مقالات
أخر الأخبار

الصلاة على هنية

أنور بن قاسم الخضري

إنَّ مِن آيات الله تعالى لعبد مِن عباده إذا أحبَّه أن يدفع الخلق لمحبَّته، حيًّا كان أو ميتًا. فهذا فرعون وأهل بيته دفعهم المولى لمحبَّة موسى -عليه السلام، كما وضع المحبَّة ليوسف -عليه السلام- في بيت العزيز وعند ملك مصر مِن قبل.

بل إنَّ شهادة الأعداء لهذا العبد هي مِن آيات الله تعالى له، إذ الحق ما شهدت به الأعداء، أكان حيًّا أو ميتًا، وقد شهد هرقل بنبوَّة محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم، وشهد أعداءه له بصدقه وأمانته ونبله وشجاعته ولم يطعنوا في شيء مِن ذلك، قبل بعثته وبعد بعثته.

وكما أنَّ الله تعالى يحبُّ عبده لمعان عنده سبحانه، فإنَّ العباد يحبُّون العبد وإن كان خصمًا أو عدوًّا لهم إذا وجدوا فيه مِن القيم والمبادئ والنبل وسموِّ الأخلاق، لأنَّها معان لا يختلف عليها، ولها تأثيرها في النفس مهما انحرفت وانحطَّت.

وصلاة الشيعة على جنازة هنيَّة بذلك العدد الضخم لم يكن دافعه سياسيًّا في جملته كما يظنُّ البعض، بل إنَّ قدرًا كبيرًا مِنه دافعه المحبَّة الذاتية، بغض النظر عن المذهب والمسلك العقدي والسلوكي والحركي. بل ظهرت مقاطع لمسيحيي فلسطين والمنطقة وهم يترحَّمون على هنية ويبكونه لا لشيء إلَّا لأنَّ القيم والمبادئ والنبل تمثَّل في شخصه، فعرف بين أهله ومجتمعه والناس بالعدل والخيرية والتواضع والسماحة.. وغير ذلك.
واليوم يصلَّى عليه في طهران والعديد مِن العواصم والمدن الإسلامية والعالمية، حضوريًّا وغيابيًّا.

وقد أشار ابن تيمية أنَّ أهل السنَّة عمومًا هم خير الناس للناس، لهذا لا تنقطع الشهادة لهم مِن خصومهم داخل الأمَّة وأعدائهم مِن خارجها. لأنَّ الله تعالى يأبى إلَّا أن يعترف لأهل الحقِّ بمكانتهم حتَّى يظلُّوا نبراسًا للهداية ومعلمًا لتمثُّل الحقِّ واقعًا يتحرَّك على الأرض.
وهذا لا يتوقَّف على المسلم، بل ينبغي للمسلمين أن يتمثَّلوا هذا الخلق حتَّى للكافر الذي جمع القيم والمبادئ والنبل فيشهدوا له بها، دون إفراط ولا تفريط، ((وما شهدنا إلَّا بما علمنا)).

هذه الشهادات المتبادلة لإعلاء القيم والمبادئ والنبل هي ما يبقي الفطر الإنسانية حيَّة عند البشرية وإن وقعت في ضلالات الشرك أو البدع.
لهذا فلا تتعجَّبوا مِن مقاطع بكاء مشاهير الميديا لوفاة هنية رغم ما هم فيه مِن التفسُّخ أو التعرِّي.
وإذا أراد الله تعالى لعبد منزلة في الدينا والآخرة جمع له شهادة الخلق عرفانا وعن رضا. فجمع هنية بين شهادتين: شهادة الله وشهادة عباده.
فطوبى لهنية هذه الميتة والخاتمة الهنية وأسأل الله لي مثلها على ذات الدرب والنهج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى