مقالات
أخر الأخبار

الضعف والتراجع… وراء تشكيل «حميدتي» لحكومته

بقلم/ طلعت رميح


هل تُفلح التحركات السياسية في تعديل موازين القوى العسكرية التي تميل لصالح الطرف الآخر على الأرض؟ وهل من جدوى لتحرُّك قام على استبعاد بعض القوى التي كانت إلى جوار الدعم السريع من قبل؟ وكيف يتصوَّر «حميدتي» أن تحالُفه مع عبد العزيز الحلو طوق نجاة، فيما قوات مجموعات الحلو تتراجع في مناطق انتشارها وسيطرتها التي كانت منحتها مقعدًا في مفاوضات التسوية التي كانت مقررة قبل انقلاب الدعم السريع؟

ومن قبل ومن بعد، جرت تساؤلات عن علاقة هذه الخطوة بما يجري في الميدان حول دارفور وكردفان، وبسبب تحوُّل ميليشيا «حميدتي» إلى أعمال قصف تخريبية للبنى المدنية وأعمال قتل وترويع للمدنيين على أوسع نطاق، فيما هي تطلب الحكم؟

كل تلك الأسئلة كانت تتردد بعد إعلان «حميدتي» نيّته تشكيل ما وُصِفَ بالحكومة الموازية، وزاد تواترها بعد أن نصَّب نفسه رئيسًا لهذا التشكيل الذي جرى الإعلان عنه في نيروبي بكينيا.

وقد اختار «حميدتي» بُعْدًا ميدانيًّا عسكريًّا في التحالف الذي شكَّله لإعلان تلك الحكومة، فجاء رئيس ميليشيا الحركة الشعبية -فرع الشمال- نائبًا له، ولم يَحْظَ المُكوِّن السياسي في الخرطوم -ويمكن وصفه بالمُكوِّن السياسي ذي الطبيعة الوطنية العامة-، إلا بمقعدين؛ مقعد الناطق الرسمي، ومقعد المُقرِّر لتحالف «التأسيس» الذي شكَّله «حميدتي»!

وقد كان لافتًا أن استبق «حميدتي» خطوة تأسيس هذا الهيكل التنظيمي -على أُسس ميليشياوية-، بالإعلان مع بعض المجموعات المرتبطة بحركته عن إقرار دستور جديد للسودان، تمحور حول العلمانية والحكم اللامركزي! وهو ما دفَع المتابعين للتشديد مجددًا على أن «حميدتي» ما يزال كما هو -قَبَليًّا وجهويًّا-، يبحث عن الوصول للسلطة فقط لا غير. يطرح العلمانية إرضاءً لرُعَاته الدوليين، فيما يُشكِّل تحالفًا ميليشياويًّا وقَبَليًّا على أرض الواقع!

وفور أن أعلن «حميدتي» دستوره، ثم هيكله الرئاسي، تتابعت المواقف الكاشفة والرافضة لما قام به. وهو ما جعل تحرُّكه مجرد قفزة في الهواء من جهة، وخطوة استفاد منها الحكم الوطني القائم الآن؛ إذ استثمر تلك الخطوة للتأكيد والتشديد أمام العالم على ميليشياوية «حميدتي»، وأن موقف الحكم الرافض للتفاوض معه كان وما يزال موقفًا صحيحًا.

وقد ندَّد المتحدّث الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية نبيل عبدالله، بإعلان تشكيل مجلس رئاسي لحكومة انتقالية برئاسة «حميدتي»، فيما وصفت الخارجية السودانية الخطوة بأنها «تَعَدّ على حكومة السودان وسيادتها على كافة أراضيها». كما أدانت الجامعة العربية ما وصفتها بـ«محاولة فرض حكومة غير شرعية في السودان»، ودعت لاحترام وحدة وسيادة البلاد.

وكان مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الإفريقي، قد أعلن فور ظهور نوايا «حميدتي»، رَفْضه تشكيل حكومة موازية في السودان، مُوجِّهًا دعوة لدول القارة بعدم التعامل معها ومقاطعتها. ورفض مجلس الأمن الدولي إعلان إنشاء «سلطة حاكمة موازية» في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، مُحذِّرًا من أن هذه الإجراءات تُمثِّل تهديدًا مباشرًا لوحدة السودان، وتُنذر بتفاقم الصراع وتفتيت البلاد.

