الحوثيون بين المحاكمات السرية والسيطرة على المجتمع

تقريرخاص
تشهد مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن حملة قمع واسعة، تتخذ شكل محاكمات سرية وأحكام صارمة، ما يعكس سياسة ممنهجة لإعادة إنتاج العنف وتحويل المجتمع إلى شبكة خاضعة للسيطرة المطلقة. هذه السياسة لا تقتصر على المعتقلين السياسيين، بل تمتد لتشمل النساء والشباب، في ظل نظام قضائي تحول إلى أداة لإرهاب المجتمع وإعادة تعريف الطاعة والولاء. وفق تقارير حقوقية، بلغ عدد المعتقلين في سجون الجماعة خلال العام الماضي أكثر من 300 شخص، بينهم موظفون دوليون ومحليون، مع تعرض 65٪ منهم لانتهاكات جسدية ونفسية.
المحاكمات السرية
كشف الصحفي فارس الحميري في تصريح سابق له ” أن المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا أمن الدولة التابعة للحوثيين أجرت محاكمات سرية لأكثر من عشرين موظفًا من الوكالات الأممية والمنظمات الدولية والمحلية، بينهم امرأة واحدة، دون حضور محامين. التهم الموجهة لهم تضمنت التخابر ورفع الإحداثيات وتركيب كاميرات والسفر خارج البلاد، في إجراءات أمنية مشددة. المحلل السياسي يوسف سعيد يرى أن للوعل اليمني “هذه المحاكمات تعكس تحول القضاء من أداة عدالة إلى آلة قمع، والرسالة واضحة لكل من يفكر في تحدي سلطة الجماعة”.
أحكام قاسية
في إطار حملة القمع، أصدرت الجماعة أحكامًا بالإعدام ضد سبعة عشر مواطنًا بينهم موظفون وباعة ومدنيون، بتهم العمل لصالح دول أجنبية. أحد الضحايا، الشاب نايف ياسين الأثوري، الذي يعمل مشغل شبكة إنترنت، اختُطف مع شقيقه لمدة خمسة أشهر بسبب أعمال صيانة عادية على أسطح المنازل، قبل أن تُحوّل تصرفاته إلى دليل على التجسس. أما هدى علي ناصر، شابة عشرينية من إب حُكم عليها بالسجن عشر سنوات بسبب تواصلها مع سائق سيارة أجرة، الأمر الذي اعتبره الناشط الحقوقي عدنان العمري “تجسيدًا للنهج الممنهج لاستهداف النساء وإسكات المجتمع عبر المحاكم الصورية”.
إنتاج العنف
برزت تشكيلات نسائية تُعرف باسم وحدة الزينبيات، أدمجت رسميًا في أجهزة المخابرات والشرطة ضمن مناطق سيطرة الجماعة. تقوم هذه الوحدة بمهام المراقبة والاعتقال والتجنيد، ما يعكس تحولًا جذريًا في دور المرأة داخل نظام العنف. وفق الناشطة فاطمة حكيم “الزينبيات يمثلن أداة لإضفاء الشرعية على القمع وجعله ممارسة أخلاقية، حيث يتحول العنف الفيزيائي إلى عنف رمزي، والطاعة إلى فضيلة وجودية”.
القمع القضائي
المحاكمات الصورية والسيطرة على القضاء تعكس سياسة ممنهجة لإرهاب المجتمع. المواطن علي عبد الله من صنعاء يقول للوعل اليمني “لقد أصبحت أي حركة عادية سببًا للتهميش أو السجن، حتى أعمالنا اليومية تخضع لتفسيرهم الأمني”. تشير الإحصاءات الحقوقية إلى أن 70٪ من المعتقلين تعرضوا للتعذيب النفسي والجسدي، بما في ذلك الصعق والإيهام بالغرق، لتدمير الإرادة الإنسانية. هذا الاستخدام للقضاء والإجراءات الأمنية يخلق مناخ خوف دائم ويحول المجتمع إلى شبكة خاضعة بالكامل للسلطة الحوثية.
تُظهر المحاكمات السرية وسياسة الحوثيين في اليمن مشروعًا شاملًا لإعادة إنتاج القهر والتحكم بالمجتمع. المحاكمات القاسية، وأحكام الإعدام، واستخدام النساء في أجهزة المراقبة والاعتقال، تكشف عن سياسة ممنهجة لتحويل المجتمع إلى آلة طاعة وعنف. كما أن الإحصاءات والآراء المحلية والدولية تؤكد أن هذه السياسات لا تهدد الفرد فحسب، بل تهدد النسيج الاجتماعي بأكمله، حيث يصبح الإنسان أداة في آلة الحرب والسيطرة، وتغدو العدالة مجرد غطاء لإرهاب النظام.






