..متى تم تشطير اليمن؟
لكي نحيط علماً بكل ما يحاك ضد اليمن من مخاطر، وما أحيك لها قديماً علينا أن نعرج أولاً على محطة الانفصال الأولى كيف تمت، ولماذا، ومتى وفي عهد مَن مِن الأئمة؟
فبسبب التخلف والاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار السياسي لدولة الإمام المهدي عبدالله بن أحمد المتوكل القاسمي، وكذلك الجور والتسلط والنهب الذي كان يبديه الأئمة القاسميون على مناطق اليمن الأسفل، فقدت دولة المهدي السيطرة على الأوضاع، وبدأت الكيانات تنشأ في عدة مناطق من ضمنها عاصمتا الإمامة صنعاء وذمار، وبسبب اختلاف الثقافات الدينية بين مناطق الإمامة والمناطق الجنوبية، كان من الطبيعي أن يهتبل السلطان فضل بن علي السلامي العبدلي الفرصة المواتية و(فصل) عدن ولحج من سلطة الأئمة سنة 1248هـ، ويعتبر هذا الانفصال النهائي والأخير لعدن ولحج عن اليمن الطبيعي الذي استمر حتى إعادة الوحدة عام 1990، وجرى ذلك الانفصال في عهد الإمام المهدي عبدالله بن أحمد المتوكل بن المنصور حسين، لكنه لم يدم كثيراً حيث دخلت بريطانيا على الخط واحتلت عدن وهرب سلطان لحج وعدن من عدن تحت القصف البريطاني سنة 1255هـ، وسيطر الاحتلال البريطاني على عدن منذ ذلك التاريخ، وقام بتعزيز انفصال المناطق الجنوبية، حيث سارع الاحتلال البريطاني لضم كل المناطق الجنوبية تحت مسميات المحميات والانتداب البريطاني الذي ضم كافة الجنوب والشرق اليمني.
كانت سلطنة لحج مسيطرة على عدن حتى العام 1839م، حين خسرت ميناء عدن لصالح الإمبراطورية البريطانية في 19 يناير عام 1839م.
حتى ذلك التاريخ لم يكن الأتراك قد دخلوا اليمن الدخول الثاني، حيث دخلت طلائعهم اليمن في الحديدة وزبيد واللحية عام 1849م، أي بعد تسع سنوات من الاحتلال البريطاني لعدن والمناطق الجنوبية، واستولوا على صنعاء عام 1872م فقد بث الإماميون – نكاية بالأتراك- أن البريطانيين والأتراك هم من قسموا اليمن إلى شطرين مبرئين جانب الإمامة من هذا التقسيم، وهذه المعلومة ماتزال مبثوثة إلى اليوم ويتداولها الكثير من الناس.
لم يسعَ الإماميون إلى استرداد وحدة اليمن بعد ذلك التاريخ، بل على العكس تماماً، فقد وقع الأئمة معاهدات واتفاقيات بينهم وبين الاحتلال البريطاني تعزز من هذا التقسيم، حتى أنهم وقفوا ضد محاولة بعض قادة الجيش التركي استرداد عدن بعد استرداد لحج لصالح مركز اليمن الذي كان صنعاء حينها.
فقد كان الجيش التركي ووالي تعز سعيد باشا استرد لحجاً من الانجليز وحكمها، وبعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى ساءه أن تعود لحج إلى حكم الانجليز فراسل الإمام يحيى في صنعاء ليتسلم لحجاً باعتباره كان المؤهل عسكرياً يومها.
ففي عام 1918م كتب الجنرال علي سعيد باشا قائد ومتصرف نواحي الجنوب، ويتمركز في لحج، عدة رسائل الى صنعاء يطلب فيها إرسال مندوب من الإمام يحيى لاستلام مناطق الجنوب التي كان مركزها لحج، وهي – كما في رسالته بتاريخ 2 نوفمبر 1918م – لحج، والضالع، والصبيحة، والحواشب، ويافع، وبلاد الفضلى، وكذلك بلاد حضرموت التي تعود تابعيتها الينا، بالإضافة الى المناطق “من ساحل باب المندب الى شقره والمواقع العثمانية المقابلة لباب مدينة عدن وللشيخ عثمان داخل عدن”(موقع نشوان نيوز).
وتكررت رسائل وتوسلات سعيد باشا الى شهر ديسمبر الى الإمام يحيى ولكن دون جدوى، وقال في رسالة تلغرافية من آخر رسائله ما يلي نصه “نحن مجبورون على ترك تربة اليمن المقدس وأهله إخواننا.. فإذا نحن تركنا هذا اليمن المقدس فإننا نتمنى لإخواننا في الدين، الاتحاد والاتفاق التام، وأن لا يقبلوا تولية النصارى قطعياً”.. انتهى ص 64 – التاريخ العسكري (المصدر السابق).
كان الإمام يحيى يعمل بأجندة بريطانية ولا يريد مواجهتها حتى تعترف بسلطته في صنعاء، وكل ذلك كان مقدمة للتوافق بينهما على عدة أجندات ومن ضمنها اتفاق صنعاء بعد حين.
