الرسام رشاد السامعي في مهمة إنسانية لمساعدة طلاب تعز بعضهم يحصل لأول مرة على غطاء للدفء

متابعات/ بلقيس نت
أول مرة أتغطَّى ببطانية، شكرا لك أستاذ رشاد السامعي”، هذه رسالة امتنان بعثها أحد الطلاب الجامعيين المقيمين في “العُزَب” بمدينة تعز، وذلك بعد تلقّيه وزملائه في “العُزْبَة” بطانيات ومستلزمات أخرى كانوا في أمسِّ الحاجة إليها.
وتتعدد رسائل الامتنان، التي يتلقاها الرسام الكاريكاتوري السامعي، الذي يقود مبادرة إنسانية؛ للتخفيف من معانات الطلاب المقيمين في “عُزَب” تفتقر لأبسط متطلبات التدفئة والضوء وأدوات إعداد الطعام، وغيرها من المستلزمات، التي يعجزون عن شرائها.
يقول الفنان رشاد السامعي لموقع “بلقيس”: “عندما تلقيت الرسالة فرحت؛ لأني كنت سبباً، أو جزءا من السبب، في إسعاد هذا الطالب، كما حزنت في نفس الوقت؛ لأن أحلام هؤلاء الطلاب بسيطة، ومع ذلك يعجزون عن توفيرها”.
– خلفيّة
وتتواصل، منذ أسابيع، تحرُّكات الرسام السامعي الرامية إلى توفير مستلزمات التدفئة والإنارة من خلال جمع مبالغ مالية لشراء بطانيات وفُرش، ومنظومات طاقة شمسية، وغيرها، وتوزيعها على عشرات الطلاب الجامعيين القادمين من الأرياف، والمقيمين في “عُزَب” بمختلف أنحاء المدينة المحاصرة من قِبل مليشيا الحوثي، منذ منتصف العام 2015.
وتشتد حاجة طلاب الجامعات في “العُزَب” إلى مثل تلك المتطلبات، خصوصا بالتزامن مع حلول فصل الشتاء، وبرودة الطقس، وغياب الكهرباء الحكومية، وغلاء أسعار الغذاء، وارتفاع إيجارات السكن، وافتقارهم إلى المال اللازم لشرائها.
ويقيمون في دكاكين وغرف وبدرومات تفتقر إلى التهوية، ويفترش بعضهم الكراتين، كما يتغطّون ببطانيات مهترئة، ويطالعون محاضراتهم في الليالي المظلمة، مستخدمين ضوء الشموع، أو مصابيح يدوية؛ تعمل ببطاريات صغيرة، طبقا لطلاب وناشطين مجتمعيين.
وتعد المبادرة الأخيرة للسامعي امتدادا لمساعٍ مشابهة، وأنشطة متقطعة، يقول عنها السامعي: “إنها عفوية، وجاءت دون أي ترتيب”.
كما يضيف لموقع “بلقيس”: “بدأتها قبل عام تقريباً، عندما طلب منّي مجموعة من الطلاب مساعدتهم بتوفير منظومة طاقة شمسية، وأرسلوا لي صورا ليلية للغرفة، التي يسكنون فيها، ويذاكرون على ضوء الشموع، فزرتهم، واستمعت إليهم”.
نشر السامعي -على حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)- تغريدة، أرفقها بتلك الصور، التي عدَّها صادمة ومؤثرة بالنسبة له ومتابعيه، وتجاوب البعض منهم، وبعد نصف ساعة وصلت قيمة منظومة الطاقة الشمسية إلى حسابه لدى البنك، فأوقف المنشور، ونشر توضيحاً نصَّ على أن “المبلغ قد اكتمل”.
يذكر السامعي لموقع “بلقيس”: “توجهت نحو شراء المنظومة وتركيبها، والتقاط صور للمشهد المفرح للعُزْبة بعد إنارتها، وبعدها بدأت طلبات المساعدة تأتيني من طلاب آخرين، وكنت أوفر لهم معظم احتياجاتهم من منظومات طاقة شمسية، وخزانات مياه، وبطانيات، وأدوات مطبخ، وسلل غذائية”.
– منعطف
لم يستمر نشاط السامعي هذا طويلا، فشعوره بثقل الأمر عليه؛ كونه يعتمد على التبرعات، يقول موضحا: “توقفت بعد مساعدة العديد من العُزَب الطلابية، وذلك رغم تشجيع الكثيرين، وحثهم لي على الاستمرار في مساعدة شريحة الطلاب، الذين توقفوا أيضا عن مراسلتي، وعرض احتياجاتهم عليَّ”.
وقبل شهرين، تواصل أحد مُلاك المطاعم، وعرض على السامعي “تيسا كاملا مطبوخا” مقابل نشر إعلان على صفحته في “فيسبوك”، يتحدى فيه المتابعين بخصوص رفع عدد الإعجابات بصفحة المطعم على “فيسبوك” إلى 5 آلاف “لايك”.
في البدء، اعتذر السامعي عن خوض التحدي، وبعد ساعات فكَّر بالأمر، وقال في نفسه: “لماذا لا أقبل التحدي، وأحصل على التيس، وأقوم بتوزيعه على 4 اسر فقيرة”، وبعد ذلك تواصل بصاحب المطعم، وأبلغه موافقته على التحدي، وبيّن له سبب تغيّر موقفه، فتفاعل مع الفكرة، واستحسنها.
