مقالات
أخر الأخبار

العودة مجددا لصفقة القرن!

بقلم: سليم عزوز
بقلم: سليم عزوز

ترامب “سيرهق الوجدان العام في البداية لتصوره أن الأجواء مناسبة لتحقيق الصفقة، لكن سيتحقق له عدم قدرته على فرض دولة بديلة على الفلسطينيين”- عربي21 (أرشيفية)

ماذا عن صفقة القرن، وترامب في طريقه للبيت الأبيض؟!

أول مرة سمعنا فيها عن هذا المصطلح؛ “صفقة القرن”، كان على لسان عبد الفتاح السيسي، في لقاء جمعه بالرئيس الأمريكي المعجب باستبداده دونالد ترامب، والجنرال يقول له إنه سيكون تحت أمره في تنفيذ “صفقة القرن”، ولم يوضح مقصده حتى الآن. يومئذ حتى قيادات حماس أنفسهم كانوا لا يعرفون شيئا عن هذا الموضوع، إلى أن توصلنا إلى أن هناك مخططا لوطن بديل للفلسطينيين، ومع تفاصيل مختلفة، تبدو كما لو كانت تعبر عن سيناريوهات عدة، فالصفقة ليست قولا واحدا، إلا من حيث هذا الوطن الفلسطيني!

في وقت لاحق شكك الجنرال في الموضوع برمته، وكأنه لم يكن هو من قاله، لكن بدا أن تشكيكه كان مؤشرا على أن الإدارة الأمريكية قد “صرفت نظرا” عن الصفقة، لاستحالة تنفيذها، ولأن هناك طرفا مهما فيها لن يوافق عليها، وهو المعني بها، أقصد الجانب الفلسطيني!

وفي كتاب “الحرب” لمؤلفه الصحفي المرموق “بوب وودوارد”، ذكر أن المخطط مع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، كان الدفع بالفلسطينيين لعبور الحدود المصرية، من هول القصف، وهو أمر لم يحدث، لأنه من الواضح أنه مخطط منفرد لإسرائيل، فواشنطن لم تكن حاضرة في هذا التصور، وترامب الذي كان في مرحلة سابقة يتبنى الصفقة خارج البيت الأبيض، وبجانب أن الرفض المصري سيكون واسعا، فإنه لا بد أن تكون للمساهمة بنصيب الأسد في الصفقة ثمنا، ونتنياهو يريد فرض سياسة الأمر الواقع!

وقد ذكرت سابقا هنا أن الوطن الفلسطيني البديل فكرة لها جذورها التاريخية، ويمكن الوقوف عليها من خلال مذكرات رئيس الحكومة في عهد ما قبل ثورة 1952، النقراشي باشا، وقد أبلى الرجل بلاء حسنا في الوقوف ضد الفكرة، مع أنها لم تكن دائما حلا على حساب المصريين، ففي إحدى المرات كان مطروحا إقامة دولة فلسطينية في العراق!

وكان ينبغي أن نعلم أن الجانب الإسرائيلي لا يزال يحلم بتنفيذ صفقة القرن، فماذا والراعي الرسمي للفكرة على بعد خطوات من البيت الأبيض؟!

تعويم نتنياهو:

إن الظروف في السابق لم تكن مواتية، وتبدو الفرصة سانحة الآن لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد!

فلم يتمكن بايدن من تتويج نهاية رحلته السياسية بإنجاز وقف إطلاق النار، والانتصار الكامل لإسرائيل، ليحقق لها بالمفاوضات ما لم تحققه بالحرب. والسبب الحقيقي في الفشل هو استخفاف نتنياهو به، واستهيافه إياه، لكن الأمر مختلف مع ترامب، الذي سيكون مهتما بتحقيق إنجاز بوقف إطلاق النار والتوصل لاتفاق سيحرر به الأسرى الإسرائيليين، لكن ثمن هذا سيكون تعويم نتنياهو، الذي وجد مستقبله العسكري في استمرار الحرب، ما دام لم يحقق نصرا ساحقا، ولم تحقق حربه أهدافها!

وفي المقابل، فحرب الإبادة التي يتعرض لها القطاع ستمكن ترامب من أن يملي شروطه مقابل وقف إطلاق النار، حيث يبدو مطلب عزل حركة حماس عن الحكم واردة، ولا يبدو أن الحركة تمانع في ذلك، ولديها تجربة سابقة في استقبال رئيس للحكومة الفلسطينية في القطاع، وذلك قبل سنوات من طوفان الأقصى، ولا أعتقد أن لقاءات القاهرة مع ممثلين للسلطة بعيدة عن الاتفاق على استلامها المهام في القطاع بعد أن تسكت المدافع!

فغزة تحتاج إلى الإعمار، وإزالة آثار العدوان، وهذا يحتاج لمساعدات كبيرة، ولسنوات من العمل الجاد، والمؤكد أنه لن يكون جادا طيلة الوقت!