ففي عام 1934م أبرم الاحتلال البريطاني ممثلاً بالمقيم السياسي البريطاني في عدن (برنارد رايلي) مع حكومة الإمام يحيى في صنعاء (فبراير 1934م) اتفاقاً ومعاهدة تم بموجبها تقسيم اليمن الى شطرين، واشترط (برنارد رايلي) للتصديق عليها انسحاب الإدارة والقوات التابعة للحكومة المتوكلية من مناطق الضالع والعواذل وبيحان ويافع وغيرها فانسحبت القوات والادارة من 69 قرية ومنطقة في الضالع وما جاورها وثماني مناطق وقرى في العوالق –بلاد الفضلي والعولقي– وبات جنوب اليمن تحت استعمار وحماية بريطانيا.
وفي عام 1939م قامت قوة بريطانية ومعها أمير بيحان بغزو منطقة شبوة التي كان الشيخ الشهيد علي ناصر القردعي حاكماً لها من جانب الإمام يحيى، وقد تصدى القردعي بقوته المحدودة ( 500 مقاتل ورشاشين) للقوات البريطانية عدة اسابيع انتظر خلالها إرسال إمداد عسكري من الإمام يحيى الذي ماطل وامتنع عن ذلك حتى اضطر القردعي الى الانسحاب من شبوة وتم للانجليز احتلالها بسبب تهاون الإمام في يونيو 1939م (ربيع الثاني 1358 هجرية).
صور الشهيد القردعي هذا الأمر في أبيات شعرية من ضمنها:
قد هم على شور من صنعاء الى لندن
متخابرين كلهم سيد ونصراني
منذ ذلك التاريخ واليمن مقسم إلى شطرين؛ جنوبي تحت الاحتلال البريطاني، وشمالي تحت حكم الكهنوت الإمامي الذي لم يسع – ولو بأبسط الخطوات- لتوحيد اليمن الطبيعي.
خطوات الوحدة أثناء ثورتي سبتمبر وأكتوبر
كان ثوار اليمن يدركون استحالة توحيد اليمن إلا من خلال تحرير شطريه من الاحتلال والكهنوت، وكان الشعبان في الشمال والجنوب يعيشان وئاماً تاماً وانسجاماً في الرؤى والأهداف والتطلع نحو توحيد اليمن التاريخي.
استقبلت عدن الثوار الشماليين من صنعاء الفارين من بطش الإمامة كالزبيري والنعمان وغيرهما، وتم تأسيس النضال هناك واستقبال الشخصيات اليمنية المتطلعة للعمل الثوري سواء قبل الثورة الدستورية عام 1948 أو بعدها للتمهيد لثورة 26 سبتمبر عام 1962، وذلك من خلال الأنشطة المتعددة التي قام بها الثوار في عدن.
مع انطلاقة ثورة 26 سبتمبر عمل اليمنيون في الشطر الجنوبي على جمع التبرعات المالية، وتشكيل سرايا الإمداد العسكري من الجنوب نحو الشمال، وشارك العديد منهم في ثورة سبتمبر وعلى رأسهم الشيخ الشهيد راجح غالب لبوزة وسعيد صالح سالم وغيرهما من الثوار الذين شاركوا في محابشة حجة وغيرها. في عام 1962 كون راجح لبوزة مع آخرين من أبناء منطقته مجموعة من الشباب المتبرعين للقتال في صف ثورة 26 سبتمبر للدفاع عنها فكونوا مجموعة كبيرة من أبناء ردفان إلى قعطبة وكانوا حوالي «150» شخصاً، وتم ترحيلهم إلى إب ثم إلى الحديدة، وهناك سلمت لهم أسلحة شخصية وذخيرة.
مع نجاح ثورة سبتمبر في عامها الأول استقبلت صنعاء عاصمة الجمهورية العربية اليمنية في الشمال وعلى رأسها الرئيس السلال الثوار الجنوبيين وأقامت مؤتمرهم الأول في منتصف عام 1963 لإعلان ثورة أكتوبر وتشكيل قيادتها السياسية بقيادة قحطان الشعبي ثم انطلاق ثورة 14 أكتوبر، ليعود لبوزة ومن معه لتفجير شرارة الثورة من ردفان.
استقبلت تعز الثوار الجنوبيين وكونت لهم المعسكرات التدريبية المختلفة، وكان من ضمن الشخصيات المعروفة علي عنتر وأبو بكر شفيق وغيرهم الكثير، وانضم بعض ثوار تعز في تعز أو في عدن إلى الثورة، ودعمت الجمهورية العربية اليمنية في الشمال ثورة 14 أكتوبر بالمال والسلاح، وكانت أولى ملامح الوحدة، وهو ما خاف منه الاحتلال البريطاني والكهنوت الإمامي.
