تقارير

المرأة اليمنية في فكر الحوثي.. بين التمييز والعنصرية

تقرير خاص

في أحد ملازم حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس جماعة الحوثي يقول: “الشريفة كاللؤلؤة المخفية، وحجبها عن الأعين حفظٌ لجوهرها النفيس، أما غيرهن فلا يُقاسون بمقياس الأشراف”.
هذا النص، يختزل فلسفة عميقة داخل المنظومة الفكرية للحوثيين، حيث تُصنف النساء إلى طبقات وتُفرض عليهن التشريعات بناءً على انتماءاتهن العائلية، لا على مبدأ المساواة أو القيم الدينية الجامعة.

وتجسدت هذه الفلسفة مؤخرًا في تصريحات “محمد عبدالعظيم الحوثي”، أحد أبرز علماء الجماعة، الذي أعلن أن الحجاب واجبٌ على “الهاشميات” فقط، بينما يُترك لغيرهن الخيار، حد قوله، هذه التصريحات أثارت عاصفة من الجدل وكشفت عن بعد خطيرٍ في الفكر الحوثي العنصري، واسترخاص كرامة المرأة اليمنية غير الهاشمية.

ردود غاضبة

لم تكن كلمات المدعو “محمد عبدالعظيم الحوثي” تصريحات عابرة بل جاءت في خطبة رسمية امام حشد من رموز الطائفة الجارودية، مُعلنا أن “نساء أهل البيت الشريفات يجب عليهن الحجاب الكامل، أما غيرهن من اليمنيات فليس عليهن حرج في تركها”، وفجّر موجة استنكار واسعة ليس فقط من قبل الناشطات، بل حتى من رجال الدين والمفكرين الذين رأوا في الأمر استهانة صارخة بمبدأ العدل الإسلامي.

الشيخ “عبدالرحمن العمودي” إمام مسجد زيدي معتدل، علّق قائلًا لموقع “الوعل اليمني” الدين لم يفرق بين امرأة وأخرى ولا يُجيز لبعض النساء ما يحرمه على أخريات، فهذا تحريف للشريعة وتلاعب بمقاصدها”، بينما وصفت الطالبة الجامعية “أمل الشرعبي” التصريح بأنه “تكريس لعنصرية مقيتة، تريد أن تجعل من المرأة التي تصف نفسها بالهاشمية” الشريفات” قيمة عليا، وتُخفض من شأن باقي اليمنيات والإسلام أساسا نزل ليحرم التمييز على أساس اللون والعرق”.

الجذور التاريخية

وللتمييز بين النساء بناءً على النسب جذور عميقة في الأدبيات الحوثية، فمنذ تأسيس الجماعة عملت على الترويج لفكرة “أفضلية آل البيت” على باقي اليمنيين، في المجال الديني وحتى في الحقوق الاجتماعية، وجاء في بعض مؤلفات أئمة الجارودية ومنهم “عبدالله بن حمزة” أن النساء الهاشميات يُمنعن من الزواج من غير الهاشميين، حفاظًا على نقاء السلالة”، بينما يُسمح للرجال الهاشميين بالزواج من غيرهم.

ويرى الباحثون في الشؤون الدينية، أن هذه الأفكار مستوحاة من تفسيرات متطرفة لبعض المرويات التاريخية، تم تحريفها لتخدم هرمية اجتماعية تضع الهاشميين دون غيرهم في القمة”. مشيرين إلى أن الحوثيون حولوا الدين إلى نظام طبقي، تُفرض فيه الامتيازات والعبادات وفقًا للانتماء العائلي.

استغلال وتهميش

الأخطر في هذه التصريحات هو إرساؤها لثقافة ازدواجية تُعلي من شأن فئة على حساب أخرى، فهي تفرض قيودا صارمة على الهاشميات بغرض الحفاظ عليهن، وتترك باقي اليمنيات أمام خيارات قد تُستخدم كأداة لاستغلالهن، تقول ر. القباطي، إحدى الناجيات من سجون الحوثيين لموقع الوعل اليمني أن “فرض خلع الحجاب أمر معروف ومؤكد في سجون الحوثيين كشكل من أشكال الإذلال المتعمد، إلا في حال كانت المعتقلة هاشمية”.

هذه الازدواجية تكشف عن نظرة الحوثيين للمرأة كأداة لا ككيان مستقل، فالهاشمية تُحجب حد قول عبدالعظيم كـ”الجوهرة ثمينة”، وبالتالي فإن غير الهاشمية قد تُترك كالسلعة المتاحة، وهذا ما يؤكده المحلل الاجتماعي زيد القاضي قائلا: “هذا الخطاب العنصري المقيت يكرّس صورة مهينة للمرأة اليمنية سواءً بالحجاب أو بدونه، ففي الحالتين هي مجرد جسد يُحكم عليه بناء على نسبه”.

التداعيات على النسيج الاجتماعي

التمييز في فرض الحجاب ليس سوى غيض من فيض في سياسة الحوثيين الرامية إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات، فبعد أن فرضوا الامتيازات الاقتصادية والعسكرية للهاشميين، ها هم يضيفون بعدًا دينيًا قد يكون الأخطر بين اشكال العنصرية الحوثية كونها تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي اليمني تماما وهو الذي ظل لقرون يعتز بوحدته وتآلفه.

عبدالله القدسي، أحد أبناء مدينة تعز، يعلق على كلام الحوثي بالقول: “يقسموننا إلى أسياد وعبيد وشريفات وغير شريفات بل حتى في العبادة أصبحنا غير متساوين إما أن تكون من “العرق النقي” أو تكون أقل شأنًا”.
بينما يقول أحمد، مواطن من صنعاء إن ” التصريحات الأخيرة لمحمد عبدالعظيم الحوثي ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من سياسات التمييز، لكنّ الصحوة الغاضبة التي أثارها هذا الخطاب وغيره قد تكون بدايةً لرفضٍ واسع لهذه العنصرية المتفشية، وسوف تتمكن المرأة اليمنية، بكل مكوناتها، من توحيد صوتها ضد هذا التقسيم وأن تواجه فكرًا مستوردًا يُحول الدين إلى أداةٍ للتفريق بين البشر”

زر الذهاب إلى الأعلى