يقود الصحفي اليمني عبدالرزاق هاشم العزعزي (38 عاما)، منذ يونيو العام 2022، ومن خارج بلده (اليمن)، مبادرة إثراء؛ يقوم من خلالها -بمعية صحفيين آخرين- بإنتاج محتوى يعزّز التعايش بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة، كما يقدّم للباحثين على “جوجل” محتوى إيجابيا يدفع نحو التعددية والعيش معًا، وبناء السلام الدِّيني.
وتعد مبادرة “إثراء”، في نظر الصحفي العزعزي المقيم حاليا في الكويت، نشاطا تقنيا مبتكرا يستهدف الباحثين عن إجابات لتساؤلاتهم الدِّينية على محرك البحث “جوجل”.
يقول العزعزي لموقع “بلقيس” إنه ومن معه يستخدمون معايير وخوارزميات هذا المتصفح لأجل أن تتصدّر مقالات وأنشطة المبادرة نتائج البحث، وتُساهم في إزاحة الخطابات أحادية الجانب.
– محطات
ويحمل العزعزي بكالوريوس صحافة من كلية الإعلام جامعة صنعاء، وتعد سنوات دراسته الجامعية واحدة من أبرز محطات حياته التي قام خلالها بالعديد بالمبادرات الإعلامية، حيث أصدر، بدعم من المجتمع المدني والقطاع الخاص، صحيفة ورقية أسماها “الانطلاق”، وكانت توزَّع مجانًا على 5 محافظات، كما أطلق موقعا إلكترونيا يحمل التسمية ذاتها لنشر أعمال زملائه الصحفية.
يقول عبد الرزاق العزعزي لموقع “بلقيس”: “نشطت، أيام الجامعة، في تنظيم فعاليات ثقافية تعمل على إدماج الطلاب الأجانب الدراسين باللغة العربية في المجتمع، كما عملت على مناصرة قضايا الأقليات الدِّينية، ما عرَّضني للعديد من الممارسات التعسفية”.
ويضيف: “أصدرت حينها جامعة صنعاء قرارا يقضى بإيقافي عن الدراسة لمدة عام كامل على خلفية اتهامي بالتبشير والإساءة للمجتمع، كما تعرَّضت لحملة تحريض، رافقها تهديد بالقتل، واعتداء جسدي داخل الجامعة، وهدأت الحملة مع اندلاع الاحتجاجات المناوئة لنظام الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح”.
ومع سقوط صنعاء في يد مليشيا الحوثيين، قرر العزعزي مغادرة البلاد إلى عدد من دول الجوار قبل أن يستقر به المقام في الكويت. وفي العام 2020، أسس المنظمة الإلكترونية للإعلام الإنساني، وهي في نظره أول منظمة مجتمع مدني غير ربحية تتخذ من الفضاء الإلكتروني مقرًا لها.
أثناء ذلك، واجهته العديد من الصعوبات؛ بينها تدني مستوى التفاعل مع الفكرة من قِبل المحيطين به، وعدم توفّر قانون يمني ينظِّم عمل المنظمات الإلكترونية؛ نظرا لحداثة الفكرة، كما واجه تعقيدات أثناء استخراج تصريح العمل، ومع ذلك استخرج الترخيص تحت مسمى “نشاط ثقافي”.
في العام 2021، التحق العزعزي بزمالة “الصحافة للحوار”، التي ينظمها المركز العالمي للحوار (كايسيد) لتدريب الصحفيين، في المنطقة العربية، على تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في المنطقة.
– مبادرة إثراء
يقول العزعزي: “خضنا، خلال عام كامل، دورات تدريبية افتراضية ووجاهية؛ تركزت حول آليات وتقنيات صحافة الحوار كمصطلح صحفي جديد يود المركز العالمي للحوار التدريب حولها لمعالجة الانقسامات المجتمعية الناتجة عن خطاب الكراهية، لاسيما القائم على أساس ديني أو ثقافي”.
ويوضح: “خلال الزّمالة، حصلنا على مِنح مالية قدرها 2000 يورو؛ لتنفيذ مبادرات إعلامية تعمل على تطبيق المعارف التي تلقيناها، وطرحت على مجموعة من الزملاء مقترح مبادرة إنتاج محتوى إيجابي يعزز الحوار والتسامح بين أتباع الأديان والثقافات، وتسويقه على جوجل، ومِنصات التواصل الاجتماعي”.
وعرض العزعزي على زملائه في المجموعة فكرة التشارك في تنفيذ مبادرة “إثراء”؛ حيث تولَّى شخصيا إنتاج المحتوى المكتوب، وتسويقه على “جوجل”، فيما يقوم زملاء آخرون بإنتاج محتوى سمعي وبصري، نالت الفكرة استحسان صحفي من العراق، وهو زيد الأصيل، الذي بدوره قام بإنتاج محتوى سمعي.