وأصدر المجلس بيانًا أكَّد فيه على التزام راسخ بدعم سيادة السودان واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه، وشدَّد على أن أيّ خطوات أُحادية تُقوِّض هذه المبادئ «لا تُهدِّد مستقبل السودان فحسب، بل تُهدِّد السلام والاستقرار في المنطقة ككل». ولذا، طرح التساؤل حول ما الذي دفَع «حميدتي» لاتخاذ هذه الخطوة وفي هذا التوقيت تحديدًا؟ وهو الذي لم يتخذ تلك الخطوة سابقًا حين كانت قواته مسيطرة على معظم أنحاء عاصمة السودان والولايات المحيطة بها؟

لماذا تحرَّك «حميدتي» الآن؟

لم يتحرَّك «حميدتي» من موقع قوة؛ إذ المعتاد أن يجري الإعلان عن مثل تلك التشكيلات الحكومية بهدف تطوير العمل الميداني، وخدمة السكان في المناطق التي تتحقق السيطرة العسكرية عليها. بل جاء التحرُّك كمحاولة لتعويض حالة التراجع التي أصابت ميليشياته؛ فهو بعدما فشل وتراجَع عسكريًّا، يحاول تعويم نفسه سياسيًّا وإعلاميًّا عبر تلك الخطوة، التي لا تعني شيئًا على صعيد الممارسة الفعلية للسلطة على الأرض.

لقد صار حُلم السيطرة وإعلان قيام الحكومة من الخرطوم بعيد المنال؛ إذ تثبت وجود الحكم والدولة بسيطرة الجيش السوداني عليها. كانت المعركة في العاصمة شديدة القسوة، وجرت وقائعها، فيما كان وضع الجيش السوداني ضعيفًا؛ بسبب محاصرة قوات الدعم السريع للمقار السيادية ولقواعد وثكنات الجيش. وكان الأشد فظاعةً هو ما تعرَّض له سكان الخرطوم من أعمال سَطْو ونَهْب واغتصاب. لكنّ الأمر انتهى إلى نصر الجيش وتثبيت أجهزة الدولة وعودة الحكومة إلى الخرطوم.

وما جعل الخسارة إستراتيجية؛ أن الجيش حرَّر وسيطر على كل المحاور الإستراتيجية التي يمكن لقوات الدعم استخدامها لمعاودة الهجوم على العاصمة. وكانت الهزيمة التي مُنِيَت بها ميليشيات الدعم شديدة؛ إذ فقدت الميليشيا أعدادًا كبيرة من قواتها. كما كان للأمر تأثير كبير على صعيد الروح المعنوية لأفراد الميليشيا، وهو ما تفاقم إلى حد حدوث انشقاقات مؤثرة في صفوف قيادات وازنة وإعلان الانضمام للجيش الوطني، كما هو حال القائد أبو عاقلة كيكل وقواته.

وكان، أن واصلت قوات الجيش السوداني تطوير هجومها، ليس فقط في الولايات المؤدية والمحيطة بالعاصمة، بل أيضًا في المعاقل الإستراتيجية للميليشيات، خاصةً في كردفان بولاياتها المتعددة. وهناك باتت قوات الجيش تتقدم بخطوات إستراتيجية لإنهاء معالم أهم قوة عسكرية متحالفة مع «حميدتي»، وهي ميليشيات الحركة الشعبية لتحرير السودان فرع الشمال، بقيادة عبد العزيز الحلو.

وجاء تحرك «حميدتي» ردًّا على تشكيل حكومة ميثاقية في الخرطوم، وكمحاولة يائسة لإضعاف الزخم العربي والدولي الذي تحقَّق للحكم الوطني في السودان بعد الانتصارات العسكرية. وقد وصف الكثير من الكُتّاب والمُحلّلين خطوة «حميدتي» بأنها مسرحية فاشلة، وقفزة في الهواء، ومحاولة متأخرة. لكنّ أغلب التعليقات باتت مُنصبَّة على أن «حميدتي» بعد تبخُّر حُلمه في حكم السودان اختار الذهاب نحو تقسيم السودان. وأن السيناريو الليبي بات الأقرب للتحقق في السودان. فهل هذا التصوُّر صحيح؟ وهل هو قابل للتطبيق؟

لماذا يُستبعَد السيناريو الليبي؟

منذ بداية المظاهرات والاضطرابات، وبشكل خاص فور الإطاحة بنظام حكم البشير، طرحت فكرة تقسيم البلاد وأصبحت محلًّا للنقاش العلني. طرحت الفكرة مِن قِبَل مجموعات ترى في الانفصال وسيلة لتحقيق مصالح سياسية لا يمكن تحقيقها عبر بقاء السودان مُوحَّدًا. وكان هناك مَن يدفع الأحداث إلى التفاقم ويعوق الوصول إلى حلول سياسية، بما يوصل مختلف الأطراف -من أراد ومن يرفض- إلى تلك النتيجة. وكان المثال الذي يجري الترويج إليه لحل أزمات السودان هو مثال جنوب السودان….

زر الذهاب إلى الأعلى