تفرض الدراما نفسها في الانتخابات الأميركية الحالية من خلال فيلم “المتدرب” أو (The Apprentice) للمخرج الدنماركي من أصل إيراني علي عباس، وبدأ عرضه في دور السينما الأميركية في الحادي عشر من أكتوبر الماضي، حيث ساد اعتقاد بأن الفيلم يمكن أن يكون له تأثير سلبي على حملة مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب في السباق الرئاسي أمام مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس.
ويتناول الفيلم الذي يحمل اسم برنامج شهير كان يقدمه ترامب نفسه قبل سنوات، قصة صعود المرشح الجمهوري من وجهة نظر المخرج، ويرصد بداياته في عالم المال والأعمال وتقلباته السياسية والاجتماعية وتهربه من دفع الضرائب، وكيف انقلب على محاميه ووالده الروحي روي كوهين، المعروف بتوجهاته اليمينية المتشددة، التي يعتقد أنها شكلت الأساس لتوجهات ترامب ومواقفه السياسية المثيرة للجدل دائما.
تأثير في الانتخابات
معظم الأعمال التي قدمت في السينما أو على شاشات التلفزيون تناولت قضايا الانتخابات الأميركية بعد حدوثها
الفيلم الذي عرض في “مهرجان كان” الأخير أثار غضب ترامب لدرجة أنه كتب منشورا على منصة Truth Social أعرب فيه عن أمله في أن يفشل الفيلم، وأن المخرج والمنتجين “أشخاص عديمو الأخلاق” يسعون لتشويه صورة حركته السياسية، كما أرسل محاميه خطابا للشركة المنتجة لوقف عرضه.
ورغم أن العمل قوبل بترحيب محدود من النقاد تركز في معظمه على أداء الممثل سيباستيان ستان وقدرته على تجسيد التناقضات في شخصية ترامب، إلا أنه وجد في المقابل مقاومة عنيفة من شركات التوزيع الأميركية لعرضه في الولايات المتحدة، بسبب انحياز بعضها للحزب الجمهوري، أو خوفا من النزاعات القانونية من جانب فريق ترامب القانوني.
ويعود اهتمام الفن الأميركي بالانتخابات الرئاسية وكواليسها إلى فترة الثلاثينات من القرن الماضي، وكانت البداية ساخرة حين قدم المخرج ديف فلاشر فيلما كرتونيا قصيرا عام 1932 بعنوان “بيتي بوب للرئاسة” رصد فيه قصة بيتي التي قررت خوض الانتخابات الرئاسية، وخلال حملتها الانتخابية حرصت على إطلاق وعود خيالية للشعب الأميركي، في ما اعتبره النقاد في ذلك الوقت سخرية من الصراع الشرس بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على الرئاسة، وإطلاق المرشحين للوعود التي لا يلتزمون بها بعد فوزهم.
اللافت أن معظم الأعمال التي قدمت في السينما أو على شاشات التلفزيون تناولت قضايا الانتخابات بعد حدوثها، إلا في مرات قليلة امتلكت فيها السينما القدرة على استباق الأحداث ومحاولة توجيه الناخبين في اتجاه مرشح أو فكرة معينة، ولعل أهم الأفلام التي ساهمت في التأثير في الشعب الأميركي فيلم “رأس الدولة” (Head Of State) للمخرج والممثل كريس روك.
ويحكي الفيلم الذي عرض عام 2003 قصة الرجل الأسود ميس غيليام، وهو عضو مجلس بلدي في واشنطن، يختاره حزب سياسي بشكل غير متوقع ليكون مرشحًا للرئاسة لجذب أصوات الأقليات، مع اقتناع قادة الحزب بانعدام فرصه في النجاح، ومع تقدم الحملة الانتخابية، يجذب غيليام انتباه الناخبين ويتمكن من الفوز بالانتخابات.
وبحسب آراء النقاد ساعد الفيلم، الذي حقق نجاحا كبيرا وقت عرضه، في تمهيد الطريق لفوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2008، حيث هيأ الجمهور لتقبل فكرة وصول رجل أسود إلى البيت الأبيض.
بعد نجاح أوباما دارت الأحاديث حول ما إذا كان كريس روك كتب الفيلم وأخرجه بموجب اتفاق مع أوباما والديمقراطيين، خصوصا أن الممثل معروف بتوجهاته الليبرالية وصداقته بالرئيس الأميركي الأسبق وأسرته ولا يترك فرصة لنقد الجمهوريين.
ويرى آخرون أن أوباما استفاد من فيلم “إعادة فرز” (Recount) الذي عرض في مايو 2008 قبل شهور قليلة من الانتخابات الرئاسية، بسبب القصة التي تظهر الديمقراطيين بشكل إيجابي على عكس الجمهوريين.
ويتناول الفيلم أزمة نتائج التصويت التي حدثت في ولاية فلوريدا خلال انتخابات عام 2000 وما شابها من أخطاء تسببت في إعلان فوز جورج بوش الابن مرشح الحزب الجمهوري على حساب منافسه الديمقراطي آل جور، ويصور محاولات فريق آل جور بقيادة رون كلاين (كيفن سبايسي) وفريقه مقاومة محاولات الجمهوريين بقيادة جيمس بيكر (توم ويليكنسون) لتمرير النتائج، وكذلك دور كاثرين هاريس، التي كانت وزيرة خارجية فلوريدا وقتها في إدارة عملية الانتخابات لصالح الحزب الجمهوري الذي تنتمي إليه.