في هذه الأثناء لم تظهر ولا أية نتوءات مناطقية أو أمراض عنصرية بين أبناء البلد الواحد، فقد كان الشعب موحداً بذاته رغم تقسيم الأرض، ولم تبدأ نتوءات وأمراض هذا التشطير تظهر إلا بعد حين بسبب تغذية الاحتلال والكهنوت لها، ومع ذلك ظل الشعبان صامدين في وجه هذه الأمراض مدركان لأهدافها وأبعادها، وهو ما تم تغذيته اليوم وبنفس الأنماط، ومن نفس الجهات، وإن كان عبر وكلائهم الإقليميين والمحليين.
خطوات الوحدة بعد الثورتين
بما أن الثورتين سبتمبر وأكتوبر احتوتا منذ لحظاتهما الأولى ثواراً من الشمال والجنوب فقد كان من الطبيعي أن لا توجد المناطقية بينهم، حتى في عهد نظامي الجمهوريتين في الشمال وفي الجنوب فقد تولى قيادات سياسية من الشمال في نظام الجنوب كعبدالفتاح إسماعيل، الذي ينحدر من مديرية حيفان من محافظة تعز، وتم تعيينه عقب الاستقلال وزيراً للثقافة والوحدة اليمنية، ثم تولى قيادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بعد ذلك.
وكذلك تم تعيين محمود عشيش الذي ينحدر من محافظة البيضاء في مايو 1984م وزير دولة لشؤون الوحدة اليمنية في عدن.
ومع أن الوطن كان ما يزال مشطراً حتى بعد الثورتين إلا أن ذلك التشطير لم يحل دون تعيينات المناصب الحكومية في الشمال من الجنوبيين وفي الجنوب من الشماليين، فكان أول تعيين لأبناء الجنوب قبل ثورة أكتوبر هو تعيين قحطان الشعبي مستشاراً للرئيس عبدالله السلال رئيس الجمهورية العربية اليمنية في الشطر الشمالي مستشاراً لشؤون الجنوب المحتل، والذي نتج عنه فيما بعد الإعداد من صنعاء لثورة 14 أكتوبر، كما عين نظام صنعاء وحكومته مثلاً بقيادة القاضي عبدالرحمن الارياني – رئيس مجلس الرئاسة 1967- 1974 – عين عبدالله عبدالمجيد الأصنج الجنوبي النازح إلى الشمال في أهم المواقع السيادية وهو وزارة الخارجية في عام 1971م ثم بقي متنقلاً بين الوزارات من الخارجية إلى الاقتصاد (في نفس العام)، ثم وزيراً للاقتصاد، ثم وزيراً للخارجية في عام 1974م، ثم وزيراً للمواصلات (في نفس العام) ثم وزيرا للخارجية للمرة الثالثة في عامي 1975 و1977م ثم مستشاراً سياسياً للرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي والرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وهو نفس الأمر تم مع محمد سالم باسندوة إذ عُين وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية والشباب العام 1974 ثم وزيراً للدولة ومستشاراً لرئيس مجلس القيادة في 1975.
وعين في 1977 وزيراً للتنمية والتخطيط ثم وزيراً للإعلام والثقافة في العام التالي، ثم عضواً في المجلس الاستشاري العام 1979 ثم مندوباً دائماً للجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) لدى الأمم المتحدة في 1985.
كذلك استقبل نظام وحكومة الشمال قائد القوات المسلحة السابق لليمن الجنوبي ووزير دفاعها حسين عشال وتم تعيينه عضواً في مجلس الشورى في الشطر الشمالي -سابقاً- عام 1988م.
وذات الأمر ينطبق على حيدر الهبيلي على الرغم من أنه من أبناء شبوة ولد وترعرع في بيحان إلا أنه بعد استقلال جنوب اليمن عام 1387هـ/1967م، نزح إلى المناطق الشمالية, وتولى سنة 1388هـ/1968م قيادة جيش (الوحدة اليمنية) المسلح الذي ثم تشكيله ضد السلطات الشمولية في جنوب اليمن، وفي عام 1401هـ/1981م تم توحيد الوحدات العسكرية المعارضة للنظام السابق في جنوب اليمن آنذاك في كيان عسكري واحد عرف بـ(قوة السلام)، وتعيَّن قائدًا لهذه القوة حتى تحقيق الوحدة اليمنية عام 1410هـ/1990م، فاستقر في مدينة صنعاء، وتعيَّن عام 1415هـ/1995م مستشارًا لرئيس الجمهورية.
أما في حكومة ونظام الجنوب اليمني فقد كان عبدالفتاح إسماعيل ابن مديرية حيفان من محافظة تعز الشمالية أعلى شخصية شمالية تصل إلى أعلى منصب في الجنوب وهو الرئاسة دون أي تحسس مناطقي أو شطري، ونفس الأمر ينطبق على غيره من الشخصيات المالية التي ناضلت ضد الاحتلال البريطاني وتولت المناصب في الجنوب أمثال محمد عبده نعمان الحكيمي ومحمود عشيش وسعيد صالح سالم الذي انتخب عضواً أساسيا في اللجنة المركزية للتنظيم السياسي الجبهة القومية في المؤتمر العام الخامس في مارس 1972م، وأعيد انتخابه في عضوية اللجنة المركزية في المؤتمر العام السادس في مارس 1975م.
