يقدم الكاتب الشاب أحمد السيد أبو مكي للقراء روايته “حرب سنة 48 – حرب لم تنته”، وعند تصنيف الرواية فنيًا نجد أنها تنتمي لنوع “رواية السيرة للشخصية الروائية الرئيسية”.
فالرواية سيرة روائية للمناضل أحمد عبدالعزيز، كما أنها رواية معلوماتية حول القضية الفلسطينية التي تشكل الإطار الحكائي الحاكم للرواية بعامة خاصة خلال الفترة التاريخية المفصلية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
وجاءت الرواية في تأطير قيمي “نضالي” يسعى لإعلاء خطاب “المقاومة”، ونسجت الرواية عناصرها الفنية عبر هذا الخطاب في نبعه التاريخي موصولا بالحاضر.
فنجد تعميق مسار الرواية الحكائي بالاسترسال مع السياق الزمني التاريخي ليحقق أيقونة القصدية الروائية أنها حرب لم تنته بعد، وأن التاريخ القريب ونماذج كفاحه ضوء يعين في التبصير بالمستقبل، والتجهز لجولات قادمة ومشهودة في قضية “العروبة” فلسطين.
ومن مقتطفات الرواية: “لا تيأس يا أخي لا تتركوا لهم أرضنا، ولا تحزن قلبك على الفراق فإنه فراق مؤقت يا كمال الدين، في الجنة اجتماع أبدي يا أخي عسى الله أن يجعلنا من أهلها، وما الموت إلا مجرد بداية”.
ويتابع السرد تصوير المشهد: “مع نطق حسين بالشهادة تعلقت عيناه في الأعلى وعلى ثغره ابتسامة صافية خالية من هموم الحياة، حاول الطبيب أن ينعش قلبه، لكن فات الأوان فهز رأسه بحزن والدموع تفيض من عيناه، فلم نستطع أن نخفي دموعنا، فارتفع بكاء كمال الدين، وهو يضم جسد صديقه، إنه الفراق، لا توجد كلمات بليغة لتصف تلك الحالة من الفراغ الذي يحدث في القلب، ذلك الجرح المضمد بالملح، ذلك الجمر الذي يحرق أيدينا وليس لدينا طاقة لتحمله، وليس لدينا طاقة لتركه، ذلك الفراق كلمات الدنيا تعجز عن التعبير عنه، فتخرج على هيئة دموع عاجزة لا تنفع ولا تضر، هل نعرف معنى الفراق؟ لا إن لم نجربه لا نعرفه، هو حالة كالموت من تصيبه لا يستطيع وصفها، هو حالة تختلف باختلاف من يفارقنا، لم أجد وصفًا للفراق يعبر عنه إلا الفراق”.
فتقدير التاريخ رواء روائي بامتياز، كما تقول الرواية “كتب التاريخ ما هي إلا نعمة لتهب لنا أعمارًا فوق أعمارنا” لعبرة التاريخ الهائلة في تشكيل المصائر، فالرواية آنية كما أنها تاريخية في الوقت نفسه.
واتضح هذا التقدير العميق في التشكيل الروائي بما يلمسه القارئ من كدح الروائي الثقافي في الإحاطة بالموضوع كقضية وكشخصية، كما اتضح بتماسك الرواية وضم خيوطها والتركيز وعدم التشتت حول أفكار رئيسة تشغل الروائي.
ومن الناحية الفنية نجد عدة تقنيات روائية منها “تقنية التلخيص الروائي” وهي تسرع إيقاع السرد وهذا طبيعي في الرواية التاريخية لأنها تستقصي السياق التاريخي ما أمكن.
كما نجد تعدد الأصوات بحيث تحكي كل شخصية عن الأحداث من وجهة نظرها، وتغطي كافة جوانب شخصية أحمد عبدالعزيز وبهذا تصبح الرواية رواية ترجمة تاريخية فنية.
وحول طبيعة الشخصية موضوع الرواية فهي شخصية وطنية مؤثرة في التاريخ العربي، تصبح الرواية قيمية بطبيعة الحال، لذلك نجد شيوع مفردات حول التضحية والوطنية والثأر من العدو.
وتغلب دائما تقنية المشهد، والحوار الممسرح هنا هو الوسيلة الأساسية لبناء المشهد من خلال الحدث المغامر في إطار وطني.
اضف تعليق