يقول السامعي: “قمت بنشر أول تحدٍ من هذا النوع على حسابي في ‘فيسبوك’،
وتفاعل المتابعون بشكل كبير، ووصل عدد الإعجابات بصفحة المطعم إلى 25 ألف إعجاب، بدلاً عن 5 آلاف، وتم تسلم الذبيحة جاهزة، وتوزيعها على 6 أسر فقيرة، بدلا عن 4 أسر، وذلك عقب أن أبدى صاحب مكتب ‘الدلفري’ استعداده للمشاركة المجانية في توزيع الوجبات، كما أضاف إليها عدد من الدجاج المشوي، وأطباق الأرز”.
عقب ذلك تبلورت فكرة التحدِّي لدى السامعي، وبدأ التجار وأصحاب المواقع بالتفاعل مع هذا النشاط، الذي يجمع بين الجانب الترويجي والإنساني، كما حقق نجاحاً ملحوظاً حتى اليوم.
يقول السامعي لموقع “بلقيس”: “وجدت في التحدي فرصة لاستئناف العمل في مساعدة الطلاب، ولكن بطريقة أخرى لا تعرِّضني للإحراج، والتردد، واستخدمت فيها حقي المشروع، وهو صفحتي، وخصصت مبالغ الإعلانات لمساعدة الطلاب”.
– تحدٍ
وحول طبيعة المبادرة، يوضح السامعي: “يطلب مني التاجر الدخول في تحدٍ، وبعد التفاوض حول المبلغ، وعدد التفاعلات، التي يريدها، أختار جانبا إنسانيا لدعمه بالمقابل المادي، الذي أحصل عليه، وكانت معظم المبالغ تذهب لمساعدة الطلاب الجامعيين في العُزَب؛ من خلال شراء منظومات طاقة شمسية، وفُرش وبطانيات، وغيرها، وتوزيعها عليهم”.
لفت ذلك أنظار بعض الميسورين، ودفعهم نحو المشاركة في توفير بعض احتياجات الطلاب الجامعيين، القادمين من الأرياف، الذين يقول عنهم السامعي: “إنهم شريحة مُغيّبة، وتعاني بصَمت”.
تمكن السامعي -خلال شهر نوفمبر الماضي فقط- من توزيع 20 منظومة طاقة شمسية على 20 عُزْبة طلابية، فيما يتفاوت عدد المقيمين في العُزْبة الواحدة من 3 إلى 20 طالباً، كما وَزّع -خلال الشهر ذاته- ما يقارب 60 بطانية إلى جانب فُرش وأدوات مطبخ، وخزانات مياه، وسلل غذائية، وبلغ عدد المستفيدين حوالي 200 طالب.
ولكي يوفِّر السامعي قيمة تلك المتطلبات، يخوض تحدياً مقابل مبلغ مُعين لا يتعدى 1000 ريال سعودي في أفضل الأحوال، كما يتفاعل محسنون مع التحدِّي، ويبادرون نحو المشاركة في الهدف، الذي يضعه صاحب المبادرة كل مرَّة، ويتبرّعون بمبالغ إضافية.
ويعتمد في اختيار الطلاب المُحتاجين إلى المساعدة على معيار السَّبق في التواصل، والأقدمية، والمقارنة بينهم من حيث شِدة الاحتياج.
يلفت السامعي إلى أن وضع الطلاب الجامعيين المقيمين في “العُزَب” مؤلم جداً، وينحدر معظمهم من أسر فقيرة، وهذا الأمر يشمل الطلاب الدارسين في جامعات خاصة.
وتتعدد أوجه معاناة هؤلاء الطلاب، وكذلك احتياجاتهم، التي لا تتوقف على مستلزمات التدفئة والضوء، بل تمتد إلى الملازم والكُتب، وأجور المواصلات والسكن والغذاء، كما تتفاقم عليهم الالتزامات إلى الحد الذي يصعب فيه شراء بطانية واحدة، أو منظومة طاقة شمسية، ولذلك يتشارك عدد منهم بطانيةً مهترئةً، ويقيم آخرون تحت سُلَّم عمارة غير جاهزة، أو بدروم، أو مخزن دقيق.
– امتنان
ويقابلون المساعدات، التي تقدَّم لهم ببالغ الامتنان والعرفان، يقول الطالب معتز سعيد لموقع “بلقيس”: “فرحنا بالبطانيات ومنظومة الطاقة الشمسية، التي قدمها السامعي، وشعرنا بأننا كالأطفال في يوم العيد”.
الأمر ذاته نال استحسان الأصدقاء، الذين أشاروا على السامعي بتحويل هذا النشاط إلى مبادرة، أو مؤسسة تهتم بمساعدة الطلاب، وهي فكرة تبدو رائعة بالنسبة للسامعي؛ كونها ستتكفل بمساعدة الكثيرين، ومع ذلك لم يجرؤ حتى على التفكير بها؛ تاركاً ذلك للأيام، كما لم يفصح لموقع “بلقيس” حول الأسباب.