عمل سعيد صالح في قيادة القوات الشعبية في المحافظة الثانية (لحج) لحماية الجمهورية الوليدة في الفترة التي تلت الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر1967م وشغل عضوية هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى في اليمن الديمقراطية، كما شغل عضوية مجلس الشعب الأعلى خلال الفترة ديسمبر 1978م.
وكذلك سعيد أحمد الجوفي المعروف ب (سعيد الجناحي) وهو أبناء الأغابرة من الحجرية ومن قدماء الأعضاء اليمنين والمؤسسين لـحركة القوميين العرب في اليمن، ويعتبر من قدماء مناضلي الحركة الوطنية اليمنية، عمل في مجال الثقافة والإعلام حيث عمل كمدير تحرير “صحيفة 14 أكتوبر” بعدن (1970-1971م) ومدير تحرير مجلة الثقافة الجديدة بعدن (1971) وفي نفس العام: مدير عام الثقافة بوزارة الثقافة بعدن في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي)، وفي عام 1980 أسس صحيفة الأمل اليمنية في صنعاء (أول صحيفة معارضة في اليمن شمالاً وجنوبا) واستمرت بالصدور حتى عام 1990م.
كانت الوحدة اليمنية أهم أهداف ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، ومع نجاح الثورتين ومحطاتهما المختلفة ومع كل تعيين في حكومتي الشطرين، كان لا يخلو تعيين فيهما من وزير أو مستشار لشؤون الوحدة، وتبادل تلك التعيينات بين الشخصيات الجنوبية في الشمال والشمالية في الجنوب.
فعلى سبيل المثال تم تعيين محمد عبده نعمان الحكيمي في الجنوب وزيراً للوحدة والإعلام، وعين عبدالقوي حاميم في الشمال نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الجنوب،
وعين في الشمال أيضاً الشاعر الفضول وزيراً للإعلام ومستشاراً للحكومة لشؤون الوحدة من فترة الرئيس الإرياني وحتى آخر حياته في عهد الرئيس علي عبدالله صالح، كما عين في الشمال أيضاً الدكتور عبدالغني علي القاضي في عام 1966
عين وزيراً للإعلام وشؤون الجنوب اليمني المحتل.
نستطيع أن نقول أن هذه كانت البذرات الأولى للمضي في طريق الوحدة اليمنية وتهيئة الظروف التي جعلت شعلة الوحدة متقدة في نفوس اليمنيين شمالاً وجنوباً لم يكن ينقصها سوى اللحظات المواتية للمضي في هذا التوحيد غير أن عوامل خارجية إقليمية ودولية حالت دون التعجيل بها من خلال بعض الأجندة الداخلية لمن كان على رأسي السلطة شمالاً وجنوباً كما نفهم من بعض السياسيين والأحداث، حتى إذا كانت هناك متغيرات دولية وإقليمية في الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي القطب الدولي الثاني سرع من توحيد اليمن، وهذا ما سنتطرق إليه في الحلقة الثانية من هذا الموضوع.
لم تكن الوحدة اليمنية حدثاً عابراً من أحداث اليمن، بل كان الحدث الأبرز والأجل منذ قرون مضت ومنذ أول خطوة لتشطير اليمن وتفتيته.
في هذه الذكرى التي تتعرض فيه وحدة اليمن وأمنه واستقراره إلى محاولة التشطير مجدداً، وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، نستذكر معكم أحداث الوحدة اليمنية، مستلهمين أحداث التاريخ ومحطاته للبناء عليها والسير على نهج الآباء الأوائل في المحافظة عليها وتقوية أواصر اليمنيين في كل مكان، وعدم الانزلاق إلى ما تم قبل ذلك قبل 200 عام.
محطات واتفاقات في طريق الوحدة
بعد نجاح الثورتين – سبتمبر وأكتوبر- واستقرار نظامي الحكم في صنعاء وعدن كان الحراك الثقافي والجماهيري وتطلع الشعبين في الشمال والجنوب إلى الوحدة اليمنية ضاغطاً على قيادتي الشطرين في المضي في طريق الوحدة فتمت سلسلة لقاءات واتفاقات وبيانات في هذا الطريق، نوجزها بالمحطات التالية:
اتفاق طرابلس:
في الفترة من 21 شوال 1392هـ الموافق 26 نوفمبر 1972م إلى 23 شوال 1392هـ الموافق 28 نوفمبر 1972م، اجتمعت قيادة الشطرين ممثلة بالقاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري بالجمهورية العربية اليمنية، وسالم ربيع علي رئيس مجلس الرئاسة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في طرابلس برعاية العقيد معمر القذافي، أكد الرئيسان على ضرورة الإسراع في تنفيذ اتفاقية الوحدة ببيان رئيسي الوزراء في شطري اليمن نصا وروحاً وتوفير كل الظروف الملائمة لبناء اليمن الموحد في ظل المحافظة على منجزات ثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر وتوفير مناخ ديمقراطي كامل وذلك حرصا على استقلال اليمن وبناء مجتمع متطور يسير في طريق التقدم والاشتراكية.
