تقارير
أخر الأخبار

الحوثيون وصراع الداخل.. تصفيات تحت ستار الحرب

تقرير خاص

بين أصداء الغارات الإسرائيلية على صنعاء وصعدة، وبين أخبار الاختفاء المفاجئ لبعض القيادات الحوثية، يبرز سؤال يتردد في الشارع اليمني: هل تحوّلت الحرب إلى غطاء لتصفية الخصوم داخل الجماعة؟ منذ أسابيع، تشهد الكواليس في مناطق سيطرة الحوثيين انقسامات صامتة، وأحاديث عن خلافات حادة بين قيادات الصف الأول، تزامنًا مع استهداف وجوه بارزة عبر غارات “مجهولة الدقة” أو حوادث غامضة.

لعبة تتجاوز الشعار

الصحفي الاستقصائي عبد الله المقطري يرى أن ما يحدث ليس مجرد خلاف تنظيمي، بل “إعادة توزيع للنفوذ داخل الجماعة”:

في كل مرة يظهر خلاف داخلي، نسمع بعدها عن غارة تستهدف قياديًا محددًا أو حادثة اغتيال مبهمة. المشهد يطرح تساؤلًا عمن يحدد بنك الأهداف.”

بينما تؤكد الصحفية أسماء الجرادي” أن الجماعة تحوّل الحرب إلى خطاب يوظف لمصالحها:“الحديث عن مواجهة إسرائيل وأمريكا مجرد لافتة، بينما الصراع الحقيقي يدور في الداخل: من يملك السوق السوداء، ومن يسيطر على مؤسسات الجباية، ومن يوزّع الغنائم.”

ضبابية العدالة

الحقوقية ليلى القباطي من منظمة محلية تؤكد أن الغموض يسيطر على المشهد:

لدينا حالات موثقة لقيادات اختفت بعد خلاف مع الجماعة. بعد أيام، يُعلن أنها قتلت في غارة إسرائيلية. غياب التحقيقات والمعلومات الرسمية يجعل المجتمع مقتنعًا بأن هناك يدًا داخلية تُصفّي خصومها تحت غطاء الخارج.”

أما المحامي عبد الرحمن العريقي فيرى أن هذه السياسة تنتهك أبسط مبادئ العدالة:التصفيات غير المعلنة أخطر من القتل المباشر، لأنها تُغلف بعباءة وطنية أو دينية. هذا يعمّق فقدان الثقة بأي حديث عن دولة أو قانون.”

إعادة تدوير “الولاءات”

الخبير العسكري العميد المتقاعد علي الذيفاني يرى أن الغارات الإسرائيلية تتلاقى مع مصالح الحوثيين:

إسرائيل تستهدف ما تعتبره تهديدًا، لكن الحوثيين يستثمرون النتيجة لإسكات أصوات داخلية مزعجة. إنها معادلة يستفيد منها الطرفان على حساب اليمنيين.”

بينما يعتبر الباحث السياسي د. سامر العلي أن ما يجري جزء من نمط إقليمي:“في لبنان والعراق رأينا المليشيات تستخدم الحروب الخارجية لتغطية التصفيات الداخلية. الحوثيون يكررون نفس السيناريو تقريبًا.”

الخوف والريبة

في صنعاء، يقول مواطن خمسيني طلب عدم ذكر اسمه لموقع الوعل اليمني:

كلما اختلفوا مع بعض، نسمع أن الغارة قتلت فلان أو فلان. الناس لم تعد تصدق كل ما يقال، لكن الخوف يمنعهم من الكلام.”

وفي ذمار، يعلق شاب جامعي:“نحن نعيش وسط مسرحية. العدو الخارجي حاضر في الإعلام، لكن الحقيقة أن المجتمع هو الضحية الأولى.”

الصراع داخل جماعة الحوثي لم يعد سرًا، بل واقعًا تتكشف ملامحه مع كل غارة أو حادثة اغتيال غامضة. الأصوات المتعددة – من صحفيين وحقوقيين وخبراء ومواطنين – ترسم لوحة قاتمة: حرب تُدار على مستويين، أحدهما ضد الخارج والآخر ضد الداخل.
ويبقى السؤال معلّقًا: هل يستطيع الحوثيون الاستمرار في استخدام “العدو الخارجي” كقناع لتصفية حساباتهم الداخلية، أم أن هذه الانقسامات ستنفجر يومًا ما في وجه الجماعة نفسها؟

زر الذهاب إلى الأعلى