الكارثة الصامتة: تدهور القطاع الصحي في مناطق سيطرة الحوثيين

تقرير خاص
في ظل حرب مستمرة وانفلات غير مسبوق، تحوّل القطاع الصحي في مناطق سيطرة الحوثيين إلى “شبه مدمر” حيث تعاني المستشفيات من نقص حاد في الأدوية والمعدات، ويعيش السكان على وقع أزمات متتالية تهدد حياتهم يومياً، وفقاً لإحصائيات مستقاة من مصادر طبية محلية، فإن أكثر من 80% من المرافق الصحية في هذه المناطق تعمل بأقل من نصف طاقتها، فيما توقفت نحو 30% من المستشفيات تماماً عن تقديم الخدمات الأساسية بسبب نقص الدعم الحكومي والخارجي.
كارثة إنسانية
أحد الأطباء العاملين في مستشفى الجمهوري بصنعاء، والذي طلب عدم ذكر اسمه خشية الملاحقة، قال للوعل اليمني إن “الأوضاع وصلت إلى مرحلة الكارثة الإنسانية”، موضحاً أن “نقص الأدوية الأساسية مثل المضادات الحيوية وأدوية الأمراض المزمنة يتسبب في وفيات يمكن تجنبها يومياً”، وأضاف أن “معدل الوفيات بين الأطفال بسبب سوء التغذية والأمراض المعدية ارتفع بنسبة 65% مقارنة بالسنوات السابقة، بينما تعاني النساء من صعوبات كبيرة في الوصول إلى رعاية التوليد الآمن”.
أما بالنسبة للأمراض المعدية، فإن تقارير تشير إلى عودة تفشي الكوليرا والدفتيريا والحصبة بشكل كبير، مع تسجيل أكثر من 120 ألف حالة اشتباه بالكوليرا منذ بداية العام 2024، ووفاة ما لا يقل عن 600 حالة بسبب عدم توفر المحاليل الوريدية والأدوية اللازمة، أحد العاملين في منظمة صحية دولية، رفض أيضاً ذكر اسمه بسبب القيود المفروضة على عمل المنظمات، أكد أن “الحوثيين يعيقون وصول المساعدات الطبية إلى بعض المناطق، مما يفاقم الأزمة”، مشيراً إلى أن “نسبة التلقيح ضد الأمراض المعدية انخفضت إلى أقل من 40%، مما يهدد بانتشار أوبئة جديدة”.
انهيار شبه تام
وفيما يخص البنية التحتية، فإن انهيار الدعم وهجرة الكوادر المتخصصة وعدم توفير الرواتب أدى إلى خلو المستشفيات من الكفاءات وبالتالي تعطيل معظم أجهزة الأشعة والمختبرات الطبية، كما أن نقص المياه النظيفة في المستشفيات يجعل العدوى المكتسبة داخل المرافق الصحية خطراً دائماً، طبيب جراح في مستشفى الثورة بصنعاء، طلب عدم الكشف عن هويته، قال لموقع الوعل اليمني إن “العمليات الجراحية العاجلة تُؤجل لأيام بسبب ازدحام المرضى وقلة الأطباء ، والعديد من المرضى يموتون وهم ينتظرون دورهم”.
الصحة النفسية
أما “الصحة النفسية” فهي الجانب الأكثر إهمالاً، حيث يعاني آلاف المدنيين من صدمات الحرب دون أي دعم نفسي يذكر، أحد الأخصائيين النفسيين العاملين في وزارة الصحة ذكر أن “أكثر من 60% من السكان في المناطق المتضررة يعانون من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق الحاد، لكن لا توجد أي خدمات متاحة لعلاجهم”.
وفي ظل هذا الانهيار، تزداد معاناة المرضى الذين يعتمدون على أدوية الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط، حيث أصبحت الصيدليات تبيع الأدوية بأسعار خيالية بسبب شحها، مما يجعلها بعيدة عن متناول معظم السكان، مريض سكري من صنعاء قال إنه “يضطر إلى تقليل جرعة الإنسولين لأنه لا يستطيع شراء الكمية الكافية”، بينما ذكرت سيدة مسنة تدعى ” عائشة” أنها “تبيع الخبز والكعك لتشتري أدوية قلبها”.
اليوم، وفي ظل صمت دولي مطبق، يبدو أن سكان هذه المناطق يعيشون في معاناة لا نهاية لها، حيث تحولت الحياة إلى معركة يومية من أجل البقاء، والسيناريو الأكثر قتامة هو أن الأزمة ستتفاقم إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة لإنقاذ ما تبقى من القطاع الصحي قبل فوات الأوان.