واتفق الجانبان على الأسس التالية:
1- يقيم الشعب العربي في اليمن دولة واحدة تسمى الجمهورية اليمنية.
2- للجمهورية اليمنية علم واحد ذو الألوان الثلاثة الأحمر فالأبيض فالأسود.
3- مدينة صنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية.
4- الإسلام دين الدولة، وتؤكد الجمهورية اليمنية على القيم الروحية وتتخذ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
5- اللغة العربية هي اللغة الرسمية للجمهورية اليمنية.
6- تهدف الدولة إلى تحقيق الاشتراكية مستلهمة الطراز الإسلامي العربي وقيمه الإنسانية وظروف المجتمع اليمني بتطبيق العدالة الاجتماعية التي تحظر أي شكل من أشكال الاستغلال.. وتعمل الدولة عن طريق إقامة علاقات اشتراكية في المجتمع على تحقيق كفاية في الإنتاج وعدالة في التوزيع بهدف تذويب الفوارق سلميا بين الطبقات.
7- الملكية العامة للشعب أساس تطوير المجتمع وتنمية وتحقيق كفاية الإنتاج و الملكية الخاصة غير المستغلة مصونة ولا تنزع إلا وفقاً للقانون وبتعويض عادل.
8- نظام الحكم في الجمهورية اليمنية وطني ديمقراطي.
9- ينشأ تنظيم سياسي موحد يضم جميع فئات الشعب المنتجة صاحبة المصلحة في الثورة للعمل ضد التخلف ومخلفات العهدين الإمامي والاستعماري وضد الاستعمار القديم والجديد والصهيونية.. وتشكل لجنة مشتركة لوضع النظام الأساسي للتنظيم السياسي ولوائحه مستهدية بالنظام الخاص بإقامة الاتحاد الاشتراكي العربي في الجمهورية العربية الليبية.. وعلى ضوء مناقشته من قبل فئات الشعب.
10- يعين دستور الجمهورية اليمنية حدودها.
وكان هذا الاتفاق هو الاتفاق التفصيلي والخطوات التنظيرية للوحدة والذي بموجبه سيتم العمل لاحقاً من تشكيل اللجان المختلفة التي تفصل الدستور والنظام في كل جوانبه.
اتفاق القاهرة:
كان هذا الاتفاق برعاية جامعة الدول العربية لإنهاء التوتر بين الشطرين السابقين تم بين رئيسي وزراء الشطرين السابقين علي ناصر محمد من الجنوب ومحسن العيني من الشمال، وأدّت المباحثات التي جرت بين الوفدين إلى التوصل إلى اتفاقية الوحدة التي عُرِفت منذ ذلك التاريخ باتفاقية القاهرة 1972، التي أصبحت الأساس لجميع الاتفاقيات اللاحقة بما في ذلك تحقيق الوحدة في مايو (أيار) 1990، وتم فيها تعديل بعض النقاط في اتفاق طرابلس بأكثر تفهماً وتفصيلاً بما يلائم الطرفين.
لقاء الجزائر:
في22 شعبان 1393هـ الموافق 4 سبتمبر 1973م التقى الرئيسان عبدالرحمن الإرياني – رئيس الشطر الشمالي للوطن، مع الرئيس سالم ربيع علي – رئيس الشطر الجنوبي للوطن في مدينة الجزائر، وأكدا حرصهما الشديد على تنفيذ الاتفاق واستمرار اللجان المشتركة في أعمالها إلى النهاية على أن تترك لممثليهما الشخصيين الصلاحيات في تحديد المواعيد المنظمة لمواصلة أعمال اللجان، كما تم الاتفاق على وجوب توفير المناخ الملائم لهذه اللجان المشتركة في أعمالها وذلك عن طريق إيقاف التدريب والتخريب في كل أنحاء اليمني وعدم السماح للعناصر المخربة بالنشاط تحت أي اسم وعدم مدها أو تدريب عصاباتها أو تشجيعها وإغلاق معسكراتها.
لقاء تعز – الحديدة:
تجددت اللقاءات والتواصلات بين قيادتي شطري الوطن وجرى لقاء بين الرئيسين سالم ربيع علي – رئيس الشطر الجنوبي، والقاضي عبدالرحمن الإرياني – رئيس الشطر الشمالي في تعز والحديدة في الفترة من 16 شوال 1393هـ الموافق 10/11/1973م إلى 18 شوال 1393 هـ الموافق 12/11/1973م لمتابعة الاتفاقات السابقة والاستماع إلى تقارير اللجان المعنية، وتذليل الصعوبات لهذه اللجان، وتعزيز أواصر العلاقات بين الشطرين، والاتفاق على أهمية أيجاد صيغ مشتركة على صعيد الاقتصاد الوطني تمكن من اتخاذ خطوات عملية تخدم في الأساس الشعب اليمني وترفع من مستواه المعيشي.
اتفاق قعطبة:
في 15 فبراير 1977 التقى الرئيسان ابراهيم الحمدي رئيس الشطر الشمالي، وسالم ربيع علي رئيس الشطر الجنوبي واتفقا على القضايا الاقتصادية والتجارية والتنسيق في مجالات التنمية الصناعية والزراعية بما يخدم المصلحة اليمنية العليا وتم الاتفاق على تشكيل مجلس يتكون من الرئيسيين ومسؤولي الدفاع والاقتصاد والتجارة والتخطيط والخارجية يجتمع مرة كل ستة أشهر بالتناوب في كل من صنعاء وعدن لبحث ومتابعة القضايا التي تهم الشعب اليمني وسير أعمال اللجان المشتركة في مختلف المجالات وتشكيل لجنة فرعية من الاقتصاد والتخطيط والتجارة في الشطرين مهمتها دراسة ومتابعة المشاريع الانمائية والاقتصادية في الشطرين ورفع التقارير عنها إلى الرئيسين مع الاقتراحات بشأنها.. كما تم الاتفاق أيضا على أن يمثل أحد الشطرين الشطر الآخر في البلدان التي لا توجد له فيها سفارات.
اتفاق الكويت:
في عام 1979، استقبلت الكويت قيادتي الشطرين السابقين الرئيس عبدالفتاح إسماعيل والرئيس علي عبدالله صالح للصلح بين الشطرين إثر حرب نشبت بين الشطرين، وتمخّض عن هذا الصلح واللقاء توقيع اتفاق آخر للوحدة عرف فيما بعد باتفاق الكويت، لكنه لم ينفذ بسبب الاستقطابات الدولية آنذاك بين المحور الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي الذي كان يواليه نظام الشطر الجنوبي، والمحور الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية الذي يواليه نظام الشطر الشمالي.
اتفاق صنعاء:
في يونيو عام 1980 التقت قيادتي الشطرين السابقين ممثلة بعلي ناصر محمد وعلي عبدالله صالح بعد الإطاحة بالرئيس السابق عبدالفتاح إسماعيل، وتم الاتفاق على إزالة العوائق بين الشطرين وأسباب التوترات والحروب السابقة وتهيئة الأجواء للمضي في سبيل استعادة الوحدة اليمنية، وعودة الراغبين من المعارضين من الشمال والجنوب إلى أوطانهم، وعدم دعم أية أعمال عدائية متبادلة بين الجانبين، وحل أسباب التوترات الدائمة، واللقاءات الدورية، وكانت هذه خطوة هامة في سبيل تنقية الأجواء بين قيادتي الشطرين، أفضت إلى لقاء ثانٍ في عدن في العام التالي.
اتفاق عدن الأول:
في الفترة من 3 مايو إلى 6 مايو من عام 1980م، تم لقاء في العاصمة عدن بين عبد العزيز عبد الغني وعلي ناصر محمد وذلك لتعزيز وتنسيق الاتصالات بين الشطرين في جميع المجالات وفي مقدمتها المجال الاقتصادي الحيوي الذي سيعود بالنفع على أبناء اليمن قاطبة، وتمهد الطريق للوحدة المنشودة، وتم التوقيع على العديد من الخطوات والمشاريع في هذا الإطار، وهي 7 مشاريع اقتصادية هامة بين الشطرين.
اتفاق تعز الثاني:
في الفترة من 14/15 سبتمبر 1981م التقى الرئيسان علي عبدالله صالح وعلي ناصر محمد في تعز واتفقا على ما يلي:
1- تنفيذ المادة (9) من بيان طرابلس 1972م وتشكيل لجنة لبحث هذه المادة وتقوم هذه اللجنة بدراسة نتائج لجان الوحدة وتقدم تصورات بشان تنفيذ المادة (9) من بيان طرابلس والمتعلقة بتشكيل التنظيم السياسي الموحد وتقدم نتائج أعمال اللجنة إلى الرئيسين في موعد أقصاه نهاية نوفمبر 1981م
2- السعي من أجل التعجيل بخطوات عملية لتحقق الوحدة اليمنية الحل النهائي لكل مشاكل اليمن القائمة.
3- تشكيل لجنة من رئيسي هيئة الأركان لتنفيذ البنود 4،5،6 من اتفاق 13 يونيو 1980م وتبدأ اللجنة أعمالها ابتداء من 30 سبتمبر 1981م تعز في 15 سبتمبر 1981م.
اتفاق عدن الثاني:
في 30 نوفمبر عام 1981 زار الرئيس علي عبدالله صالح عدن واتفق الطرفان (صالح وناصر) على قيام المجلس اليمني الأعلى واللجنة الوزارية المشتركة، وكانت هذه خطوة مهمة على طريق تحقيق الوحدة بخطوات مدروسة متأنية وخلق شبكة مصالح اقتصادية بعيداً عن العواطف والانفعالات التي كانت تصدر فقط عبر وسائل الإعلام دون الخطوات الميدانية.
اتفاق تعز الثالث:
في 5-6 مايو 1982 التقى رئيسا شطري اليمن غلي عبدالله صالح وعلي ناصر محمد في مدينة تعز واتفقا على الآتي:-
1- عدم التدخل من قبل أي شطر في شئون الطرف الآخر ونبذ العنف في العلاقة بين الشطرين وحل المشاكل سلمياً.
