ثقافة وفكر
أخر الأخبار

الكره ضد الجمال.. وكلّ الجِهاتِ جَنوب

إعداد وتحرير: صباح جلّول

الآن وهنا، نذكِّر أنفسنا أن هذه معركة الجمال في وجه القباحة، من غزة إلى لبنان، وأن الاحتلال إنما يحيل جمال بلادنا دماراً لأنه يكره قبح ذاته ويعتقد أنه بذلك يسلب البلاد جمالها. لكن البلاد، خضراء، جرداء، محروقة.. جميلة لأنها تقاوم..

قالوا “اجتياح”. سيجتاح جيش الاحتلال الإسرائيلي، الإبادي والاستعماري التوسّعي، جنوب لبنان من جديد، هكذا توعّدوا. وضعوا خرائط ترسم خطوطاً ومربّعات، وقالوا: إخلاء. فقصف ودمار وتمشيط وأحزمة نارية، فألويةٌ معادية تتجمع على حدود البلاد الجنوبية متأهبة لدخول “الضيع” (القرى). وقالت القرى “ولا دونم واحد، ولا متر واحد”.

قالوا “اجتياح”، وأحرقوا السهوب والتلال، ورمّدوا الشجر، وقبّعوا البيوت الدافئة في الجنوب، وقالت القرى “ولا متر”، وصدّت بمقاومة أبنائها محاولات الغزو. عصت القرى على أعتى جيش في المنطقة، وأكثرهم بربرية، منذ بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الحالي حتى اللحظة. احتُلّت القرى من قبل، وقاتلتْ ودحرته، وقالت “ولا متر”، ورأى العالم ذلك ووعاه. وإن دخلها الجيش المحتل مرة أخرى، فتعيد الكرّة وتقول، كما قالت أيضاً عندما كانت محتلة، “ولا متر”. فتلك تعني أن المبدأ هو المقاومة حتى آخر خطوة من البلاد، إن دخلوا أم لم يدخلوا في القادم من الأيام، إن أحرقوا القرى الوادعة وقتلوا خيرة أهلها أو أبعدوهم عنوة، إن تقدّم جيشهم الهمجي أم تقهقر، “ولا متر” سيكون لهم من قبل ومن بعد، وحتى أثناء احتلالهم، هكذا يقول السهل، تقول الجدّات، تقول الشجرة، يقول النهر، تقول المدن، تقول الساحة، يقول الجبل… يقول هذا الجمال لذاك القبح: لا شيءَ لكَ عندنا، فانصرِف…

***

الآن وهنا، نذكِّر أنفسنا أن هذه معركة الجمال في وجه القباحة، من غزة إلى لبنان، وأن الاحتلال إنما يحيل جمال بلادنا دماراً لأنه يكره قبح ذاته ويعتقد أنه بذلك يسلب البلاد جمالها. لكن البلاد، خضراء، جرداء، محروقة.. جميلة لأنها تقاوم..

C:\Users\Sabah\Desktop\الجنوب\أرنون.. القرية والقلعة.jpg
أرنون.. القرية والقلعة. وقلعة الشقيف (أرنون)، من الآثار الرومانية التي زاد عليها الصليبيون، تتربع على شيرٍ صخري شاهق يطلّ على نهر الليطاني وسهل مرجعيون في جنوب لبنان.
أرنون.. القرية والقلعة. وقلعة الشقيف (أرنون)، من الآثار الرومانية التي زاد عليها الصليبيون، تتربع على شيرٍ صخري شاهق يطلّ على نهر الليطاني وسهل مرجعيون في جنوب لبنان.

صمد فيها وقاتل دفاعاً عنها وعن الجنوب، واستشهد فوق روابيها عشرات المناضلين اللبنانيين والفلسطينيين، من كل الانتماءات، وكان ذلك في العام 1978، عند الاجتياح الأول للجنوب الذي أسماه الاسرائيليون “عملية الليطاني”. وهي دائماً كانت مطمع جيش الاحتلال الذي احتلها عام 1982 ودمر وخرّب أجزاء كبيرة منها. تحررت القلعة عام 2000 وصارت مزاراً للناس.

على مرمى حجر من القلعة المهيبة، تقع قرية رقيقة حاصرها جيش الاحتلال في شباط / فبراير من عام 1999، فزنّرها بالأسلاك الشائكة وعزلها عن كل القرى المجاورة ومنع سكانها من الحركة، فيما تمترس جيش الاحتلال في القلعة. بعدها بأيام، أقام طلاب لبنانيون مسيرة شعبية لفك الحصار عن القرية، فأخذتهم الحمية بأن بدأوا بإزالة الأسلاك الشائكة بأنفسهم ودخلوا القرية محررين إياها بفرحٍ كبير: “وصلنا أرنون وقلوب العالم مَعنا / دخلنا أرنون، لا خفنا ولا تراجعنا/ لا حملنا أعلام، لا تصوّرنا ولا رفعنا/ إلّا أرنون: الكلمة النغمة والمَعنى”، (من كلمات أغنية “خالد الهبر”، “أرنون”) .

لم يكونوا يعلمون حينها أن تحرير جنوب لبنان كان على بعد عامٍ واحد عنهم، في أيار/ مايو 2000..

عربصاليم، درّة ممتدة تحت الجبل الرفيع، حيث سقط أبناء القرى وشرب الجبل روحهم، فاكتسى “شجراً جارياً نحو صيف الحقول”، كما تقول قصيدة الشاعر حسن العبدالله.

ميناء صور البحري، المدينة الضاربة في عمق التاريخ، المفتوحة على أفق البحر. لجأ إليها أهل القرى الحدودية، ولم تسلم بدورها من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة منذ بداية هذه الحرب.

قرية العيشية وجبل الريحان

سهل مرجعيون

تلال المحمودية.. مما تكرهه “إسرائيل” أيضاً.. من أرض “جبل عامل” التي كتب فيها يوماً الشاعر حبيب صادق، “أفديك بالأيام لمْ تشِبِ، أفديكِ بالأقمار لم تغبِ”.

النبطية عاصمة جبل عامل

قرى ومدن وقصص ضاربة في التاريخ والحاضر.. والمستقبل! لها المستقبل، وللمستعمِر لا شيء، “ولا متر” واحد.

السفير العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى