تقارير

العملات المعدنية الحوثية.. حلول ترقيعية وانهيار اقتصادي

في خطوة مثيرة للجدل، أقدمت سلطات الحوثيين غير المعترف بها على إصدار عملة معدنية جديدة من فئة 50 ريالاً وورقية من فئة 200ريال، وسط تحذيرات اقتصادية من تداعيات هذه الخطوة على الوضع المالي المتدهور أصلاً في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، ويأتي هذا الإصدار في وقت يعاني فيه اليمن من انقسام نقدي حاد، حيث تتداول عملتان إحداهما صادرة عن البنك المركزي الرئيسي في عدن وهو المعترف به دولياً، والأخرى تحت سيطرة الانقلابيين الحوثيين في صنعاء.

حلول ترقيعية

يشير الاقتصاديون إلى أن إصدار العملات الجديدة هو محاولة لسد فجوة السيولة النقدية التي تعاني منها المناطق الخاضعة للحوثيين، مما أدى إلى تضخم حاد وانخفاض القيمة الشرائية، لكن هذه الخطوة، رغم أنها قد توفر حلاً مؤقتاً، إلا أنها تفتقر إلى الأسس الاقتصادية السليمة، وستؤدي إلى مزيد من التدهور على المدى البعيد.

في هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي ياسين الأبرقي (أستاذ سابق في كلية التجارة جامعة صنعاء)لموقع الوعل اليمني: “إصدار العملات محاولة يائسة لإنقاذ نظام نقدي منهار وحل غير مدروس ولا يمتلك أي ركائز اقتصادية سليمة، لان العملة تحتاج إلى ثقة وقوة اقتصادية تدعمها، وغياب ذلك يعني أن هذه الخطوة ستزيد من التضخم وتضعف الثقة بالعملة المحلية.”

مضيفا: “المشكلة الأساسية ليست في شكل العملة بل في غياب السياسات النقدية الفعالة وانهيار الإنتاج المحلي، وطباعة العملة دون غطاء سيؤدي إلى مزيد من التضخم، لأنها ببساطة مجرد أوراق – أو معادن في هذه الحالة – مطبوعة دون أي قيمة حقيقية”.

وتابع الأبرقي :” المواطن اليمني يعاني والريال فقد أكثر من 80% من قيمته وإصدار عملة معدنية أو ورقية لن يوقف هذا الانهيار بل سيزيد من تشتت السوق ويخلق فوضى نقدية جديدة، الأزمة تحتاج إلى حلول جذرية مثل وقف الحرب، وإعادة توحيد السياسة النقدية، وضخ سيولة حقيقية مدعومة باحتياطيات أجنبية، وليس إلى إجراءات ترقيعية تزيد الطين بلة.”

تضخم متسارع

وتعاني المناطق الخاضعة للحوثيين من تضخم غير مسبوق، حيث فقد الريال اليمني أكثر من ثلثي قيمته الشرائية بسبب انعدام الإنتاج المحلي وتراجع الصادرات؛ ما سيزيد من ضغوط التضخم، وفقاً لتحذيرات الخبراء.
يقول أستاذ النظم المالية بجامعة تعز أ. أمين الورد لموقع الوعل اليمني: ما تقوم به سلطات الأمر الواقع في صنعاء هو استمرار لسياسة التمويل العشوائي عبر طباعة النقد دون أي اعتبار للعواقب الاقتصادية، العملة المطبوعة قد توفر سيولة سريعة في السوق لكنها على المدى المتوسط والبعيد ستزيد من معدلات التضخم وتضعف ثقة المواطنين بالعملة المحلية.”

وأردف قائلا:” المشكلة الأكبر هي أن هذه الخطوة تأتي في ظل غياب أي رقابة أو سياسات نقدية واضحة خاصة ان البنك المركزي في صنعاء فقد استقلاليته وأصبح أداة لتمويل الميليشيا وليس لضبط الاستقرار المالي، اليمن بحاجة إلى إصلاح نقدي حقيقي يعيد هيكلة النظام المصرفي ويوقف سياسة التمويل عبر الطباعة العشوائية، بدون ذلك، سنشهد مزيداً من الانهيار في القوة الشرائية للمواطنين، وربما دخول البلاد في موجة تضخم جامح لا يمكن السيطرة عليها.”

كارثة اجتماعية

ومع استمرار الانقسام النقدي بين صنعاء وعدن تتعمق معاناة المواطنين وزادت صعوبة المعاملات اليومية وخلقت حالة من الفوضى في الأسواق، وجعل العملة المحلية عرضة للتزوير وفقدت قيمتها الفعلية، ويحذر المحلل الاقتصادي أحمد النصف من أن “الانقسام النقدي بين صنعاء وعدن هو أحد أخطر التحديات التي تواجه الاقتصاد اليمني اليوم، وإصدار عملة جديدة من طرف واحد دون تنسيق مع البنك المركزي المعترف به دولياً، يعني تعميق هذا الانقسام وخلق سوقين نقديين منفصلين، مما يزيد من معاناة المواطن ويُصعب أي جهود لإعادة التوحيد في المستقبل.

ويضيف :” في ظل غياب السيادة النقدية الموحدة عندما يكون لديك عملتان مع فارق كبير في القيمة، فإن ذلك يخلق فوضى في الأسعار ويشجع على المضاربة والتهريب، لذلك يمكن القول ان الأزمة الاقتصادية في اليمن هي نتاج أزمة سياسية بالدرجة الأولى والحل يجب أن يبدأ بوقف الحرب وإعادة بناء الثقة في النظام النقدي، والخطر الأكبر هو أن تستمر سلطات صنعاء في سياسة الإصدار النقدي العشوائي، مما قد يؤدي إلى انهيار كامل للريال اليمني، وتحويل الأزمة الاقتصادية إلى مجاعة مالية”.

زر الذهاب إلى الأعلى