وتعتمد مبادرة “إثراء” محتوى التعايش على إنتاج وتسويق محتوى إيجابي يعزز من الروابط الإنسانية على “جوجل”، في الوقت الذي كانت تتصدَّر نتائج البحث في الأغلب للمحتوى السلبي، الذي يعزز الانقسام المجتمعي، ويبني جدارا فاصلا بين المسلمين وغيرهم، كما يقول العزعزي لموقع “بلقيس”.
ويضيف: “ناقشنا في المحتوى، الذي نقدِّمه، القضايا من زوايا إنسانية وأخلاقية ودينية وثقافية، واعتمدنا على معايير ‘جوجل’ لنتصدّر نتاج البحث، ونقوم بإزاحة المحتوى السلبي من تربّع صدارة النتائج، وقد حققنا الكثير من أهدافنا”.
ومن أبرز القضايا، التي تناولتها المبادرة، جواز تهنئة غير المسلمين في الأعياد والمناسبات، وحكم الترحّم على الموتى من أتباع الدِّيانات الأخرى، وتزامن النشر حول القضية الأخيرة مع جدل أثير حول جواز الترحم من عدمه على مراسلة قناة الجزيرة الصحفية الفلسطينية، شيرين أبو عاقلة، التي قتلت على أيدي الجيش الإسرائيلي أثناء أداء عملها.
ويُقر العزعزي بأن فكرة مبادرة “إثراء” ليست له، وتعود لشخص آخر يقطن في مناطق سيطرة مليشيا الحوثيين، كما يشير إلى أن الصحفي زيد الأصيل -عراقي الجنسية- يعمل إلى جانبه في إنتاج محتوى سمعي.
– أنشطة
ويستطرد: “إلى جانب نشاط المبادرة على ‘جوجل’، نفّذت مسابقة محتوى التعايش للصحفيين اليمنيين، بالتعاون بين المنظمة الإلكترونية للإعلام الإنساني (EOHM)، وبين أحد الصحفيين اليمنيين المتخرّجين في الدفعة الثانية من زمالة الصحافة للحوار، الذي اقترح تنفيذ المسابقة باسم مبادرة ‘إثراء’، ونتحفظ عن ذكر اسمه؛ لكونه يقيم في مناطق سيطرة مليشيا الحوثيين”.
وبعد رصد قرابة 50 سؤالاً، يهتم الباحثون بطرحها على ‘جوجل’، من المقرر أن تعمل المبادرة، العام القادم 2025، على إنتاج محتوى حولها ،كما ينوي القائمون على المبادرة تنفيذ برنامج تدريبي للصحفيين اليمنيين، وذلك حول آليات وتقنيات تسويق محتوى التعايش على ‘جوجل’، وتشكيل فريق من بين هؤلاء.
وتصدّر محتوى المبادرة، الذي ناقش الكثير من القضايا، صفحات ‘جوجل’. يوضح العزعزي أن “المبادرة أنتجت، منذ تأسيسها، قرابة 20 مقالا، وحظيت بعمليات بحث وقراءة واسعة”. ولفت إلى أن “متصفح ‘جوجل’ اقتبس من بعض المقالات نصا مميزا، ووضعه في أعلى النتائج”.
ويستنتج العزعزي، من واقع التقارير الشهرية الخاصة بزيارات الموقع، وجود ارتفاع ملحوظ في عددها، وذلك مقارنة بما كانت عليه قبل تدشين المبادرة، حيث سجل التقرير الخاص بزيارات شهر نوفمبر الماضي أكثر من 67100 زيارة.
– جائزة الإنجاز
وفي 13 ديسمبر الجاري، حصل الصحفي العزعزي على جائزة تقديرية خاصة، ضمن جوائز الإنجاز متعدّد الثقافات للعام 2024، التي تقدّمها وزارة الشؤون الأوروبية والدولية الاتحادية النمساوية، وذلك لنشاطه المتصل بتعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التعددية الدِّينية، والعيش معًا.
وتنافس على الجائزة، في نسختها الحادية عشرة، نحو 340 مشروعا، وحصلت 6 مشاريع على الجائزة بفئاتها الستة، فيما حصلت مبادرة “إثراء” على جائزة تقديرية خاصة، تسلمها العزعزي باسم المنظمة الإلكترونية للإعلام الإنساني (EOHM)، التي يديرها منذ العام 2020، بمعية صحفين ومهتمين في بناء ثقافة السلام.
وهنّأ مركز الصحافة للحوار (كايسيد) العزعزي؛ لحصوله على الجائزة، وذكر في تغريدة له، على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) أن جهود العزعزي الدؤوبة عززت، من خلال المنظمة التي يرأسها، الحوار بين الأديان والثقافات على الصعيد العالمي، مشيرا إلى أن هذا الاعتراف يعكس أيضًا قوة سرد القصص في الصحافة لتعزيز السلام والتعاون بين مختلف المجتمعات.
وعلى مِنصات التواصل الاجتماعي، قُوبل خبر فوز العزعزي بالجائزة بتفاعل وتداول واسع النِّطاق.