وعندما نقرأ تسريبا عن أن إسرائيل طلبت من السلطات المصرية أن يتولى الجيش المصري تدريب قوات السلطة انتظارا للمهمة القادمة في القطاع، عندئذ نعلم مآلات الأمور!

الساقطة واللاقطة:

إن محمود عباس (أبو مازن) يبدو دائما في انتظار “الساقطة واللاقطة”، ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي وهو يبدي استعداده لتولي الحكم في قطاع غزة، وهو الطلب الذي رفضته إسرائيل، لكن في النهاية فإن فكرة الاحتلال ليست واردة، والإجراء الأسلم هو استلام السلطة الفلسطينية للحكم، ولديها سابقة أعمال في حفظ الأمن لصالح إسرائيل، فلا معنى لعناد نتنياهو وهو لا يملك تقرير المصير، فله خطاب في العلن وإجراء مختلف على الأرض، وهو ما كشفه هذا التسريب!

ورغم تحقيق المقاومة في القطاع وفي جنوب لبنان نجاحات كبيرة مؤخرا، فإن وقف إطلاق النار مطلبها هنا وهناك، والتعنت خلال عام مضى هو من الجانب الإسرائيلي، حيث تجد الحكومة أن أمانها السياسي في استمرار الحرب، ولو قُتل الأسرى جميعهم!

ومن هنا فإن ترامب مع قدرته على إخضاع نتنياهو لن يجد ما يعكر صفوه، ويمنعه من تحقيق الإنجاز السريع بوقف إطلاق النار وإنجاز ما فشل بادين في إنجازه، وليس هناك ما يمنع من العودة للتفكير في مشروع صفقة القرن مجددا.

بيد أن طريقه لن يكون أخضر تماما، فأن تكون سيناء جزءا من الدولة الفلسطينية المحتملة هو أمر لن يقبله الشعب المصري، الذي قاوم فكرة الوطن البديل للفلسطينيين، وفي فترة كانت مصر نفسها واقعة تحت الاحتلال الإنجليزي!

ولا يبدو في التصور العام هذه المرة أن هناك خيارات مفتوحة لصفقة القرن، بعيدا عن سيناء، كما كان الحال قبل ثورة 1952، إذ كان هناك أكثر من خيار، تم رفضها جميعها! هذا فضلا عن أن شعب فلسطين الذي مورست ضده الإبادة الجماعية والتجويع في غزة، ولم يحقق المخطط الإسرائيلي بالتدافع نحو الحدود المصرية، لن يكون لقمة سائغة لتنفيذ مخطط أكد مؤلف كتاب “الحرب” أنه لا يزال قائما، وقد عاد الأب الروحي للفكرة ترامب إلى الحكم مجددا!

خطورة ترامب:

يبدو ترامب مخيفا للبعض هذه المرة، وكأنهم حذفوا سنتين كاملتين من رئاسته، ولم يبق في أذهانهم إلا صورة الفتى الطائش في أيامه الأولى للحكم، فيمارس الابتزاز، ويتمادى في وقاحته، على النحو الذي فعله على الهواء مباشرة مع الملك السعودي، لكن هذا كان في البداية وقد أسقطنا عامين بدا فيهما عاقلا وليس موتورا.

إنه نموذج حي لفتوة الحارة، وقد جعل من العالم على اتساعه مجرد حارة، هو فتوتها الأوحد، فوزع تهديداته يمينا ويسارا، لكنه كأي فتوة غير حقيقي، سرعان ما جرى له تعديل مسار، فقد هدد أردوغان ثم تحول إلى صديق له، وبدا كما لو كان قادرا على إسقاط زعيم كوريا الشمالية، ثم خضع له بالقول!

ولأنه يريد أن يبدو أمام الناخب الأمريكي الشعبوي مثله أنه قادر على ابتزاز العالم، فقد يبدأ من جديد في هذه السياسة، وجانب من ذلك سيكون مرده إلى قدرته على جمع المال لإرضاء الناخب، ولن يحقق كثيرا من ذلك لأن السعودية مثلا لم تعد في مرمى التهديدات الخارجية كما كان الحال من قبل، وقد حدث تقارب مع إيران، وكان لافتا أنه بعد إعلان فوز ترامب، أن رئيس هيئة الأركان السعودي يزور طهران!

وبكل تأكيد ستكون هناك محاولات للتعامل معه بحسبانه تاجر، اتقاء لشره، لكن الحال قبل أربع سنوات يختلف بدرجة ما عما عليه الآن، وإذا كان قد “صرف نظر” عن صفقة القرن في نهاية ولايته الأولى، فإن سيعيد الكرّة هذه المرة، والشعب الفلسطيني مثخن بالجراح، وسيرهق الوجدان العام في البداية لتصوره أن الأجواء مناسبة لتحقيق الصفقة، لكن سيتحقق له عدم قدرته على فرض دولة بديلة على الفلسطينيين.

ليته يعقلها مبكرا.

زر الذهاب إلى الأعلى