2- تنفيذ اتفاق 13 يونيو 1980م، والالتزام بكامل بنوده نصاً وروحاً، وتنفيذ الخطوات العملية لضمان واستقرار الشطرين.
3- تجتمع سكرتارية المجلس اليمني لمتابعة مهامها المنصوص عليها في اتفاق عدن.
اتفاق صنعاء (اتفاق تنقل المواطنين)
كانت هذه الاتفاقية هي الخطوة التنفيذية الأهم في سبيل الوحدة اليمنية والتي سهلت تواصل المواطنين في الشطرين السابقين، في تاريخ 18 رمضان المبارك 1408هـ الموافق 4 مايو 1988م التقى رئيسا الوزراء في شطري اليمن عبدالعزيز عبدالغني، والدكتور ياسين سعيد نعمان، وتم الاتفاق على ما يلي:
1- إلغاء النقاط القائمة في كلا الشطرين والمثبتة في الأطراف واستبدال ذلك بنقاط مشتركة من الشطرين.
2- يسمح للمواطنين بالتنقل والمرور عبر النقاط المشتركة بالبطاقة الشخصية وعدم فرض القيود على المواطنين من قبل الأجهزة في الشطرين.
3- يتولى وزير الداخلية في كلا الشطرين وضع الخطوات العملية لتنفيذ ما ذكر أعلاه في فترة أقصاها شهرين.
4- تبحث حكومتا الشطرين عن توفير مصادر التمويل محلية كانت أو خارجية لربط الطرق بين الشطرين/قعطبة- الضالع- طور الباحة- المفاليس- مكيراس- البيضاء- بيحان- حريب.
اتفاقية 30 نوفمبر عدن
في 30 من نوفمبر عام 1989 التقت قيادة الشطرين في عدن الرئيس علي عبدالله صالح والرئيس علي سالم البيض، ووقع الطرفان المصادقة على كافة بنود الوحدة وإحالة الدستور للمصادقة عليه في مجلسي الشورى شمالاً ومجلس الشعب جنوباً، واستكمالاً لكافة الخطوات واللقاءات والاتفاقات السابقة، وتحديد زمن والتوقيع النهائي للوحدة اليمنية.
إعلان الوحدة اليمنية
في يوم 22 مايو عام 1990 تم الإعلان رسمياً وبشكل نهائي للوحدة اليمنية واختيار علي عبدالله صالح رئيساً للبلاد وعلي سالم البيض (الرئيس الجنوبي) نائباً للرئيس، وكذلك الاتفاق على تعيين فترة انتقالية قبل إجراء أية انتخابات تشريعية في البلاد، وإعلان مجلس رئاسي مكون من 5 أعضاء وهم: علي عبدالله صالح، وعلي سالم البيض، وسالم صالح محمد، وحيدر أبو بكر العطاس، والشيخ عبدالمجيد الزنداني.
من خلال سرد المحطات السابقة في سبيل الوحدة اليمنية، ومع أن كلا الشعبين في الشطرين يتطلعان لهذه الوحدة ويضغطان لتحقيقها، خاصة وقد رأينا نماذج متعددة من تلك الخطوات قبل وبعد الثورتين، إلا أن إطالة الفترة الزمنية لتحقيقها كانت تخفي الكثير من العوائق والعوامل لسرعة التنفيذ، ولعل أهمها حالة الاستقطابات الحادة الدولية لبسط النفوذ في العالم وفي المنطقة العربية خصوصاً.
لقد كان لتباين توجهات القطبين العالميين الرأسمالي الغربي والاشتراكي الشيوعي الشرقي أثرهما حتى على مستوى اليمن والذي كان شطراه منقسماً بين هذين المشروعين، فضلاً عن عوامل إقليمية مكملة لهذا الدور أعاق التسريع في الوحدة، ولذلك لم تتحقق الوحدة اليمنية إلا بعد انهيار أحد قطبي هذا الاستقطاب وهو الاتحاد السوفيتي الذي ساعد كثيراً في التعجيل بالوحدة كون الشطر الجنوبي سابقاً وجد نفسه دون ظهير يستند إليه واتجاه العالم نحو القطبية الواحدة وتقدم الرأسمالية وإخفاق الشيوعية اقتصادياً.
أهمية الوحدة اليمنية
مثلت الوحدة اليمنية أملاً لكل شعوب المنطقة العربية في الخروج من أزماتها المتلاحقة وبناء قوتها خاصة وأن العالم كان يتجه جزء منه نحو التوحيد وبناء الكيانات والتحالفات، وجزء آخر يتجه نحو التفكك والانهيار، وغالباً وحدة البلدان وتكتلاتها تكون سبباً لقوتها ونهضتها سياسياً واقتصادياً وحضارياً خاصة إن وجدت قيادة رشيدة تمتلك الرؤى اللازمة والصادقة في التوجه والمخلصة في التنفيذ.
فبعد تشطير دام قرابة 200 عام تتوحد اليمن، أمل المواطنون فيها النهضة والقوة واللحاق بركب الأمم حضارياً، وكذلك حماية للوطن من الضياع والتشرذم والتمزق وحماية جغرافيته ومياهه الإقليمية كون اليمن تقع على أهم المواقع العالمية ومضايقه وشرايينه البحرية، فضلاً عن إنهاء حالة الاحتراب والأزمات المتلاحقة بين الشطرين.
فتح المجال للتعددية السياسية بعد الوحدة، وأتيح للناس حرية التعبير، والسير في طريق الانتخابات واختيار الشعب قيادته بنفسه سواء على المستوى الرئاسي أو البرلماني أو المحلي، وكانت هذه هي أهم المكاسب للوطن لولا عدم إخلاص قيادته التي نكصت على الأعقاب وقدمت نموذجاً سيئاً وغير جاذب لمشاريع وحدوية أخرى.
النكوص على الأعقاب
كثيرة هي المشاكل المفتعلة عقب الوحدة اليمنية تم الإساءة خلالها للوحدة من خلال مصادرة الشراكة بين القوى الوطنية، والاتجاه نحو التفرد وتوريث السلطة، وبناء مراكز نفوذ قبلية وفئوية على حساب مؤسسات الدولة وبنيتها ونظامها أدخلت اليمن في أزمات متلاحقة بدأت خلال الفترة الانتقالية من خلال العبث المالي وشراء الولاءات والاستقطابات التي أودت باليمن وبدأ الانهيار الاقتصادي الذي رافق الفترة الانتقالية لعدة أسباب؛ منها ما هو موضوعي، ومنها ما هو عبثي تسببت به قيادة البلد السياسية، خاصة وقد دخل الطرفان إلى الوحدة بديون مثقلة لخزانة الدولة تمثلت في 7 مليارات دولار على الشطر الجنوبي وثلاثة مليارات دولار للشطر الشمالي في ظل عدم البحث عن موارد مالية لتغطية هذه الديون مما أدى إلى انهيار العملة الوطنية شيئاً فشيئاً، وكذلك تصاعد الأزمة السياسية بين شريكي الوحدة التي أدت في النهاية إلى حرب 1994.
تراكمت الأسباب التي أدت إلى خيبة أمل لدى الشعب اليمني وخاصة في الجنوب بعد حرب 1994 التي انهزم فيها شريك الوحدة الجنوبي، خاصة وقد تم الإبقاء على فتيل الأزمة وبذرة الحرب كامنة في عدم توحيد الجيش الذي احتفظ كل طرف بقوته أدى إلى الصدام والصراع في تلك الحرب.
الإقصاء الذي مارسه الطرف المنتصر على الطرف المنهزم أدى إلى احتقان متراكم جنوباً وصل ذروته في عام 2007 مع ظهور الحراك الجنوبي وإقصاء صالح لبقية الشركاء والأطراف والتلاعب بالأزمات وإنشاء كيانات جديدة والتلاعب معها كالحوثية، وعدم حسم الحرب معها، وتزوير الانتخابات الرئاسية عام 2006 أدى إلى تسارع الأزمات، وبدأ كثير من الجنوبيين بالدعوة إلى فك الارتباط والمناداة بالانفصال.
بدأت هذه بمطالب مشروعة لم يستجب لها نظام الرئيس علي عبدالله صالح حتى دخلت دول إقليمية ودولية لاستثمار هذا التوجه وتصاعد الأزمة مما أدى إلى مزيد من الأزمات وحالة التمزق اليوم، وضاعت أصوات العقل والحكمة أمام كل هذا الضخ والاستثمار، وتسيد الغوغاء وانكفاء العقلاء، ورحيل معظمهم.
باتت اليمن اليوم أشبه بكنتونات ممزقة تؤذن بانهيار تام إن لم يتم تدارك هذا الأمر وسيكون له تبعات كارثية ليس على اليمن وحسب بل على المنطقة برمتها خاصة مع وجود مشاريع متربصة وكيدية تمكر ليلاً ونهاراً للقضاء على المنطقة برمتها وجعلت من اليمن ساحة حرب وتصفية وانطلاقة لمشروعها التدميري في المنطقة بالنيابة عن مشاريع دولية وصهيونية.
مع أن القضية الجنوبية قضية عادلة في مطالبها وتصحيح التعامل معها، ومع أن هذه القضية قد تم معالجتها في مؤتمر الحوار الوطني، وصارت الدولة اليوم بمعظم مناصبها ومؤسساتها وإدارتها يحكمها الجنوبيون إلا أنها استخدمت كقميص عثمان توظفها فصائل تعمل لصالح أجندة خارجية لا تروق لها وحدة اليمن ولحمته وإلا لالتقى الجميع على كلمة سواء بالبحث بجدية بجميع تفاصيل هذه القضية وتصحيح مسار الوحدة، والذي صار معظم اليمنيين اليوم يشكلون رؤية واحدة بصنع يمن اتحادي جديد بصيغة نظام جديدة بعيداً حتى عن الاتفاقات السابقة.
توفيق السامعي