اهتمام الفن الأميركي بالانتخابات الرئاسية وكواليسها ليس جديدا بل يعود إلى فترة الثلاثينات من القرن الماضي
ووفقا للآراء فإن عرض الفيلم في ذلك التوقيت الحساس قبل الانتخابات خلق حالة من التعاطف الشعبي مع الديمقراطيين ودفعت أعدادا من الناخبين من أصحاب الأصوات المتأرجحة إلى التصويت لأوباما والحزب الديمقراطي تعويضا عن الظلم الذي تعرض له مرشحهم آل جور في انتخابات 2000.
يبرز بين الأفلام التي تناولت الفضائح التي تحفل بها كواليس الانتخابات الرئاسية الأميركية فيلم “اليوم المشؤوم” (The Ides of March) الذي أخرجه ولعب بطولته جورج كلوني، ويروي قصة ستيفن مايرز (يجسده ريان غوسلينغ)، وهو موظف شاب وموهوب يعمل كمتحدث صحافي ضمن حملة المرشح الديمقراطي مايك موريس (كلوني)، لكنه يكتشف فسادًا داخل الحملة الانتخابية، ويجد نفسه متورطًا في أحداث معقدة تقلب حياته.
والفيلم الذي عرض عام 2011 رأى بعض النقاد أنه يحمل تلميحات حول فضيحة تورط الرئيس بيل كلينتون في علاقة جنسية مع المتدربة مونيكا لوينسكي، حيث تظهر الأحداث تورط موريس مع متدربة شابة في حملته تحمل اسما قريبا من المتدربة الحقيقية وهو مولي ستيرنز (تلعب دورها إيفان رايتشل وود).
ورأى بعض النقاد أن الفيلم الذي أنتجته شركة سوني بيكتشرز أضر بفرص هيلاري كلينتون التي ترشحت عن الحزب الديمقراطي في انتخابات 2016 قبل أن تخسرها لصالح دونالد ترامب.
ويستمد هؤلاء رأيهم من أن الفيلم كشف الغطاء الأخلاقي عن الحزب الديمقراطي وقادته السابقين والحاليين، بما رصده من حجم الفساد السياسي والمالي والجنسي الذي كشف عنه في حملة المرشح الديمقراطي، إلى درجة أن المتحدث الصحافي الشاب تورط في ابتزاز المرشح بعد معرفته بعلاقته مع المتدربة، ثم حاول الانضمام لحملة المرشح الجمهوري بعد طرده من حملة موريس.
بين السينما والتلفزيون
من السينما إلى التلفزيون أكمل مسلسل “بيت البطاقات” (House Of Cards) على ما تبقى من فرص هيلاري كلينتون في تقديم نفسها للناخبين الأميركيين كمرشحة مثالية للرئاسة، حيث قدم المسلسل الذي بدأ عرضه عام 2013 واستمر لستة مواسم قصة زوجين طموحين هما فرانك وكلير أندروود (كيفن سبيسي وروبن رايت)، يلجآن إلى كل الوسائل غير الأخلاقية مثل التلاعب، الابتزاز والخيانة من أجل تحقيق طموحهما السياسي المشترك، حتى ينجح فرانك في الانتخابات عن الحزب الديمقراطي، وينتقل الزوجان إلى البيت الأبيض، لكن تقع الخلافات بينهما على النفوذ، ما يدفع الزوجة للتآمر على زوجها وتدبير قتله لتتولى الرئاسة بدلا منه.
وهناك أوجه تشابه بين الزوجين في المسلسل وبين كلينتون وهيلاري، اللذين كانا يحملان كما يعرف الجميع طموحا سياسيا جامحا، وكان كلينتون عضوا في الكونجرس، كما أن هيلاري تملك شخصية قوية وتبحث عن النفوذ وترشحت بالفعل في الانتخابات الداخلية للحزب الديمقراطي عام 2008 لاختيار مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية قبل أن تخسرها أمام أوباما، ثم نالت ثقة الحزب للترشح في انتخابات 2016 التي خسرتها أمام ترامب، وبين العامين عملت وزيرة للخارجية.
وتمثل حالة هيلاري كلينتون وطموحها السياسي فيما يبدو إغراء لمنتجي الدراما الأميركية، حيث عرض مسلسل ثان قصة مشابهة لقصتها هو “المدام الوزيرة” (Madam Secretary) الذي يحكي قصة إليزابيث مكورد (جسدت الشخصية تيا ليوني) وهي أستاذة جامعية ووكيلة الاستخبارات السابقة تصبح وزيرة للخارجية.
وعلى عكس “بيت البطاقات” قدم المسلسل الذي بدأ عرضه عام 2014 واستمر لستة مواسم، صورة إيجابية عن الوزيرة مستعرضا التحديات السياسية التي تواجهها في منصبها، وسعيها لإحداث التوازن بين عملها وبين حياتها كزوجة وأم، لكنها لم تتمكن من الاستفادة من تأثيره الإيجابي عندما خاضت الانتخابات الرئاسية في 2016.
وطوال ما يقرب من تسعة عقود منذ تقديم فيلم “بيتي بوب للرئاسة” قدم الفن الأميركي العشرات من الأعمال بين السينما والتلفزيون، وحمل أغلبها نقدا لاذعا للتنازلات الأخلاقية التي يقدم عليها المرشحون، كما قدم بعضها صورا ساخرة لتهافت السياسيين على الوصول إلى البيت الأبيض مهما كانت التضحيات، بينما ظلت هناك أعمال فنية محدودة حاولت تقديم صورة جيدة عن المرشحين والانتخابات نفسها.