Blog

المرأة الريفية فصول من المعاناة وحرب اثقلت كاهلها

لاتزال ثقافة إنكار وتهميش وجود النساء ومنعهن من ابداء رأيهن شائعة في المجتمع اليمني حتى اليوم، خصوصا في المناطق الريفية، حيث ترتفع نسبة الأمية ويتفشى الجهل وتسيد العادات والتقاليد التي تنتقص من قدر المرأة.فالتنشئة الاجتماعية في الأرياف جعلت الرجال يعتقدون أنهم أدرى بمصلحة المرأة من نفسها. جعلوا أنفسهم أوصياء عليها، مما أدى إلى تضييع حقها في اتخاذ القرار، وجعل العنصر الأساسي في أخذ رأيها مفقودا في بناء المجتمع السليم القائم على المشاركة المتساوية والعادلة.
ظروف قاسية:
ليست الحرب وحدها من فاقمت من معاناة المرأة الريفية في اليمن، بل جاءت لتضاعف المعاناة المريرة للنساء اليمنيات، وتجعلهن يعشن بين سندان العادات والتقاليد ومِطرقة الحرب والنزاعات، يتجرعن قساوة الظروف المعيشية القاسية، وويلات العادات المجتمعية السائدة.
حيث أدى استمرار الصراع في اليمن منذُ مارس/ آذار 2015، إلى زيادة الفقر والتشرد وانعدام الأمن الغذائي، مع انقطاع الرواتب، وتسريح أغلب الموظفين من أعمالهم، مما تسبب في التحاق الكثير من الشباب في جبهات القتال مع أطراف النزاع، وخاصة من المجتمعات الريفية الفقيرة، وأصبحوا وقودًا للنزاع، وهذا ما شكل عبئًا آخر للكثير من النساء الريفيات، اللاتي وجدنَ أنفسهن في زاوية محصورة بين العناء ومشقة تحمل المسؤولية الكاملة، في ظل ظروف قاسية، وعادات وتقاليد مجتمعية سائدة
تقول نبيله حميد “40 عاما ” تقوم المرأة الريفية بممارسة أعمال تحتاج إلى جهد كبير، يفوق قدراتها أحيانًا، خصوصًا فيما يتعلق بحمل الأحطاب والأعلاف والمحاصيل الزراعية وجالونات المياه وأسطوانات الغاز، إضافة إلى حمل المواد الغذائية من الأسواق الرئيسة في القرى والمنازل، علاوةً على أنها تشارك الرجل أعمال البناء والترميم، وحمل الأحجار وتكسيرها، ونقل ما يحتاجه البناء من أخشاب ونوافذ وأبواب، خصوصًا في المناطق التي تشتكي من وعورة الطرقات.
نساء في ريف ريمه يتحملن المشاق وأنهن يقطعن أكثر من 6 كيلومترات مشيًا على الأقدام حاملات الماء على رؤوسهن حتى يصلن إلى منازلهن
تقول زهور علي “20 عاما” تعمل ليل نهار في مزرعة زوجها، الواقعة في منطقة كسمه، وكانت تعمل أيضاً في مزرعة والدها في قرية مجاورة ,وقالت: “بالتالي، أفنيت عمري بين الزراعة ومخلّفات الأبقار والأغنام، من دون أن أتلقّى نظير كل هذه الجهود سوى القليل، الذي بالكاد يسد حاجتي وحاجة أولادي، من أكل وملابس وغير ذلك من متطلبات الحياة البسيطة
ومن جهتها تقول غادة السقاف ناشطه” “ضاعفت الحرب معاناة المرأة اليمنية بشكل عام، أما المرأة الريفية فإلى جانب أعمالها ضاعف انعدام الخدمات العبء عليها إذا أصبحت مشقتها أكثر مما كانت عليه”.
وتضيف” تتحمل المرأة الريفية مشقات كبيرة منها جلب الماء من البئر ونقل الحطب والرعي في الوديان إضافة لأعمالها المنزلية التي تكلف بها كونها أم وربة أسرة”.
