د. مصطفى محمود
كان حلمي دائماً أن أتزوج من مثقفة جامعية .. تفهمني و أفهمها ، و تشاركني كفاحي ، و تقف إلى جواري في معركة الحياة ..
و قد تحقق هذا الحلم .. للأســف ..
و وجدت إلى جواري إمرأة من نوع غريب .. إمرأة قضت أربع سنوات في كلية الآداب لتتعلم فناً واحداً .. و هو فن الإنتصار على الرجل .
إنها تتكلم في لباقة .. و تلبس شيـك .. و تلعب الجولف .. و تعزف على البيانو .. و تقرأ الكتب .. و لا يعجبها شيء في الدنيا ..
إذا سألتها أين تذهب و متى تعود .. مطت شفتيها و عاتبتني لأني لا أثق بها ..
إذا منحتها ثقتي .. عاتبتني لأني لا أغار عليها كما يجب ، فإذا اشتعلت حباً و غيرة .. قالت لي :
لنكن أصدقاء ..إن خير الزواج ما قام على الصداقة ..
فإذا أعطيتها الصداقة أشعرتني بأهمية الجنس .. فإذا وجهت همي إلى الجنس .. قالت لي :
أوه .. إنت همجي .
كنا في الصعيد ، و ظلت تشكو حتى انتقلنا إلى القاهرة .. و هي الآن تشكو .. لأنها تريد السفر إلى أمريكا ..
إنها تعسة دائماً .. طموح لدرجة المرض .. تطلب كل شيء لمجرد أنها تحمل ” دبلوم ” قسم إنجليزي من كلية الآداب ، و تعمل نصف يوم كما يعمل الرجل ..
و مع هذا فهي أول كل شهر تتحول فجأة إلى بنت بيت و تنتظر الإنفاق عليها ..
بيتنا فوضى .. به طباخ و خادمة .. بالإضافة إلى أمي التي تعمل كخادمة و دادة للأطفال .. و أمي الآن عجوز بلغت السن التي يجب فيها أن تستريح ..
و مع هذا أجد أحياناً مناظر أتألم لها من قلبي .. أجد أمي و على حجرها طفلان .. و المدام ممددة على الفراش بعد عودتها من الشغل ، و في يدها جريدة فرنسية .
لقد بدأت أعتقد أن زوجتي شقيَّة معذَبة .
إنها لا تعرف ماذا تفعل بنفسها أو بثقافتها أو .. بي . و هي أيضاً لا تعرف معنى الثقافة .
و لكن ما ذنبي أنــا ؟ و ما الحــل ..
رد الدكتور مصطفى محمود على رسالة القارئ :
إن ذنبك هو ذنب ملايين من الرجال و النساء .. و ذنب الجيل التعس الذي يتغير بسرعة و يتلقى الهزة العنيفة التي تتلقاها عربات الترام حينما تندفع القاطرة فجأة بدون تدرج إلى الأمام ..
المرأة العصرية أمام وهج الثقافة و الحرية الفجائية .. أصبحت مهزوزة موزعة الرغبة لا تعرف ماذا تريد .. و لهذا تندفع في عدة طرق في وقت واحد ..
إنها تريد السفر و التجول حول العالم .. و تريد الحب .. و تريد الجنس .. و تريد المغامرة .. مجرد المغامرة .. و تَكفُر بالقديم لمجرد أنه قديم .. و تهلل للجديد لمجرد أنه جديد .. و تطلب ألف شيء و لا تقدم في مقابله شيئاً واحداً ..
إن إحساسها بحقوقها أكثر من إحساسها بواجباتها . إحساسها بحريتها أكثر من إحساسها بمسئوليتها . لأنها تمر بتجربة جديدة ..
إنها تخرج لأول مرة من القفص .. فلا تفكر في شيء إلا في التصفيق بجناحيها و الطيران في الجهات الأربع ..
و الحل هو الصدام ..
ليس هناك مفر من الصدام بينكما .. عامل زوجتك المثقفة على أنها غير مثقفة .. و علمها بالشدة و الحزم إن معنى الثقافة هو المسئولية ..
من كتاب / 55 مشكلة حـــب