وفي السياق تشير الناشطة الحقوقية “إشراق المقطري” إلى أن الظروف الاقتصادية كانت الضربة الأقوى في إرهاق المرأة الريفية وزياد معاناتها، فهي ترى نفسها مسئولة عن توفير الغذاء والماء واضطرت للعودة للطرق القديمة في تأمين أسرتها معيشيا، عند حد تعبيرها
ثقل الحرب:
لخصت صباح حديثها عن معاناتها اليومية، فقالت: “أعمل ليل نهار. أستيقظ كل يوم في الثالثة فجراً. أنظف منزلي وأطهو ثم أخرج للعمل في الخامسة في المزرعة. في بعض الأحيان تكون يوميتنا من السادسة فجراً حتى الخامسة عصراً أو نصف نهار، أي من السابعة صباحاً مثلاً حتى الثانية ظهراً”. وأضافت: “اعود يستحم زوجي ويجلس ليرتاح. بينما أجهز أنا الطعام، وأنظف المنزل وأغسل الملابس ثم أنام نحو ست ساعات قبل تكرار ذلك كله في اليوم التالي
تضيف صباح قتل زوحي في الحرب قبل اربع سنوات وتحملت كل المعاناة , اولادي وتوفير كل متطلبات الحياه اثقلت الحرب كاهلي
في مديرية بني مطر، غربي صنعاء، تقول سيدة (40 عاماً) وتعول خمسة أطفال إن زوجها قُتل في الحرب إلى جانب الحوثيين “لدينا أغنام، وبقرة، وأرض زراعية (زراعة اللوز)، أقوم بتربية المواشية وتفقد الزراعة وبيعها في السوق للإنفاق على العائلة”.
وتضيف ” يساعدني ابني الأكبر (18 عاماً) في القيام بالمهام، وأبنائي يرتادون المدرسة الحكومية الوحيدة، واحاول ارسال ابني الابن الأكبر للجامعة في صنعاء “لن ينفعهم سوى المدرسة حتى لو كانت سيئة
“حياتنا كلها مشقة وتعب، نحن نساء الريف تفاقمت معاناتنا وزادت همومنا، إذ باتت المرأة الريفية في اليمن تحمل همومًا لا حصر لها، إلى جانب التهميش والظلم الذي تعيشه من قبل الحرب وحرمانها الكثير من الفرص والحقوق”، هذا ما قالته ليّ “فطوم”، امرأة في نهاية الثلاثينات من عمرها من ريف إب، وسط اليمن، في حديثها “إذ عكس صوتُها المرتجف حزنًا وآلامًا وخوفًا تعيشه النساء اليمنيات في الريف بشكل يومي.
وبحسرة امرأة في مقتبل العمر استطردت فطوم: “نغادر أنا ورفيقاتي صوب المزرعة مع طلوع أول خيوط شمس الصباح حاملات معنا كل العدة اللازمة لبدء العمل في الوديان وبين الأشجار والمحاصيل الزراعية، نقوم بنقل المياه بطرق بدائية، ونجتاز مسافات طويلة كي نحصل على المياه والحطب، ولكن لا بد لنا من العمل وإن كانت مهنة الفلاحة غاية في الصعوبة، نعمل كي نعيل أسرنا، ونتحمل المشقة والتعب والجهد في سبيل بحثنا عن لقمة العيش، وكي نسد رمق أطفالنا وكبار السن فينا”.
تلتقط أنفاسها لتواصل الحديث: “نكابد الحياة ونتحمل النصيب الأكبر من كارثة الحرب، وحتى لو استقرت البلاد وصار بإمكاننا استقدام فلاحين للعمل في الأرض، سأظل أعمل فلاحة”، مشيرة إلى أنها انسجمت مع بيئتها الحالية ولا ترغب في استبدالها.
من أبرز التحديات الرئيسية الماثلة أمام الريفيات اللاتي يكافحن من أجل إطعام أسرهن من خلال الزراعة وتربية الحيوانات، كما تقول سهى باشرين، استشارية في مجال النوع الاجتماعي. ويعصف انعدام الأمن الغذائي بـ 80 بالمائة من سكان البلاد، وفق تقديرات الأمم المتحدة، غالبيتهم يعيشون في الريف، ولا يعلمون من أين ستأتي وجبتهم التالية، بحسب إفادة باشرين الناشطة في مبادرات مدنية ونسوية من بينها التوافق اليمني النسوي من أجل الأمن والسلام (آلية استشارية تُدار من قبل هيئة الأمم المتحدة للمرأة). وساهم النزوح وانعدام القدرة الشرائية لمستلزمات الزراعة، وضعف الإرشاد والتوجيه، في تدهور أو تناقص المساحة الزراعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى